وأنا منشغلة في كتابة فصول رواية.... بين لحظة وأخرى اسمع طرقا خفيفا على باب حجرتي.. طرق له نعومة اكف حفيديّ ميرنا وعلي.. طرق كما قطرات المطر..سرعان ما يتوقف.. ما أكترثتُ.. منشغلة حد التماهي مع كائنات روايتي..... وبعد وقت لا أدرى مقداره..طُرقة واحدة.. وانفتح الباب عنوةً وصوت كنتي..: اشتاقك احفادك.. ما الذي يشغلك عنا !!.. اجبتها إنني اكتب رواية.. انفرجت اساريرها وهي تقول: هل يمكنني قراءتها.. وسرعان ما بهتت كلماتها: أكيد  مثل روايتك السابقة ما فهمتُ منها شيئا..  لماذا لا تكتبين رواياتك بلغتنا..  تأملتها كشخصية..فرضت على الرواية دورها..

 اكتبي  بلهجتنا العراقية الجنوبية البصرية ليقرأك الناس.. ابتعدي عن زاوية المثقفين.. واقتربي من البسطاء هؤلاء يتمنون قراءة رواياتك ولكن ليس بإمكانهم، انحني قليلا لهم.. أنا خريجة كلية القانون.. واعمل محامية ولكن لا طاقة لدي لقراءة رواية بالفصحى ثم هل تعلمين في المحكمة المحضر يُكتب وفي قاعة المحكمة باللهجة العامية،  كما يحكيه المدعي والمتهم حرفيا.. 

وأنا انهض عن مكتبي وبهدوء  يشبه همساً اجبتها: نحن نحرس اللغة الفصحى.. ونسهم بلغة ٍ مبسطة ٍ تقترب من لغتنا اليومية، لكن المشكلة ليس لغويا فقط، مشكلة القارئ  يريد تبسيط تقنية القص لتصل..  والأصح تتدلى إلى رصيده الصفر، من الأدب عموما..  قارئ يا ابنتي يريد رواية ًمرئية ُ كمسلسلة أو فيلماَ. 

نحن نكتب بلغة سيدرسونها ابناؤك ذات يوم حين تمر عليهم كتاباتنا في المناهج المدرسية.. ضحكت ساخرة وهي تقول اتظنين! ومتى  حين تموتين؟ الله وحده يعلم كم جاهدت وتعبت وتمنت وخابت حتى وصلت ْ قصائد نازك الملائكة إلى المناهج.. طيّب اُطمئني حين تضمّن المناهج قصصك وإشعارك سأنتزع ورقة من دفتر ميرنا وأكتب  رسالة باللغة الفصحى وأدسها في تراب قبرك لعلها تصلك في بريد سورة الفاتحة....

ليلتها حاورتُ روحي : لماذا الجميع يتقبل صرعات  الأزياء وتلويث الجسد بوشم التاتو والأغاني الهابطة وبرنامج التلفزيون التي لا تستحي، ويشترون أحدث الموبايلات ويتدربون على أصعب أنواع تقنيات شبكة الاتصالات رغم كل تعقيداتها ويفضل غالبيتهم النوم بالفيسبوك..

ثم ماذا تبقى لنا إذا صارت اللهجة المحكية في التعامل الأداري؟ من المؤكد بعد هذا التعامل سندخل للدوائر الرسمية والأهلية بملابس البيت، ولا أحد يلقي التحية وهو يدخل كما هو الحال الآن بالتواصل التقني. 

عرض مقالات: