من أعماقِ الوادي

من عرَضِ الهورِ

وقلبِ الصَحراء

أمٌّ فُجِعَتْ بابنِها الشهيدِ

على صدرِها دُميَةٌ

شبِعَتْ دماً

تبحثُ عن صاحبِها المذبوحِ

بكاتمِ صوتٍ، أو طلقةِ قنَّاصٍ

مبعوثٍ توّاً من جيرانِ السُوءِ

لقتلِ الأطفالِ، وتشريدِ ذوي العِلمِ

لتفريقِ بُناةِ حضاراتِهِ في البُلدان...

بينَ الأجسادِ، وتحتَ الأنقاض

القاتلُ مَحمِيَّا، يخرجُ

مزهوَّا بِسلام

في الجنَّةِ مَوعوداً

بالخمرِ، وحُورِ العِينِ، وبالولدان

والحاكم يشجبُ، يشجبُ

خلفَ المذياعِ، من قبوٍ في الخضراء

يهتفُ، يلعنُ، يرعدُ، يزبد

حتى قُفِلتْ أبوابُ التِلفازِ

ونامَ الفُقراء

شبِعوا جوعاً، ووعوداً من عرقوب

وأكاذيبَ مُلفَّقةً بالأطنان...

أراملُ خلفَ الأبوابِ

وفي الطرقاتِ

وأفواجٌ من أيتام

لقمتُهم مجّاناً بِيعَتْ

للسادةِ الحكَّامِ، قُرَّاءِ المقامات

ماتتْ زهراتُ حدائِقِنا

أصحرتْ الوديان

غارَ حتى قعرِهِ الفُراتُ

دموعُ دجلةَ جفَّتْ

قطَّع السفاحُ أوتارَهُ، زرياب

والمُتنبي نامَ وأغلقَ الأبواب...

في سوقِ السَراي

أحرقَ الدراويشُ الألوانَ

وارتدى العراقُ - رغمَ أنفِهِ - السَواد

غادرَ البصرةَ السيَّابُ

ففي بلادِنا حِداد

دهاقنةٌ، ولصوصٌ

باسم الدين يحكمونَ

مُفسدون

غيرَ التراتيلِ، والمراثي، لا يُجيدون

وفي العراقِ

صناديدُ، صابرونَ، شِداد

عزيزاً سيبقى العراق

مدحورةً من حيثُ أتتْ

تغادرُ أفواجُ الجَراد

ويطوي الظلامُ شراعَهُ

زاخو غازلتْ البصرةَ

بأعذبِ الألحان

من هوليرَ

يُداعبُ النايُ الرَباب

وفي دار السلامِ، الحبيبةِ، بغداد

تناخى الغيارى، بساحةِ التحرير

حطَّموا الحواجزَ، والغازَ المُسيِّلَ للدموعِ

وكشَّفوا عوراتِ ملوكِ الخضراء

حتى من سُكرِهِم أفاقوا

أرتالُ السلاطين

في كلِّ حيٍّ سلطان

في كلِّ بيتٍ سلطان

خسِئَ الرعاعُ

لا سيِّدَ إلاّ العراقُ

وليسَ على الأرضِ غيرُهُ سلطان...

وسطَ الساحةِ، في التحريرِ، وكلِّ الساحات

قامَ الشُهداء

نادى ابنُ ثَنوَةَ، أعلى الصوت:

ما مِتنا... أحياءٌ... ما مِتنا

مَنْ ماتَ هُمو الأوغاد

ومَنْ ضاعَ هو الجَلاَّد

أمَّا وطني

فحيَّا يبقى أبدَ الآباد

وأمَّا شعبي

فحُرَّا يحيا رغمَ الأصفاد

لا يسقطُ في الوحلِ سوى الأوغاد

وطني عَلمٌ

والوحلُ مصيرُ الأوغاد

نادى الشهداءُ بصوتٍ واحد:

ما مِتنا... فالموتُ مصيرُ الأوغاد...

عرض مقالات: