ثمّة جدل مستعر في أوساط الكثير من المثقفين الغربيين في شأن جدوى الثقافة ومقياس التحضر أو الرقي والتطور العلمي والتكنولوجي الذي بلغته الإنسانية مطلع الألفية الثالثة، وبالنسبة إلى هؤلاء، ما جدوى الوصول إلى المريخ ومحاولة اكتشاف الحياة عليه، طالما ثمّة الملايين يموتون سنويا على الأرض بسبب الفقر والجوع وانتشار الأمراض والحروب؟
وبالنسبة إلى عالم الفيزياء الفلكية إيثان سيغيل، فإن الحياة العاقلة التي يفترض وجودها في الفضاء الخارجي، لا بدّ أن تكون عاقلة إلى درجة أنّها قد تمكنت من تطوير نوع من الذكاء الصناعي القابل للتطور ذاتيا، وبالتالي أصبح هذه العقل مهيمنا على تلك الحياة والكائنات التي اخترعته، وعلى وفق هذه الرؤية فهو يتوقع أن تكتشف الأرض كائنات آلية طورتها كائنات عادية قبل ملايين السنين حتى هيمنت عليها، وهي مجردة من العاطفة والمشاعر التي نعرفها بطبيعة الحال. بعبارة أخرى فإن تطور تلك الحيوات العاقلة الافتراضية استند بالتأكيد إلى نوع من النظم المتطورة على جميع الأصعدة، التي تمكنت وفقها منذ ملايين السنين من تلبية حاجات الكوكب الذي تعيش عليه، قبل أن تفكر في غزو أو اكتشاف الكواكب الأخرى.
وبالعودة إلى الأرض وما يعتريها من حروب ومآسٍ واضطرابات ومجاعات واختلال مشين في السلوكيات الجمعية، كالعنصرية والجشع التجاري والميل للاستغلال والاحتكار والهيمنة، فإن المواقف الأخلاقية التي تحتمها مبادئ حقوق الإنسان، لا بدّ أن تدفع المثقف إلى تبني تلك المواقف، وإلّا فإنه يفقد الجدوى من كونه مثقفا أو منتجا لعناصر الجمال والنزوع للإنسانية.
تتساءل نجمة الأفلام العالمية وسفيرة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنجلينا جولي، أثناء زيارتها لمدينة الموصل المدمرة بسبب الحرب، “هل نحن مذنبون لأداء شكل من أشكال الفرز الأخلاقي الجماعي، فنختار انتقائيا الزمان والمكان اللذين ندافع فيهما عن حقوق الإنسان؟”.
تعدّ جولي من نجوم هوليوود القلائل المؤثرين جدّا على صعيد حقوق الإنسان وغوث اللاجئين في مختلف مناطق الصراع، لكن على الرغم من ذلك، لم تلق دعواتها واستنكارها ورسائلها المكتوبة بلغة عاطفية جياشة، أي صدى في أوساط المثقفين الغربيين الآخرين، خصوصا في ما يتعلق بما أسمته الانتقائية في المعايير.
فطالما تباكى المجتمع الدولي ووسائل الإعلام الغربية على ما يجري في أوكرانيا لدوافع معروفة تستند بالدرجة الأولى إلى تأثيرات وبقايا سلوكيات الحرب الباردة، كما أدين روبرت موغابي ليس بسبب دكتاتوريته واحتكاره السلطة في زيمبابوي وانتهاجه القمع الممنهج الذي كان يجري هناك فحسب، بل لأنّ أصحاب الأراضي من الغربيين قد شكوا في تدخلاته وعنجهيته والإضرار بمصالحهم أيضا، كما ناصب المجتمع الدولي والإعلام الغربي قاطبة، المرتبط بالقاطرة الأمريكية، كلّا من دانيال أورتيغا في نيكاراغوا ونيكولاس مادورو في فنزويلا، ليس بسبب احتكارهما السلطة وتلاعبهما بنتائج الانتخابات وتزويرها، لكن بسبب تحديهما المطامح الاقتصادية للغرب، في حين يجري تجاهل ما يرتكب من جرائم مروعة في العراق.
فعلى الرغم من احتكار السلطة على يد الكثير من الأحزاب الإسلامية وتصميمها لقوانين أحزاب وانتخابات تضمن لها البقاء في السلطة وعدم منافستها من أيّ قوى أخرى وتزويرها الانتخابات وتسببها في انهيار مؤسسات الدولة وتقاسم ثروات النفط والتجارة والمنافذ الحدودية والموانئ بين عصاباتها وأمراء حربها وقمعها الوحشي للاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تطالب بأبسط الحقوق، وعلى الرغم من المقاطعة الواسعة التي جوبهت بها الانتخابات المزيفة الأخيرة وعدم تحقيقها النسبة الأدنى المطلوبة للاعتراف بها، أقول على الرغم من جميع هذه الجرائم التي تجري في العراق على قدم وساق منذ أكثر من خمس عشرة سنة، ما زال المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والإعلام الغربي يشيح بوجهه عنها ويرفض إدانتها.

عرض مقالات: