الحروب المريرة في العراق، والخراب والدمار الذي لحق بمدنه، واعمال العنف التي رافقت السنوات الدامية بعد 2003، والتعامل الوحشي مع المتظاهرين، كلها، خلقت جيلاً من المعوقين الذين تمت تسميتهم بـ(ذوي الاحتياجات الخاصة) من دون أن يكون هناك انتباه واهتمام بمن يعانون من هذا العوق الانساني الموجع ..
وقد تفاعل الشعر العالمي، متأملاً ومشاركاً ومناضلاً في وقفته مع هذه الفئة الاجتماعية التي تنتشر في بلدان العالم كافة.
هنا.. تقدم الاستاذة والاكاديمية والمترجمة البارعة د.هناء خليف غني هذا الرصد الشعري الحميم بألمه ومشاركته الانسانية العميقة، كما تم تكليف الاستاذ الناقد باقر جاسم محمد رئيس تحرير مجلة (الثقافة الاجنبية) للكتابة عن هذه القصائد، وذلك بهدف تقديم نظرة شاملة ورصينة للقاريء الكريم .. وسننشر الدراسة النقدية للقصائد في ثقافية الخميس القادم. (المحرر الثقافي).

تخيل أنك أنا / دينا س. ديلي

أغمض عينيك وتخيل الظلامَ الذي نعيشُ فيه!
هل بقدرتك أن تتكيَف مع العمى سبعة أيام؟
صُمَ أذنيك وحاول أن تسمع الهمسات،
هل بقدرتك أن تتخيل جمال الأصوات؟
حاول أن تتخيل نفسك في مكاني وتبقى على قيد الحياة!.
أقضِ شهراً في كرسي متحركٍ.
الأمر أصعب مما يمكن تخيله!
تذكر لا تستخدم قدميك.
لا تثق بالدعامات المُثبتة في ساقيك.
لا تحاول النهوض.
وحاول التسابق مع اصدقائك!.
جرب هذا الإحساس، أن تكون مُعاقاً،
ياله من أحساس قاسٍ مُمزِقٍ!
نحن من حُرمنا فرصة الحياة.
جرب قفازاً من الجبس حول يديك
وحاول أن ترسم خطاً مستقيماً!
إذا وِلِدت بلا ساقين،
هل يمكنك العدو في الطرقات؟
نحاول التكيَف كل يوم،
وليس بنا رغبةَ قط في هذه الإعاقات.
لا شيء يحدث من دون سببٍ.
جرب أن يُحدق فيك أحدٌ أو يُشيح بنظره جانباً!
جرب أن تشعر بالاختلاف!
لا أريد شيئاً منك، كل ما ما أريده أن تتخيل أنك أنا!
تخيل ذلك مدةً من الوقت.
وإذا كنت ستضحك أو تنادينا باسمائنا،
فعليك، أولاً، إغماض عينيك وصم أذنيك.
أجلس في الكرسي المتحرك وحاول التجول في الجوار.
قبل أن تلقي بأحد تعليقاتك البغيضة،
تخيل نفسك واحداً منا،
وتعيش على هذا النحو لما بَقِيَ من حياتك.


الفتاة ذات الكعب العالي / سارة اسماعيل

فتى أحلامي مُغرمٌ بفتاة ترتدي الكعب العالي.
جلست أشاهده يبتسمُ لها من كرسيَه المتحرك.
إنها ترتدي الكعب العالي حيثما تذهب، في الحديقة، والسوق، والمدرسة؛
لو أتمكن من ارتدائه مرةً، ربما سينظر إلي ويجدني رائعةً!
فتى أحلامي مُغرمٌ بفتاة تقود سيارةً سريعةً،
إنهما يتجولان بها في طرقٍ تأخذهما إلى الأعلى وإلى الأسفل،
يتحدثان، يمرحان، ويحدقان في النجوم.
فتاة فتى أحلامي تقود بسرعةٍ هائلةٍ،
من دون أن تنتهك قواعد المرور،
لو كُنت ماهرةَ في القيادة مثلها، لربما وجدَني فتى أحلامي رائعةً.
فتى أحلامي مُغرمٌ بفتاة لها صوت صداح،
ينبغي أن أشعر بالسعادة لأجله، أعلم ذلك وأدركه؛
لأنه أحب هذه الفتاة واختارها.
لو أحظى بفرصةٍ واحدةٍ للتحدث معه، لربما سيشعر بما أشعر به،
آه، لو أجعله يُدرك أن صمتي في حبه هو الحب الحقيقي؟
ولكنه مُغرمٌ بفتاة ترتدي الكعب العالي.
فتاة أراها تتبختر في مشيتها دائماً،
من الكرسي المتحرك الذي أجلس عليه وحيدةً.
لا يهم المكان، في الحديقة، أو السوق، أو المدرسة،
لن يكون بقدرتي أن أخطو خطوةً واحدةً إلى الأمام...
ما الذي سيجعله يحبني أو يجدني رائعةً؟
فتاة في كرسي متحرك أنا،
لا ارتدي الكعب العالي، ولا أقود السيارات!

في جنتي / سارة اسماعيل

في جنتي ليس هناك كراسٍ متحركة.
في جنتي الجميع يصعد السلالم فرحين.
في جنتي لا حاجة إلى المصاعد.
في جنتي، الجميع قادر على الحركة، الهبَة الأغلى والأثمن!.
في جنتي ليس هناك عصي مشي،
ولا كلاب مرشدة،
ولا طريقة برايل للقراءة،
ولا سبب للسقوط أرضاً،
ولا لغة إشارة،
ولا سماعات أذن مساعدة.
في جنتي، الجميع يسمع الكلمة المنطوقة،
والجميع يفهم ما يُقال،
والجميع يقود السيارات،
والجميع يبتسم.


الأمهات المُتميزات / ساره اسماعيل

دعوني أحدثكم عن الأمهات المتميزات،
الأمهات اللائي لا نظير لهن،
فبينما يتسلق أكثرية الأطفال الأسيجة،
يوصف أطفالهنَ بأوصافٍ مؤلمةٍ.
أنهن يشاهدنَ كل ذلك بصمتٍ وحزنٍ
يكسو الأسى ملامحهن،
ويعتصر الألم قلوبهنَ،
ولكنهم، بعد كل ذلك، أطفالهنَ، فلذات أكبادهنَ،
عليهن مشاهدة كل ذلك مبتسمات.
دعوني أحدثكم عن الأمهات المتميزات،
الأمهات اللائي لا يشبهنَ احداً،
فبينما يمرح الأطفال في ساحات اللعب
يقف أطفالهنَ بعيداً بعكازات ودعامات،
إنهن يشاهدنَ كل ذلك بقلوبٍ يعتصرها الألم،
وبعيونٍ اتشحت بالأحزان،
ولكنهم، بعد كل ذلك، أطفالهنَ، فلذات أكبادهنَ،
عليهن مشاهدة كل ذلك مبتسمات.
دعوني أحدثكم عن الأمهات المتميزات،
الأمهات الفريدات الرائعات،
فبينما يصعد أكثرية الأطفال السلالم بخفةٍ ورشاقةٍ،
يجلس أطفالهن متسمرين إلى كراسيهم المتحركة،
يشاهدون كل ذلك بصمتٍ وحسرةٍ
ولكنهم، بعد كل ذلك، أطفالهنَ، فلذات أكبادهنَ،
عليهن مشاهدة كل ذلك مبتسمات.
دعوني أحدثكم عن الأمهات المتميزات،
الأمهات المُحبات الصبورات،
دعوني احدثكم عن ألمهن وصبرهنَ.
فبينما يتجه أكثرية الأطفال إلى المدارس،
وهم يحملون كتبهم ويتحدثون عن دروسهم،
لا يُسمح لأطفالهنَ بالدوام،
يقولون لهنَ: (لا يمكننا استقبال أولادكن!)
وبرغم ذلك، لا تفارق وجوههنَ الابتسامات!
دعوني أحدثكم عن الأمهات المتميزات،
الأمهات العطوفات الجميلات،
فبينما ترتدي أكثرية الفتيات الكعب العالي،
تجلس بناتهن وحيدات منزويات،
بأحذيتهن الطبية الساندة،
أنهنَ يشاهدنَ كل ذلك مبتسمات.
دعوني أحدثكم عن الشيء الذي يجعل هؤلاء الأمهات متميزات،
أمهات لسنَ كالأمهات،
بينما الأباء يشاهدون أطفالهم فرحين، مرحين،
يلعبون، يضحكون، يقهقهون،
تُشاهد الأمهات الرائعات أطفالهن، شيئاً فشيئاً، يموتون...
يشاهدن كل ذلك بصمتٍ،
متوجعات متحسرات
وبرغم ذلك، يبقينَ مبتسمات!


جريمتى الوحيدة / ساره اسماعيل

جريمتي الوحيدة أنَّي أعمى،
ليس بقدرتي مشاهدتك وأنت تسرقني.
جريمتي الوحيدة أني أصم،
ليس بقدرتي سماعك تناديني بـ ’يا أصم!‘
جريمتي الوحيدة هي حاجتي لهذا الكرسي،
ليس بقدرتي صعود هذا الدرج أو النزول منه.
جريمتي الوحيدة أني مشلول،
ليس بقدرتي الإستدارة والهرب من نظراتك القاسية.
جريمتي الوحيدة أني أخرس،
ليس بقدرتي الرد على إهاناتك المبتذلة.
جريمتي الوحيدة عجزي عن تقديم المساعدة،
ليس بقدرتي ’الخلاص‘ من جريمتي حتى لو حاولت.
جريمتك أنك تضحك عليَ،
لا تُدرك كم يؤذيني ذلك،
لا تُدرك أن بقدرتي أن أفهم،
ولكني ما زلت أحاول أخبارك بذلك.
الفرق بيننَا أن بقدرتك ’الخلاص‘ من جريمتك،
بقدرتك الكف عما تفعله، ولن يأخذ ذلك الكثير من وقتك؛
اسألك أن تكفَ عما تفعله حالاً، في هذه اللحظة.
أنفض عنك جريمتك، غيَر حياتك...وحياتي!.

يمكنني القراءة بطريقة بريل /ساره بريل

ليس بقدرتي أن أرى،
الظلام الدائم هو العالم الذي أعيش فيه.
ليس بقدرتي أن أخبرك كم ثقباً هناك في لحاء تلك الشجرة،
إذا أردت الحصول على إجازة سياقة، مؤكد أني سأفشل في الاختبار،
ولكنني استطيع القراءة بطريقة بريل.
عندي كلبٌ صغيرٌ يُرشدني في الطريق،
البارحة، دست سهواً على ضفدع عابرٍ
بينما كنت أمشي في طريق من العشب،
ومع ذلك، ثمة أخبار جيدة،
فأنا استطيع القراءة بطريقة بريل،
أمشي وبيدي عصا بيضاء، لا لأني أعرج،
بل لأني لا استطيع التمييز بين الروبيان والقريدس،
اليوم، ضربت بقدمي دلواً فيه حليب،
ولكنني قادر على القراءة بطريقة بريل؛
لا أملك حساب هوتميل.
في الأسبوع الماضي، دعست حلزونةً صغيرةً في الحديقة،
ومثل أي شخص آخر، ثمة أشياء يتعذر عليَ فعلها،
ولكنني أراهن أنك لا تستطيع القراءة بطريقة بريل؟ هل يمكنك ذلك؟

أنا / نيكول ليونغو

ما الذي تراه عندما تنظر إلي؟
طفلة محبوبة، طفلة رائعة؟
طفلة خلقت أنت إحساسها بذاتها؟
هذا هو خلقك، كابوسُ الأحلام،
متشردةٌ منبوذةٌ، منسيةٌ في سجنِ من المخططات الدنيوية.
ما الذي تراه عندما تنظر إلي؟
مخلوقةٌ مرعبةٌ مُحتقرةٌ مُقرفةٌ
هل ستجرأ على النظر إلى الخلف، هل ستقبل أن تكون معلماً لي؟
بتبلدٍ وقسوةٍ تنظر إلى الخارج، إلى الشائهةِ والممسوخة،
أنظر إلى داخلي، أنا هناك، حيث يمزقني الألم.
أنت لا تعرفني، ولم تحاول قط،
معرفة الشخص الذي في داخلي،
جسمي القبيح الذي لا يمكن اخفاؤه
حال دون أن تنظر في داخلي.
أصغي إلى تعليقاتك الساخرة وأرى نظراتك المُتهكمة
أشاهدك وأنت تحدق فيَ بتوجسٍ وريبةٍ،
الشعور بالوحدة يُطبق على انفاسي،
بلا عائلة، وبلا اصدقاء أنا،
أشعر أن الموت هو الحل الوحيد لحياتي.
آه، هل سيأتي يوم تراني فيه على حقيقتي،
تراني كما أنا، إنسانة مثلك! أريد أن اعيش بكرامةٍ
أريد ان أضحك وأرقص وأغني!
آه، لو تعرف، عندي الكثير لأقدمه.
أنا الروح التي لا تُقهر،
بلوغ الذرى يبدأ في داخلي،
كم هو جميل أن تقبلني كما أنا
لا كما يمكن أن يكون.

عرض مقالات: