في غمرة إحياء الذكرى الثانية والسبعين للنكبة الفلسطينية، عدت لقراءة كتاب " وما نسينا " للراحل الفلسطيني سلمان ناطور. وهو كاتب فلسطيني متعدد الاهتمامات يشار له بالبنان، ويحتل مكانة مرموقة ومنزلة رفيعة في ثقافتنا العربية الفلسطينية، ويُعد أحد أهم وابرز المهتمين بالرواية الشفوية والكتابة التاريخية التوثيقية التسجيلية. وله عشرات الكتب الموزعة بين المقالة والكتابة الساخرة والرواية والقصة التسجيلية وأدب الطفل والترجمة عن العبرية والمسرحية وسيناريوهات أفلام وثائقية.

وقد أخذ المرحوم سلمان ناطور على عاتقه تحديًا بالحفاظ على موروثنا الثقافي وذاكرتنا الجماعية. وكان قد نشر في الثمانينيات من القرن الماضي في مجلة " الجديد " الفكرية الثقافية التي كان يصدرها الحزب الشيوعي، وكان يعمل فيها كسكرتير تحرير مع المرحوم إميل توما، سلسلة من الحكايات والقصص التسجيلية عن النكبة تحت عنوان " وما نسينا "، ثم جمعها في كتاب يحمل العنوان نفسه، طبع أكثر من مرة، وذلك بلسان الشيخ المشقق الوجه، الذي ولد وعاش في عدد من القرى، و يتذكر ويستحضر التفاصيل الصغيرة والكبيرة والمصيرية، ويعرف جميع الامكنة وأسماء القتلى الحقيقيين، وفي أحيان لا نعرف لماذا يتكلم ..!

وهذا الكتاب يمكن أن نصنفه في إطار الكتابة التسجيلية حيث يقوم بتسجيل بما سمعه من الآخرين.

وتتابع الرحلة في ذاكرة الشيخ المشقق الوجه وفق قدراته على التذكر، من خلال المرور والعبور واستحضار الأمكنة الفلسطينية، قرى ومدن وبيارات ومساجد وكنائس. وهي رحلة معززة بالأسماء الحقيقية للرجال والنساء والأطفال الذين قتلوا بمختلف الأساليب، وبدم بارد.

" وما نسينا " جهد إبداعي ووثيقة هامة ذات خصوصية تكتسب أهمية بالغة، وسجل تاريخي حي معزز بأسماء الامكنة والناس، للكارثة الصهيونية التي ارتكبت ضد شعبنا الفلسطيني، والمهم أن هذا السجل تم توثيقه وتسجيله من ذاكرة شاهد عيان، وشاهد على العصر، لتنغرس معلوماته وأحداثه في ذاكرة جيل ما زال وسيظل يحلم بالعودة، ويتطلع إلى الحرية والاستقلال.

كذلك فإن الكتاب هو سياسة جغرافية في المكان الفلسطيني، ويعزز خصوصية المكان في ذاكرة الأجيال الفلسطينية الجديدة والقادمة، ويأتي ضمن مشروع توثيقي لتسجيل وقائع النكبة الفلسطينية، والدليل والشاهد على ذلك هو وقائع مخزون ذاكرة الشيخ الفلسطيني المشقق الوجه.

وفي الإجمال، كتاب " وما نسينا " للراحل سلمان ناطور، وثيقة هامة تستحضر النكبة بكل أحداثها وتفاصيلها، وتستعرض المجازر الدموية التي اقترفتها الحركة الصهيونية في القرى والبلدات العربية الفلسطينية في العام 1948، ومن الواجب نشرها وإطلاع الأجيال الفلسطينية على تاريخنا الشفوي الفلسطيني ومدها بالمعلومات التاريخية، ولتبقى تتذكر نكبتنا المستمرة.

عرض مقالات: