في ملتقى الرواية الثالث الذي أقامه اتحاد أدباء البصرة (6- 9 أيلول 2018) ألتقيتُ القاص والروائي علاء مشذوب عند باب قاعة المحاضرات في شيراتون البصرة تصافحنا، وبنبرة خفيضة ووجه مبتسم خاطبني وسلمني كتابين له: ذلك لقائي الأول وللأسف صار الأخير مع الروائي الغزير المواهب علاء مشذوب – طيّب الله ثراه – ما أنشره في هذه المقالة كتبتُ معظمه والأستاذ علاء مشذوب على قيد الكتابة، واشعره ما يزال على قيدها من خلال مطبوعاته وأفلامه، وحين قرأت روايته(باب الخان) وحاورتُ شخوصه، كنت أصغي لنبرته الخفيضة وهو يكلمني... مكثت مقالتي :أوراقاً مكتوبة ً بالقلم السوفت الأحمر، ومحشورة ً بين صفحات الرواية، وحين نزفتْ شمعته الأولى في الشاطىء الثاني، عدت ُ لأوراقي وتأملتها فتذكرت قصيدة قصيرة جدا جدا، كتب َ عنها الناقد روبرت شولز مقالة ً عميقة َ  

( مرثية ...

  أقرأها لمن ؟)

الآن مع غضبة الجماهير العراقية، دلفتُ مجددا في الفضاء الروائي لجمهورية باب الخان

(*)

(باب الخان) هي سيرة مكان تتفرع منها وجيز سيير الشخوص الذين يتذكرهم سيد عدنان : وهوالشخصية المحورية، ومن خلال صوته الخاص وتصويتات شخوص الرواية وأحيانا صوت السارد العليم سنصغي للحكايات التالية :

*حكاية سيد عدنان الغرامية

*حكاية سعدية

* أبو جبار وجبارالذي سيغادر ويمكث في كندا

* الحوذي ابن سيد هاشم

*كرم المعمار

* كاظم أبن السمينة

* فرهود1941

* الممرضة الأرمنية أريف

* تاريخ البهرة من خلال أيسر

*عائلة جبر

*بائع الباقلاء يعقوب الياسر

*منتصر الشيوعي المشحون بالديالكتيك الماركسي

* مقتل عزيز الهادىء

*مقهى قاسم بهية ومقتله على يد عباس حلومة

*جليلة شماعية وزوجها غيض الأعور

* فضائح جميلة بنت جليلة شمّاعية

*هدى بنت جميلة : عهر وشعوذة

*بسبب دعارة شقيقتيه: علي الرياضي الخلوق يضرم النار في ربيع عمره الفتي

هذه الحكايات متناثرة مصابيحها بين مستويات: السرد والتوصيف والتوثيق التاريخي، وعنوانات هذه الحكايات من تصنيع قراءتي الشخصية.

(*)

في قراءتي الثانية لرواية (باب الخان) قرأت ُ الحكايات الماتعة على حدة، ثم عدت ُ لقراءة الرواية، قافزا المتون الحكائية: إجراءات قراءتي وفرّت لي روايتين في رواية واحدة

(*)

 الشخصية الدائمة الحضور في (باب الخان) هي شخصية سيد عدنان وبشهادة السارد العليم (كونه شاهدا على العصر وهو يرى مدينته تنهار بأهلها وتراثها وحرفها وأسواقها وبيوتاتها وشناشيلها وعاداتها وتقاليدها / 242) وقد أولى المؤلف أهتماما خاصا في نحت الأبعاد الشخصية لسيد عدنان، المسكون بعشق المكان حد التماهي،عشقٌ مصاب بتأبيد لحظة معتقة، في داخلة هو للمدينة يخشى على مدينته هو/ زمنه النفسي من الأفول : (يكره التغيير لأي شيء يخصها، ويحب التكرار لحياتها/ 208) بوحدة مقياس غاستون باشلار : سيد عدنان مصاب بمرض تثبيتات السعادة

(*)

 (باب الخان) حي سكني يتموقع  في مدينة كربلاء وهو : مسقط رأس الروائي علاء مشذوب،ولهذا المكان قدسية معينة(يحتضن بين ظهرانيه جزءا من واقعة الطف/44) وبالنسبة لسيد عدنان فهو(يشعرأن للمدينة روح تسكن أهلها وضمير تربى داخلهم/ 208) من منظور آخر فأن باب الخان  حيز منغلق في ذاته من وجهة نظر منتصر الشيوعي الذي أدلجه المؤلف أدلجة مطلقة !!(يا سيد عدنان،أنتم تدورون في ساقية أسمها جمهورية باب الخان وبين المشاكل والعراك،ولا تعرفون ما يدور في قضاء المسيب أو بغداد/ 306)

(*)

 

لا حظت قراءتي المنتجة ثمة تنافس سردي بين المستويين التاريخي/ المكاني  بشحناته الكرنفالية الآسرة .ويشكل التاريخي جوانب تراجيديا كربلاء وفاجعتها العظمى وكيفية تماهي حاضر المدينة فيها، وهناك صدمات تاريخية منها زيارة الطاغية لكربلاء، ثم مجزرة قاعة الخلد..

(*)

ألا يمكن أعتبار تسريد منطقة باب الخان وجعلها كائنا نصيا هو محض تعويض لمتحف حلمه سيد عدنان وأراده واقعا مرئيا لتاريخية المكان/ 46 هذا الحلم الذي أجهضته الحكومة

(*)

 حين تتوغل قراءتي سترى أن (باب الخان) هي رواية السوق بصخبه وباعته ومجانينه وثماره .إذن رسم فضاء المكان لا يقتصر على المقدمة الروائية المعنونة( رسم فضاء المكان).ذلك لأن الفضاء الروائي كله في (باب الخان) يتجاور مع جماليات فن المنمنمات

(*)

تتوزع السرود بين السارد العليم وسواه من السُراّد،وهؤلاء يتم تحريكهم سرديا من خلال تساؤلات سيد عدنان، فهو (من الثقات المعتمدين في سوق الفسحة وموضع أماناتهم، يلتقي عنده بعض الأحيان شخصيات مهمة من الأشراف والأعيان والمثقفين والمتعلمين / 31) وتتصف شخصية سيد عدنان بالفضول المخابراتي الفطري، فبعد مقتل قاسم بهية على يد عباس حلومة،

يقصد سيد عدنان صديقه مهدي النعيمي ويسأله (عن سر مقتل قاسم بهية ../284)

وعن الأمكنة وتواريخها يسأل صديقه سيد حليم وهو أسن منه بنيّف وعقد من السنوات عن تاريخ بناء المغتسل/ 48 ثم يسأله (لماذا أطلق على نهر الحلة بنهر البُربخ؟) فيجيبه صديقه/ 49.

(*)

في فصل (قصة الفرهود ومحلات باتا) تعود الذاكرة إلى 1941 ويكون السرد قد تم تحويره من محاورات بين سيد عدنان وصديقه مروان(220) والمحرّك الأساس للفصل هو أيضا سؤال يسأل سيد عدنان إلى صديقه مروان : (سأل سيد عدنان مروان عن الحزن الذي يكتنف أباه/221) وسينوب مروان سرديا عن الأب ويحدثنا عن علاقة والده باليهودي العراقي يعقوب من ص221 حتى منتصف ص228 وسيتم تبئير الكلام بتداعيات حركة مايس 1941 وما جرى من تقتيل لليهود العراقيين

(*)

 من خلال سؤال واحد، يوجهه سيد عدنان للممرضة الأرمنية أريف في تلك الليلة :(لديّ سؤال يأكلني. كيف قبلت الزواج من مسلم؟ والأنكى هو تغيير بيئتك من بغداد إلى كربلاء/ 92) ضمن وسائل الإقناع الروائي، توقيت السؤال غير ملائم في هكذا ليلة يفترض بالقابلة المأذونة الأرمنية،أن تكون منشغلة بين الحين والآخر مع المرأة  الحاملةالتي تتمخض في الغرفة الثانية واللا مقنع الآخر، هو إسهاب أريف على سعة ستة وثلاثين صفحة تاريخية تشمل مكابدات الأرمن.ذلك الإسهاب الذي لم تقطعه أستغاثات أوجاع مخاض المرأة

(*)

 سينوب سيد عدنان عن السارد العليم ويطلق سؤاله نحو صديق أيسر وهو من دولة اليمن ينتسب لطائفة شيعية غير جعفرية، عن معتقداته فيجيبه صديق أيسر / 157- 161 ويعاود السارد العليم تسهيبه في توصيفه لكرنفالات المدينة وفي فصل (التسفير قصة لاتنتهي) سينقل لنا السارد العليم كيفيات سرد الحكومة العراقية في حياة التبعية الإيرانية ويكون السرد بطيئا كالوجع (102- 110ص) بعدها مباشرة ينتقل عنف سرد الحكومة للمكان حيث يتم في 1979 توسيع مابين الحضرتين بالشفلات والكريدات محو الأمكنة بتنويعها وتعويضهم (لم يكن له أية قيمة /218) ويواصل عنف الدولة العراقية منذ تأسيسها سردياته عسكريا (فأنتجت السجون والمعتقلات والإعدامات والمنافي والسراديب والأضطهاد وتكميم الأفواه/233)

(*)

  الممرضة الأرمنية أريف سيكون سردها بتوكيل بشكل متكرر، فهي محض ناقلة لمسرودات أمها التي كابدت من مجازر إبادات تعرض لها الأرمن (102/111/ 114/ 117/ 120/ 121)

 (*)

ومثلما يسهب سيد عدنان في توصيفه سوق البهرة/49 سوف يسهب في توصيفاته لسوق العجم/ 201

(*)

زمن الرواية هو منتصف سبعينات القرن العشرين وتحديدا في  تموز 1973(بعضهم يتكلم بصوت خفيض عن إعلان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية../142) وتنتهي الرواية مع بداية الحرب العراقية الإيرانية، وهذا هو الزمن الأفقي في الرواية لكن للسرود أزمنتها الأوسع قوسا ً والأشد ضنكا ً كابدته الأجيال العراقية وما زالت ...

*علاء مشذوب / باب الخان / ط1/ 2018/ دار الفؤاد للنشر والتوزيع/ لا يوجد عنوان الدار!!

 

عرض مقالات: