عُقد في بغداد أخيرا، المؤتمر التأسيسي الأوّل لجمعية الناشرين والكتبيين العراقيين، وهي خطوة على طريق تصحيح المسار وإعادة عملية صناعة الكتاب والنشر عمومًا إلى الطريق القويم، على أيدي المتخصصين من الناشرين والكتبيين المحترفين. وفي الوقت الذي يشهد فيه العراق صحوة وعي غير مسبوقة في تاريخه السياسي والاجتماعي، متمثلة في انتفاضة اكتوبر ـ تشرين الكبرى، أصبح من الضروري تصحيح مسار المنظمات الثقافية والمهنية وتخليصها مما علق بها من شوائب وممارسات هجينة، بسبب التدخلات الفجة لسلطة الأحزاب الإسلامية وما جرّته عليها من أمراض وممارسات منحرفة، تمثلت في فرض العناصر الدخيلة التي لا تمتلك الحدّ الأدنى من المهنية والاختصاص، ظنًّا منها أنّها ستفرض سيطرتها وهيمنتها على تلك المنظمات، كما تفعل عادة الأنظمة الديكتاتورية.
إنّ حصيلة ستة عشر عامًا من الفساد الذي ضرب جميع مفاصل الحياة في العراق، أفرزت الكثير من الظواهر والممارسات الشوهاء المستندة بالدرجة الأساس إلى منصة تلك الأحزاب الفاسدة والمال المسروق، ومن هذه الممارسات محاولة التسلل إلى الجسد الثقافي العراقي الذي ظل منيعًا ضد جميع تلك المحاولات.
لقد أرادت سلطة الأحزاب الفاسدة فرض شريعتها المبنية على نهب أموال الدولة واستغلال الفرص لإثراء اعضائها والمقربين منها وتوزيع الأعطيات والهبات لهم على شكل عقود وفوائد تنتفع منها الطفيليات التي تعيش وتنمو على جسدها المتعفن، فكانت الكثير من المنظمات الثقافية للأسف ادوات طيعة لتحقيق تلك المآرب الدنيئة، ولعل الجميع يذكر ما سمي وقتها بـ "فعالية بغداد عاصمة الثقافة العربية" والمبالغ المهولة التي أهدرت بواسطتها على شكل هبات ورشى للكثير من المحسوبين على الثقافة، حتى تجاوزت النصف مليار دولار,
لقد اسهمت تلك الأموال المهولة بتدمير الحياة الثقافية العراقية او كادت، بعد أن أفرزت اتحادات وجمعيات فاسدة تدور في فلك الحكومات الفاسدة نفسها، لتنتج لنا الكثير من الظواهر الدخيلة، من بينها تخريب عملية صناعة النشر والتوزيع وتسلق الدخلاء على رقبتها، بعد أن استحوذت دور نشر شبه وهمية أو جديدة، على الكثير من عقود الطباعة، فأثرت ثراءً فاحشًا على حساب دور النشر العراقية العريقة التي تجاهد لأدامة رمقها من اجل تقديم الكتاب الجاد.
واليوم، بعد انتفاضة شعبنا العظيمة على رموز وأحزاب الفساد، اصبحت أغلب تلك النقابات والاتحادات والجمعيات المخترقة من قبل تلك الأحزاب، محط ريبة وشك بالنسبة لأغلب العراقيين، وصار لزامًا على الجميع إعادة هيكلتها وتشذيبها لتخليصها من العناصر الدخيلة التي فرضتها السلطة الفاسدة، كي تكون رديفًا مهمًا لصحوة الوعي الشعبي وطموحات الجماهير في بناء غد نظيف وزاهر وخال من الشوائب والظواهر السلبية. ولعل تأسيس جمعية جديدة للناشرين والكتبيين العراقيين المحترفين، هو خطوة بهذا الاتجاه، على أمل أن تليها خطوات أعم وأشمل تتعلق بنقابة الصحفيين نفسها التي ابدت مواقف مشينة من انتفاضة الشعب وغيرها من النقابات واللاتحادات والجمعيات التي كانت أداة مخزية لتزييف الحقائق ونشر الاشاعات ومحاولة تثبيط العزائم، على العكس من بعض الاتحادات القليلة التي ابدت مواقف بطولية مشرفة بوقوفها إلى جانب ابناء شعبنا وشبابه المنتفضين، كاتحاد الأدباء العراقيين ونقابة المعلمين ونقابة المحامين والنقابة الوطنية للصحفيين، تلك النقابات التي سطرت أرقى صور النضال الجماهيري الخلاق والتلاحم المصيري مع شعبنا المكافح من أجل نيل حريّته والتخلص من ربق تلك القوى الظلامية وإعادة بناء العراق، ولابدّ ان تحظى جمعية الناشرين والكتبيين العراقيين الجديدة بالدعم من المثقفين والكتّاب والمؤلفين العراقيين، بما يسمح لها النجاح في مهمتها المتمثلة في إعادة الاعتبار للكتاب والمؤلف العراقي.

عرض مقالات: