يمر العراق راهنا بمرحلة ساخنة وتظاهرات شعبية تحمل مشروعيتها.. ما هي رؤيتكم الثقافية لما يجري من حراك وما هي ابعاده المستقبلية؟
توجهنا بهذا السؤال الى عدد من الادباء والاكاديميين والمثقفين.. فكانت اجاباتهم الواردة ادناه والتي سننشرها تباعاً.
(
ثقافة)

كاظم غيلان

في الانعطافات الحادة التي تمر بها الشعوب المظلومة لا ينبغي للشريحة المثقفة إلا ان تصطف بقوة ومسؤولية الى جانب مظلوميتها وتجسيد وقائع المنعطف من خلال فعلها الثقافي تأكيدا لما يمليه الجوهر الإنساني للثقافة كمفهوم ، فلا حياد ولا فرجة إزاء ما يحصل اليوم ونحن نرى شباب العراق بصدورهم المفتوحة يتقدمون ويستشهدون برصاص الحكومة لا لشيء وانما لأن أصواتهم تلخص معاناة شعبهم وما يحصل لطبقاته المسحوقة من حرمان وفاقة وبطالة بحكم طبيعة إدارة الحكومة المبنية على وفق نظام المحاصصة المقيت الذي أضر بكل شرائح مجتمعنا العراقي حتى شريحته الثقافية التي نادت كثيرا بإخراج وزارة الثقافة من هذا النظام كممثل لها أمام الحكومة .
المنعطف الذي يشهده العراق لا يخلو من خطورة واضحة لاشك في طبيعتها ، إلا أن موقف مثقفيه وان لم يبلغ المستوى الذي تتطلبه الهبة الشعبية العارمة لكنه سجل مشاركة مشرفة من خلال اعتصام دعا له اتحاد أدباء العراق اردفت بالمشاركة الأوسع في التظاهر ، كل هذا يبقى ضمن ما تمليه مسؤولية الثقافة أمام التاريخ ومجرياته .
ان المساهمات التي يستدعيها الموقف اليوم لابد وأن تكون لما هو أبعد وأوسع من هذا من خلال فعاليات ثقافية ونتاج ابداعي داعم لحركة الاحتجاج التي أذهلت العالم .

د. عبد جاسم الساعدي

تتواصل انتفاضة الشباب في بغداد والمحافظات الجنوبية منذ الأول من تشرين الأول حتى الان بوصفها انتفاضة وعي يمثل تراكمات الشعور بالحيف والجوع والبطالة والخوف وضياع مستقبل الشباب. اقترنت الانتفاضة بانتفاضة الشباب في بيروت. فالمؤشرات تؤكد على ادانة النظام الإسلامي الطارئ في كلا البلدين والخروج من سياسة والاعيب هذا النظام, من جهة والمطالبة الحازمة باستقلال قرار سيادة البلدين من استبداد الميليشيات المسلحة التي تنظمها وتدربها وتمولها جهات خارجية معلومة. انها تمثل طاقات شبابية مستقلة بإرادة عراقية تخرج بعد ستة عشر عاما من الاحتلال الأمريكي الذي رعى شراذم السياسة في العراق. تظاهرات الشباب تعطي دروسا كبيرة في انتقال الوعي الى مرحلة جديدة, لأنها تظاهرات شبابية من دون قيادات علنية, انما حقول التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في تنظيم العلاقات الشبابية وبناء الثقة..
في هذه التحديات والبطولة باتت انتفاضة الشباب تشبه الى حد كبير سقوط جدار برلين العام 1989. لأنها اسقطت الخوف وصارت تبني عالمها على الجديد في الحركات والفعاليات اليومية. انتفاضة الشباب تمثل تشكيل وعي جديد والخروج عن الأحزاب التقليدية ذات الحسابات السياسية الخاصة جدا.. كما يلاحظ جمال دعم الشباب من خلال التظاهرات والاعتصامات والفعاليات النشطة في المدارس والجامعات...انه بلا شك إعادة تنظيم علاقات شبابية ذات انتماءات وطنية لا يمكن المساومة عليها ولا التأثير على مساراتها.
انني اليوم بوصفي من جيل سابق انتظر عادة التوجيهات والبيانات, اشعر بانتقال الوعي الى مرحلة جديدة ذات انساغ وثقافات مختلفة والتحق الادباء والفنانون والنقابات العمالية والمهنية بهذه التظاهرات الكبيرة, مع وجود شخصية سجلت باعتزاز الانضمام الى المتظاهرين. وكنا نأمل ان يرافق هذه التظاهرات المهمة فعاليات فنية في الموسيقى والغناء والمسرح والشعر وان تتحول هذه النشاطات لدعم الشباب حتى يشعر الواحد منا بانه المعني مباشرة بتلك الطاقات والتفكير في كيفية تطويرها وتنمية المواهب والطاقات فيها وان تتحول الى فضاءات في الحوار والمناقشات وان نحث الاخرين على الوقوف مع الشباب وتقديم ما يحتاجون اليه.
ان تظاهرات الشباب على الرغم من حملات القمع والاعتقال والموت ووحشية المطاردة تظل عنوانا جميلا لمستقبل العراق، وتوثيق التظاهرات بكل مراحلها, وادعو المعنيين الى ان يكونوا لجانا ومعارض في بغداد والمحافظات والعالم.

شلال عنوز/ شاعر

ان ما وصل اليه البلد من احتكار للسلطة وهول الفساد وانعدام العدالة الاجتماعية وظهور اقطاعيات سياسية انفردت بالرواتب العالية والامتيازات وعدم سماع صوت الشعب المقهور وتراكم الأخطاء السياسية واشاعة سياسة الفوضى في البلد وعشوائية النهج الاداري وقتل المتظاهرين السلميين في ساحات التظاهر بلغ حدا لا يطاق ينذر بانفجار جمعي لا تحمد عقباه لذا لابد للحكومة من اتخاذ خطوات سريعة وعاجلة لأن الموقف لا يحتمل أي تأخير وربما هذه الخطوات تمتص من نقمة الشارع على الحكومة ان وجد المنتفضون فيها المصداقية وعدم التسويف ...
الحكومة أمام امتحان خطير ومنزلق ربما يودي بالبلد الى الهاوية. لابد من معالجته بحكمة ، وعليها العمل الجاد بالانصياع لصوت الشارع لان الشعب هو مصدر القرار وله القول الفصل وكل ما سوى صوته يذهب جفاء هكذا ينص الدستور وهكذا يقول العقل السليم الحكيم... لا نريد مزيدا من الدماء ولا نريد بلدا مخربا ولا لكل عنف واستفزاز....
حفظ الله العراق وشعبه والرحمة والخلود للشهداء والشفاء العاجل للجرحى.

حذام يوسف طاهر

منذ سنوات والعراق لم يستقر سياسيا ولا اقتصاديا بسبب عدم نضج العملية السياسية، وعدم جدية البرلمان في بناء الوطن واحترام الديمقراطية ، وعلى الرغم من قيام الشباب العراقي بكل اطيافه وتوجهاته بالتظاهر ضد كل خلل حكومي وفساد من المسؤولين، على مدار السنوات الماضية، الا ان الطرف المعني تعامل باستخفاف مع تظاهرات الشعب ولم يعر أهمية لكل ما حصل وجابهه بالقوة والعنف. مؤخرا تجددت التظاهرات بشكل أوسع في بغداد واغلب المحافظات العراقية، بعد ان طفح الكيل، ونفد صبر العراقيين على سياسييهم، فكانت مفاجأة المراقبين والمتابعين للشأن العراقي، لكل هذه القوة والتحدي لدى الجماهير، ومفاجأة للمتظاهرين انفسهم بدخول ساحة التظاهر من قبل أصحاب عجلات (التوكتوك)، الذين ابلوا بلاء حسنا في تحركهم خدمة للمتظاهرين، المستقبل بنظرة سريعة على ما يحدث وتوالي الاحداث بشكل سريع، وتفجر ثورة الشعب بمشاركة الجميع، ادباء ومثقفين وناشطين مدنيين وطلاب جامعات ومدارس، وتفاعل العنصر النسوي بشكل كبير مشاركا في التظاهرات وداعما مسعفا للشباب، اجد ان المشهد يبدو محملا بالأمل والتغيير الذي لابد منه.
ولا بد ان يحدث التغيير من دون خسائر، لكن نتمنى ان يتحقق التغيير لصالح الشعب، وان العالم اليوم يشهد على نصاعة صورة الشعب وهو ينتفض، وبشاعة الصورة كحكومة (عراقية)! نتأمل خيرا ومع تضافر الجهود والإخلاص والوفاء بالكلمة والعمل سنصل الى بر الأمان.

عرض مقالات: