بعد النكبة الفلسطينية ظهر لدينا نشاط أدبي وثقافي، وأخذت بالتبلور والتطور والتجذر شيئًا فشيئًا حركة أدبية، كان الشعر هو الملمح والمميز لها، وفرض حضوره كلون وصنف أدبي له القدرة على التفاعل مع الأحداث والتعبير عن الألم والجرح الفلسطيني الذي أحدثته التغريبة الفلسطينية.

وبالمقابل تمكنت القصة بمزاحمة الشعر وإثبات وجودها وحضورها من خلال عدد من النصوص والتجارب القصصية الواقعية الهادفة، التي نشرت على صفحات مجلة " الجديد " و " الاتحاد " و " الفجر " وغيرها من المجلات التي صدرت في تلك الفترة.

ونجحت القصة بالمساهمة في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي، وتبلور الرؤية الفكرية واستشراف المستقبل.

وتركزت قصص المرحلة الأولى- البدايات، بالتعبير عن جرح النكبة والتهجير من الوطن، وطرح هموم الإنسان الفلسطيني الباحث عن حياة كريمة شريفة والساعي لتوفير لقمة العيش وكسرة الخبز لأطفاله، وتصوير الحياة الشعبية الريفية القروية والعلاقات والمشاكل الاجتماعية.

كذلك تركزت القصة العربية الفلسطينية في بداياتها حول القضايا الوطنية والسياسية، ورصد الواقع الحياتي، وطرح مواقف اجتماعية وسياسية وفكرية مختلفة، كقضايا الأرض والترحيل واللجوء وبؤس المخيم، وعمليات المصادرة وتمسك الفلاح الفلسطيني بأرضه، وقضايا العمل والعمال، ومواضيع أخرى مسحوبة من الواقع والحياة اليومية.

وحاولت قصص هذه المرحلة إبراز الولاء للأرض والتراث، والالتصاق بالمكان، والتأكيد على الهوية الوطنية، والانحياز لفقراء الوطن والطبقات الشعبية والانتصار لقضيتها الطبقية.

ومن حيث الشكل الفني غلب على قصص البدايات الهرم الموبساني، والأسلوب السردي التقريري، وراوحت بين الواقعية الفجة والتصوير الواقعي الفوتغرافي، وبالمقابل احتوت بعض القصص على عناصر فنية وجمالية ناجحة.

وتميزت هذه القصص بسلاسة التعبير وبساطة اللغة وبالإيحاءات، والتوسع في التفاصيل والسرد والجزئيات والاطناب والتلاعب بالألفاظ، والمزج بين العامية والفصحى، وتوظيف الامثال والحكايات الشعبية.

ومن أبرز كتاب القصة في المرحلة الاولى بعد النكبة : إميل حبيبي ومصطفى مرار ومحمود عباسي وعيسى لوباني وممدوح صفدي وسليم خوري ونجيب سوسان وفرج سلمان واكرم أبو حنا وحنا ابراهيم وطه محمد علي وشكيب جهشان وعطا اللـه  منصور وتوفيق فياض والياس عوض وتوفيق معمر ونجوى قعوار فرح وأحمد حسين ويحيى صفدي، ثم عرفنا محمد نفاع ومحمد علي طه ونبيل عودة وعفيف صلاح سالم وزكي درويش وسواهم.

ومن نافلة القول، أن التطور والتغير والنقلة الجديدة في القصة القصيرة من ناحية أسلوب الطرح والتناول والسرد والمبنى واللغة والتقنيات الفنية الشكلية، نلمسه بشكل واضح في قصص المرحلة الثانية، التي رصدت الأحداث وتناولت مشاكل وهموم المجتمع، وركزت على معاناة الفلسطينيين جرّاء الحكم العسكري البغيض، وسياسة القهر والتمييز العنصري. وما ميز هذه القصص استحضارها للتاريخ واستعادة سنوات النكبة وما صاحبها من تشرد وتهجير وأحداث موجعة، وتركيزها على المكان كعنصر أساس وهام في بناء القصة وتشكيلها.

وفي الإجمال، القصة القصيرة الفلسطينية منذ بداياتها، وفي كل مسيرتها الشائكة لم تحد عن الواقعية، تفاعلت مع الحدث،  وحاكت الواقع وصورته فوتوغرافيًا في تغيره وتطوره النوعي، وركزت على البعد الوطني والسياسي والاجتماعي، وطرأ عليها تطور وتجديد في التجريب والتقنيات الفنية، وتخلصت من الترهل السردي الذي طغى على قصص البدايات، واقتربت من التعبير المكثف واللغة الشعرية، واهتمت بطرح قضايا وهموم الناس، وعرّت سلبيات مجتمعنا العربي والفلسطيني، وأظهرت شخصية اليهودي التقدمي الإيجابي المناصر للحق الفلسطيني، وجسدت صورة  الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، وحافظت على طابعها الإنساني بعيدًا عن الشوفينية. وظهرت على الساحة فيما بعد أقلام عديدة تكتب القصة باقتدار وتعتمد تقنيات حديثة واساليب فنية عصرية، وذات هوية خاصة ومميزة.

 

عرض مقالات: