عندما تستعرض تاريخ تجربة ابداعية ، وتكتشف قدرتها على التواصل بالعطاء المميز في ظروف مختلفة وثباتها على ذات الخطى والمواقف التي انطلقت منها ونسجت خيمتها الإبداعية ، فهذا مؤشر على أصالة هذه التجربة ، وصلابة الأسس التي تقف عليها وتديم حضورها في المشهد الإبداعي ، فمنذ مطلع السبعينيات وأنا قريب من تجربة الشاعر “ علي الشباني” ومتابع لعطاءها ودورها الريادي في حركة الشعر الشعبي العراقي ، فقد وجدت فيها مشروعاً مخلصاً للنهوض بالقصيدة الشعبية الى المستوى الذي يليق بها كرافد من نهر الثقافة العراقية . وهذا ما يؤكده ديوانه “ هذا التراب المر .. حبيبي “ الصادر عن دار الرواد والذي قدم له القاص “سلام إبراهيم “ حيث تلمس عبر أكثر من عشرين قصيدة ضمها الديوان أصالة هذا الصوت الشعري الذي شكلّ مع أسماء قليلة مدرسة شعرية كانت اٍمتداد لتجربة النواب الكبير. فهي قصائد مشغولة بهموم الإنسان ومنحازة إليه في صراعه ضد مستغليه، مؤكدة ذلك من خلال التحريض على مواجهة القوى التي تحاول النيل من حريته وكرامته:

ياماي الجبل يمته تفيض الهور

ياهور الشعب، يمته الگصب يزعل

وعن لجوء “ الشباني “ في الكثير من اشعاره الى توظيف رموز المثيلوجيا الشعبية والى رموز شيعية اخرى مثل” الحسين” و”صاحب الزمان” الذي اتخذ منهما رمزان للثورة والخلاص فان استخدام هذه الرموز جاء للتورية ، ووسيلة للتخلص من رقابة السلطة ،فهي لم ترتبط بواقعة او بحكاية محددة انما هي تعبير عن هم فردي ، ولاأتفق مع ماجاء في المقدمة من انه لجأ اليها بسبب ( اليأس من اليسار الضعيف الفعالية ) ، ذلك ان جل قصائده التي وظف فيها هذه الرموز قد كتبها في مرحلة مبكرة من نضوجه السياسي والفكري والشعري ، وهو ما تؤكده قصائده المبكرة .

لقد ظل “الشباني “ رغم الانكسارات، شاعرًا مخلصاً لأفكاره، متوردا بالأمل واليقين من صواب مسيرته وقناعاته، يجسد ذلك بوضوح في منلوج تحكيه قصيدة (هموم عراقية):

يلتعب بيك البحر .. مامش جرف لليل

يلمشت كل المنايا لصوبك المهيوب

وكيف له ان يشطب على تاريخه وتجربته النضالية المريرة، المطرزة بالصمود والاٍباء والعذابات ويتركها لنهش الشامتين، وهو كثير ما تغنى بها (يلممشاك كل خطوة مسارات ... وصبر ليل انترس بيبان)، فها هو في قصيدة (قهر) يؤكد اعتزازه وهديه بنور ذلك السِفرْ الطويل:

ظل ضاوي

ظل ضاوي يعمري بكثر ما يضويك ذاك الراي

عرض مقالات: