- " ابحث عن شجرةْ

تورق أغصاناً من نجمات تنويريةْ

ابحث عن قارب

يبحر لا يتوقف

ابحث عن بيتٍ

بنوافذ مفتوحةْ

حتى استنشق فيه الأجساد البشريةْ "

 من هنا كانت انطلاقة الحلم المطلق في ديوان "الدرويش في رحلته الأخيرة" للشاعر العراقي "مصطفي محمد غريب" في رحلته مع الذات والوطن  والأخر في فضاءات كونية ، يتعايش معها بقصائده المتنوعة التي تحمل في طياتها، كل المعاني السامية للحلم البشري في كل مرادفته.

فهو شاعر  خاضعٌ لقيود الوزن – الكلاسيكي والتفعيلة ، وهو متمكن من اللغة العربية بشكل رائع ، ومتمكن من أدواته الشعرية والفنية ، وبكونه  له سنوات طويلة على ميادين الأدب ، أصبحت لديه تجربة خصبة ومتميزة ورائدة في هذا المضمار ، ولكن شعره يتفاوت من حيث المستوى ، فلا يستطيع الدارسُ أن يحكم عليه من خلال قصيدة أو اثنتين .

 بل على كل من يريد الكتابة عنه أو ليفهم ويدرس شعره بعمق ،  عليه أن يقرأ الكثير من دواوينه الشعرية المتعددة التي نوه عنها في ختام ديوانه هذا  وسيرته الذاتية ، وللشاعر "مصطفي غريب" قصائد مميزة وخاصة التفعيلة منها فهي على مستوى راق ٍ وعميقة حافلة بالمعاني والرموز والمرادفات البلاغية الجديدة وبالصور الشعرية الحديثة.

فهو كثيرا  ما يأتينا بالجديد المبتكر ولا يكتفي بالقوالب الجاهزة، القديمة بيد أننا نجد لديه كثيرا من المعاني المألوفة والمعهودة في الكثير من قصائده خاصة الكلاسيكية ونجد بعض العبارات والمعاني والصور المتفردة.

 أما شاعرنا "مصطفي غريب" فقد تميّز وانفرد في بعض الجوانب والمواضيع عن معظم الشعراء العرب، وخاصة في وصف الطبيعة وسحرها وجمالها ، فهو من الشعراء العرب القلائل الذين تعمّقوا وتوسعوا في وصف الطبيعة وجمالها  وبهائها  فتغنى بالسهول والجبال والسواقي والأزهار والطيور والشفق الوردي من منطلق وطني ، عكس الكثير من الشعراء الوطنيين ممن جاء شعرُهم الوطني والسياسي مجرد شعارات وهتافات رنانة مفتقرا إلى الصور الشعرية والإيحاءات الجمالية مثل قوله:-

  هل هذه بغداد؟

يلفها السواد

يخافها العباد

يأكلها الجراد

من كثرة الفساد

ولعبة القراد

يسرقها أوغاد!..

 ***   

هل هذه بغداد

بدجلة جدباء

وغبرة البطحاء

والناس في الفلاة

كأنهم أغراب

والركض في السراب

برحلة العذاب

يذلها أوغاد

  -  فشعر "مصطفي غريب" حافل بالصور الشعرية المدهشة وتكريس وتوظيف عناصره ورموزه للمعاني والأهداف التي يريدها ، حافلٌ بالمعاني العميقة وبالرؤى الفلسفية والمستقبلية الشاملة.

حيث نراه في صدر الديوان جاءت قصيدته الأولي بعنوان " الدرويش في رحلته الأخيرة" والتي اتخذها عنوان لديوانه الذي بين أيدينا، واستخدامه للفظ " الدرويش"ذات دلاله بلاغية في موضعها  أي خبرة السنين بعد رحله كبير فالشاعر يتعايش مع الحدث بصورة  بلاغية عميقة المغري والمعني علي السواء ،فقط امتلكه الحنين إلي الوطن المسجي في الدماء.

  وهنالك الصحاب والرفاق قد طواهم الكفن لا فرق عنده بين كفن ابيض أو احمر أو حتي اسود ، الوطن الذي يعيش داخله غير الوطن الذي عاد الية يبحث فيه عن شاعره القديم " بدر شاكر السياب" الذي رسم يوما حدود الوطن شامخا بين الأوطان ، فنراه يقول :

 -وقف الغريبْ

على مشارف بيتهِ

عند المداخل في البقاع

تلك التي حشرتْ على وجه الجدار

ليدخل الحي القديم

متعجباً.. يا رؤيتي

مستغرباً.. يا ويلتي

متدراكاً..  من حيرتي

 

مستفهماً.. صعب المحال

الناس في كل مكان

ولا صراخ

ولا هتاف

بل أدمعاً حمراء تسقط من سماء

صفراء مثل وجوههم

كقشور ليمون البساتين القديمة

أحياء في أقمشةٍ

سوداء من نفث الدخان

حشرٌ من الأنفاسِ تحشر في الفخار

سلالةٌ تمايزتْ من أصلها

أهذه دروشة؟

 ويمضي شاعرنا في قصيدته  بنهج الاستفهام الاستنكاري الذي أضاف دهشة وإبهار لدي المتلقي ، ليعلن أن ما سكن بداخلة من شغاف العشق السرمدي لأركان هذا الوطن قد تلاشي أما ما نزل به من نكبات ربما بفعل من بعض أبنائه ، ولجأ الشاعر هنا إلي الأسلوب الاستنكاري  ليوقظ بداخلنا نحن العرب ، الشعور بالذنب فيما آلت إليه بلانا التي كانت مهدنا لحضارات أرخت إبداعها وتقدمها علي العالم شرقه وغربه حيث يقول :-

أهذه دروشة؟

أم أنه الدرويش قد ضاق الطريق

وأضاع قلبهُ الحنين

يا أنت من سأل القبور

ورأى السياب في سفر الغياب*

ثم اغتنى الباقون من رهصاتهِ

شعراً فكان على النصاب

أرحلة؟

هذي الذي كانت تُخَطَطُ من بعيد

أهي النهاية في السؤال؟

والأم تنتظر الولادة

والأم تنتظر الدخول

يا أنت مَنْ جاب الأراضي والشعاب؟

وعرفت طعم المفرداتْ

خذلتك أسباب الرتابة

وبيع في الشرفة قانون الخرائط

لكن قلبك فاض في رحم الحقول

لم يرعب التدجين خاطرك الطري

ولا نزلت من الحصان

ركبت قاطرة التحدي

كلاماتك البيضاء حطمت القيود

أهذه هي الحكاية للوصول؟

ونزلت في نصف الطريق

وتركت ناصية اللجام

....

 ....

وقف الغريب

على مشارف رحلةٍ

كانت نهايتها غريبةْ

فلا اعتذار

الحزن ترسله السماء

- في قصيدة بعنوان "طائر التذاكر المفقودة "يأخذنا الشاعر إلي عالم من عوالم الذكريات والحنين إليها  في صورها القديمة التي ضاعت او كادت أن تختفي من ذاكرتنا في بحار تلك الغربية والاستبعاد ،انه الحنين إلي الرفاق الذين امضوا عمرا طويلا في رحلة البحث عن الذات العربية والمقاومة ضد تلك الأفكار الغربية والاستعمارية ،يبحث عن رفيقة الشاعر في " النفق المبهم- التاريخ المشحون- البركان المحبوس- القطب الثلجي "كل تلك المفردات المتجانسة أو المرادفة  والمتناقضة أيضا أضافت دلالات بلاغية علي عمق المعني ، وقوة الصورة لدي الشاعر في صورته الاجتماعية  فنجده يقول في تلك القصيدة :

 الآن ..

في هذي الساعة المشدودة

في هذا اليوم الموروث من النفق المبهم

في هذا التاريخ المشحون ثقافات طواطم

أتقيأ في الظل من الظلِ

أتنفس قرب القطب الثلجي

ثلجاً من نار البركان المحبوس بأعماق الروح

وأراقب في فرحٍ شجني

هذا الطائر قد طار بلا منقار

وبلا أجنحةٍ من ريشٍ أبيض أو أزرق أو حنطي

من كلّ الأوكار

ضاعتْ في الريح نوادر

- ويواصل شاعرنا استخدم الألفاظ السهلة والتراكيب المبسطة التي تعتمد التكرار اللفظي بهدف إيصال فكره وعاطفته للعامة, ولغير العامة أن يظن أن الشاعر موغل في تهكمه, كأسلوب يشبه الكوميديا السوداء.

 لكن بعيداً عن السياسة وإنما منغمسة بالمجتمع الحضاري الذي لم يبلغه من الحضارة سوى قشورها, وبقي الجوهر عفناً من رطوبة وتحجّر العقول والمفاهيم البائدة, وربما سطحية واستهتار الجيل الجديد العاطل وبعده عن تلك النماذج الفذه في محراب الوطنية ،وكيف كان الطريق الي الهوية صعب بل صعب جدا، مازال شاعرنا يحاكي الماضي بكل ما يحمل من ذكريات ربما كانت مضحكة ومؤلمة في آن واحد فنجده يحاكي صاحبه قائلا:

 الآن.

لا تتذكر في الحاضر

طبعاً

أنت الآن فقدت الحس تماماً

بالموجودات

بثقافات طواطم

لكني

أتذكرُ ذاك السن المقلوع

ونناقش في الكتب الممنوعة

كتباً نسرقها

نتباهى

بالسرقات

لا تتذكر في الماضي

كنت تقول لنا ــ أني أنفق تدريجياً

من ذاك السل الجاثم ما بين الفخذين

ويموت الحصري بعدي*

من تيه الوقتِ

 - تلك القصائد المتميزة في هذا الديوان ولكن يجدر بنا أن نؤكد أن الشاعر  حرص على ربط مفاجآت حياتية خاصة ومناسباتها بقصائد شعره، فعمل  على تطوير صورة القصيدة شكلا ومضمونا من خلال إصدار العديد من الإصدارات الشعرية  في ميادين وثقافات عدة عربية كانت او غربية.

   ومن المعروف أن الشعر العربي  عرف مسارات متعددة خاصة بعد الثورة الصناعية في أوروبا، التي أخذ معها الشعراء والأدباء عموما مسالك كثيرة منها ثورة الشكل والمضمون، وظهور التجديد في الأدب عموما بحد الحداثة أدى إلى تغيرا ت ملحوظة في مزاجية الإنسان وتطلعاته المستقبلية لفكرية والفلسفية.

ولذالك عندما نتناول هذا الديوان بالدراسة والتحليل نجد ان الشاعر يأخذنا في مسارات شعرية عديدة مابين الخاص والعام وتنتقل بنا في  هدوء المشاعر من عتبة الي أخري دون إحداث اختلال في الأسلوب أو حتي الجمل الشعرية معتمدة في ذالك علي تلك الثقافة العربية التي يمتلكها   وتلك المفردات التي رسم بها تلك اللوحات التعبيرية في تلك القصيدة الرائعة التي تحمل عنوان" دمشق حلم الحالمين" هذه القصيدة التي جاءت لتضيف إلي أوجاعنا وجع جم.

إنه الخذلان العربي الذي رصده الشاعر في تلك المحنه التي تعيش فيها عاصمة من أجمل العواصم العربية  بفعل فاعل ،جاءت حيث تأخذنا الشاعر " مصطفي محمد غريب "في عتابان عديدة في مخاطبة الروح في عالم العشق والحب متمكنة من أدواتها الشعرية  ولغتها  السهلة البسيطة وإحساسها الشعري المتدفق عبر صورة البلاغية فيها كا حد السكين يمزق بداخلنا ما بقي من حياء وعزة وكرامة فلم يجد غير تلك الكلمات الصارخة في وجه كل من بقرائها حيث يقول :

 " أيتها

الطريدة ( المملوءة ) الفخذين يا دمشق "

نامي على وعودنا

ثم انحني في صرخة المأذون في الحناء

نصيح بالظنون

مِن الطليق قاسيون

من الطريق رعبهمْ يسابق الوطن

من زحمة الضجيج

وأنت يا دمشق في الأفول

يا أسفي، عليكِ تنزفين

غاضبة في الغوطة المعصوبة العينين

مفجوعة بابنها الوليد

كزهرةٍ حمراء في الضلوع

في بلدٍ " لكان اسمه دمشق "

لبلدةٍ لكان اسمها حلب

أواه يا دمي المراق

كيف أراك في الصباح في المساء

مقطوعة النهدين

كيف أراك في العراء يا دمشق؟!

وأنت تقتلين

في لغة المدح الغناء

كيف أراك تنزفين من نزيفنا الملعون!

- من النصوص الأدبية الرصينة المتكاملة تحتوي على شروط بنائية جمالية ، أي توفرها على إيستاتيكية وديناميكية التنصيص ضمن أطروحات فكرية وأيديولوجية إنسانية تلمس في البؤرة الثابتة للنصوص ، وهي مجوعة أفكار تخص المبدع كرسالة إنسانية ، وهي نقط جوهرية لا يمكن للناقد تغييرها أو التلاعب فيها .

النصوص الشعرية في ديوان (الدرويش في رحلته الأخيرة) يمكن إدراجها ضمن الأدب المجتمعي، لشدة تبنيها كل عناصره وقضاياه ، والنصوص الشعرية حاملة لهموم الإنسان وقضاياه سواء في العراق أو الوطن العربي ، فالإنسان عند الشاعر عنصر مهم يشارك بالكثير من الأفكار لبناء الوعي المجتمعي.

 والشاعر  ليس بمعزل عن التغيرات المجتمعية . لا يقتصر تأثير الشعر على عكس الواقع ونقل تفاصيله ، بل إنه يعمل على تشكيل ذلك الواقع من حلال النقد المباشر والغير مباشر للمشاكل المجتمعية وقضاياه المتداخلة والمتشابكة، ويتجلى ذلك من خلال اقتراح رسم اللوحات المعبرة عن  تلك الإشكاليات ، كما أن دور الشعر لا يقف عند تشكيل الواقع ، بل يتعداه إلى خلق واقع الأجيال المقبلة .

والشاعر مؤمن با المثقفون لديهم المقدرة علي التعبير  من خلال الأدب عموما و  المساهمة الفاعلة في تشكيل وعي مجتمعي سواء على المستوى الأيديولوجي أو السياسي أو الاقتصادي أو الفكري، حيث نجد في قصيدته "القدوم يا بغداد"

 أقدمت في النية

أن اركب الرياح

أسافر الشرق

الشرق أوسطاً

منغمساً، توابل الهند

أرى الطقوسْ نفطاً من الخام الحبيسْ

في قمم التفقيس

أرى العراق في المعقول؟

لا يجهض فيه الحلمْ..

أصبحت مركباً من خوص

ومعبراً من جبس

يروق لي أن اترك الساحل

الم شمل البحر في المحيط

اشتم في التدليس

والعالم الحبيس

في قمقم المثول والتفقيس والتسويف..

أقدمت يا بغداد

يا قمة التعريف

هيا  انهضي تخلصي

من عالم التثليث والتسقيف

وعرة التسخيف

تخلصي من كذبة التخريف

والوعد والتجديف

بغداد يا بغداد يا قمة التعريف

في المثال

تخلصي من ضبعة التخويف

وعالم التخريف..

- وللمرأة أيضا مكانة عظيمة في نفس الشاعر فهي جزء لا يتجزأ من وجدانه الشعري والإبداعي في تناولها بنصوص عديدة في الديوان يتغزل في جمالها وتأثيرها المباشر عليه وان كان العتاب المحبب المنجاة   هو الصيغة المتواترة في العموم مابين الرجل والمرأة منذ قديم الأزل فنجده يقول في قصيدة "حب المتجلي"

 تجلتْ عيون المَها شوقاً وحباً وجمال

وانتشى القلب تدلى غصن زيتونٍ دلال

وكانت عيون المَها شدواً لمعبري

وفي خاطري ودا ووصلاً من وصال *

فتغاضى عـن حسودٍ همه زرع التجافي

فترفعْ في حنينٍ وقد عـــــــــاب ابتذال

وزاد الحب مــــــن قهر وحقٍ للتصافي

أي لؤمٍ ثــــــم غيظٍ  احتوى فيهِ احتمال

ويح قلبي مــــن وفيٍ وأمينٍ في الخصال

ويح دربٍ في طريق العشق يحتاج المال

-  كان حرص الشاعر علي تنوع موضوعات هذا الديوان هو إصرار علي التميز بين اقرأنه من الشعراء اللذين قطعوا شوطا كبيرا في هذا المجال ولذالك علينا أن نقدر تلك القدرة الإبداعية التي تجلت عن شاعرنا وقدرته  علي اختيار تلك المفردات  الشعرية التي تميزه عن الآخرين.

 فهو دائما يمتلك أدوات التجديد الشعري لتواكب كل المسارات الشعرية ، وحرصها علي الارتباط بالطبيعة المحيطة به في مفرداتها ،حيث أن تأثير الطبيعة في تكوين الحالة الشعرية عند أغلب المبدعين هي حالة بديهية ، إذ تصبح الطبيعة ملهمة للأحاسيس والمشاعر ، إحساس بجمالها الذي من خلاله تتشكل نفسية المبدع وملامح شخصيته ، لأن الإبداع هو تنفيس عن تجاذب وصراع معتمل داخل الشخصية ، فيصبح الإبداع تعويضا ذو غرض أسمى فنجدها تقول في قصيدة “امرأة العصافير"

 قرب الجدولْ

بمحاذاة الحيطان  الطينية

والشوح الباسق أظلالاً من عليين

امرأةٌ في العقد الرابع

سمراء بلون الحنطة السحري

شفتان بلون اللوز الناضج

ويدان تهفان كريش البط البري

تغرف ماءً

تغرفُ من ريحِ البستان

وعلى مهلٍ، تحدق في الماء الجاري من نبع جبلي

فترى صورتها

ترقص في موجات الماء

- هذا الديوان يتميز بوحدة النص المستقلة حين نجد الأفكار متتالية متدفقة مع بداية النص حتى نهايته وبما نجد بعض النصوص هي اكتمال الفكرة لنص قبلها أو تداعي الفكرة في نص يليها.

   ونجد أن وحدة النص تسلمنا إلي وحدة الشعور التفاعل مع تداعي النص من خلال الأسلوب السردي المتنوع الذي لجاء إليه الشاعر في ديوانه وكثيرا ما نجد الشاعر قد لجاء إلي فكرة الاقتباس من نصوص شعراء آخرين أشار في هوامشه إلي ذلك حفاظا علي الحق الأدبي والفكري وجاءت تلك الاقتباسات في مواضعها مكملة لتهج الشاعر الفكري فنجده في قصيدة " ـــ هو الحلم"يقول:

 

ما قيل في المعنى وفي المضمار

" كل الطرق إلى روما تؤدي والحريق *"

وكانت الرايات تخفق في الطريق

لم تسقط الرايات بل خف البريق

وتعثرت سنابك الخيول في السؤال

عند المعابر بين أجنحة الجبال

ثم انتهى التوديع واختلف العناق

هي المراحل تنفجرْ حتى الفراق

وتبرمج الشعار في ليل الشمال

أواه يا حلماً يراق

في جسمك المحموم يا ضلع العراق

* مثل روماني نصه الشاعر المرحوم عبد الوهاب البياتي

 

- الديوان احتوي ألوان جديدة من الإبداع وهو القصيدة النثرية المركزة التي باتت لوان تعارف عليه الكثير من النقاد وان كنت انا لا اعتبره لونا من الشعر من حيث البناء البلاغي للقصيدة كما تعارف عليها كل الكتاب والنقاد في عصور نهضتنا الأدبية قبل ظهور ما يسمي حداثة نتيجة طبيعية  للتحولات الإنسانية والاجتماعية التي تعايش معها الشاعر في المنفي  اختياريا وان كانت تلك المقطوعات النثرية تحمل في طياتها أفكارا وصور جمالية بليغة إلا أنها لا ترتقي إلي كونها قصائد شعرية ، رغم روعتها التعبيرية والمجازية وهي نتاج طيب من المبدع  ومنها هذا النص : 

      "نص نثري الضوء"

حينما يدلف الضوء إلى غرفتي البهية

أتقدم خطوتين

برؤيا الترصد والإبصار

اسلك اقصر المسافات إلى نافذتي الشرقية

ومنها اسبح في فضاء الحديقة الصنوبرية الجانبية

لا يخطر ببالي..

 إلا مزاج شفيف عن ذكريات الهروب

لم الهرب من خطوة ثالثة؟

أشع نحو اللامرئي كي لا ادخل في متاهة النتائج

خطوتين تكفي

الأولى يروق لي أن اجتاز بها طاولة الكتب القديمة

الثانية اصطف بجانب الفتحة الزجاجية

أحدق في فضاء الحديقة المرسومة بخيال

"فان كوخ " القانت قرب حقل الحنطة الصفراء

أرى تلك الرؤيا التي قلت عنها مؤكداً

ـــ أنهم لا يسوون شروى نقير من الوفاء!

لست مهتم للباقي

مادام الضوء مازال يدلف غرفتي البهية

مازلت أتمالك نفسي كفارس رومانسي

لديه فرس تخب بشوق نحو غسق حقول الحنطة الصفراء

 - وأخير علينا أن نقر بان هذا الديوان هو إضافة إبداعية للشاعر "مصطفي محمد غريب"في مشواره الأدبي الطويل ،بما يجمله من رؤى جمالية يستمدها من مخيلته الخصبة، ومعارف وجودية وكونية سابقة وعميقة في إدراكها، ولها القدرة في التغلغل إلي مشاعر وأحاسيس المتلقي بلا جواز مرور وتجبره علي التفاعل معها علي انه جزء من الرؤية الإبداعية لدي الشاعر.

وهذا الديوان بما يحمله من صور إبداعية وأفكار خلاقة ،هو لحظة تجلي شعري تملكها الشاعر واعتلي بها ناصية الإبداع،راسما لنا أروع اللوحات ، بما يمتلكه من مهارة فعالة في مجالات الإبداع عامة والشعرة خاصة .

**********

هوامش:-

1- ديوان "الدرويش في رحلته الأخيرة "للشاعر مصطفي محمد غريب

2- الناقد حاتم جوعية "جريدة" صوت العروبة "

3- عقلنة الجنون للناقد العراقي كامل الدليمي

4-  دراسات نقدية   د/السيد الزرقاني جريدة " رأي اليوم اللندنية"

* ناقد وكاتب صحفي

** صدرت  عن دار النشر والطباعة والتوزيع  المصرية المعروفة " النخبة " المجموعة الشعرية الجديدة " الدرويش في رحلته الأخيرة " لمصطفى محمد غريب وهي المجموعة  الشعرية الثالثة عشر ترجمت منها أربع مجاميع الى النرويجية  إضافة إلى (11 ) نتاجا أدبيا  ضمنهم ( 4 ) روايات ترجمت واحدة منها إلى النرويجية،

تحتوي المجموعة على( 56 ) قصيدة متنوعة وهي من الحجم المتوسط وبغلاف جميل ومعبر..

 

عرض مقالات: