منذ مجموعته القصصية "هي والبحر" وأنا منجذب تماما الى ما يكتب عبر هيمنة سرد لذيذ يجبرني على مواصلة قراءة القصص، قصة تعقبها قصة وكلها محطات تزيد شغفي الى الحد الذي أكاد اعرفها محطة محطة . فيما بعد قرأت له روايته "غسق الكراكي" تأكدت ان شغفي بتلك القطارات التي تقف وتمضي في محطات "هي والبحر" لم يأتي من فراغ، في "غسق الكراكي" التي نالت جائزة الدولة للإبداع، كان البطل أنموذجا لرجل أحبه ويشبهني او يشبه من أحبهم، عبر ثيمة الحب والحرب علامتان مهيمنتان على أجواء الرواية حيث الانفعالات الانسانية والجمالية، كتبت يومها ما يشبه النقد، ان لم يكن عرضا او قراءة عن المجموعة الاثيرة الى نفسي هي والبحر رغم انها ظلمت كثيرا من المطبعة التي استخدمت ورق الجرائد الاسمر والخفيف، كتبت وانا اكاد اتغنى بمن يتحدث عن قطارات تأتي من اماكن بعيدة يرتادها بشر يحملون همومهم الكبيرة والصغيرة ومصائرهم المتقاطعة..
صديقي سعد محمد رحيم الذي رحل قبل أوانه كتب قصصا تدور في أماكن اعرفها وتعرفني هكذا أحس وهذه ميزة الابداع الذي يجعلك تحس أنه قريب من نفسك يمسك بك بل كنت أحس أننا ركبنا قطارات واحدة بدءا من المحطات التي كنا ننتظر فيها طويلا، القطارات التي كان بعضها يأتي وبعضها لا يأتي، نعيش الرعب، رعب الانتظار، ورعب البحث عن رجل ضائع ولا يعلم في أي محطة ينزل، او طفل ركب قطاراً ولم يعد. بعدها صدرت مجموعته "محطات قصية" وكانت تأكيدا لذلك الرعب الذي يعيشه فتى يقف قرب ارصفة ماهي الا امكنة مفترضة لقطارات لا تأتي، حتى وصولنا الى مجموعة زهر اللوزـ " التي اعدها من المجاميع التي ظلمت كثيرا، حقا ظلمها النقد لأنها من القصص التي لا يمكن ان تنسى، اخيرا ظهرت روايته "ترنيمة أمرأه شفق البحر " قلت له عنوان طويل، لماذا لا تختار كما اخترت "غسق الكراكي" أو"هي والبحر" عنوان بكلمات قليلة، اكتفى بابتسامة وديعة وداعة طفل.
لكنك حالما تدخل ول زقاق من ازقة الترنيمة، تجد نفسك ازاء من يتحدث بضمير (الانا) وهو يدخلنا الى مجاهل الغرب، وتبدأ اللعبة الروائية، لنجد ان الموت يتحول الى دراما مؤلمة، احداث حب تصعد بسعد محمد رحيم الى الاعلى وهو يمارس معنا لعبة . لعبة الكتابة داخل الكتابة ذاتها، وهذا لا يمكن ان يكتبه الا كاتب يستطيع ان يسيطر على ممكنات وموجودات وامكنة وازمنة متقاطعة، ازمنة يقطعها شفق بحر بعيد، او أحداث تجري في الوطن وفي زمن بعيد او قريب .... بعد ان أنهيت قراءة الرواية كتبت على الصفحة الاخيرة من الرواية هذه العبارة (ترنيمة امرأة شفق البحر، نص شديد التشويق، رواية ذكية بلا منازع، نجح سعد محمد رحيم في تضمينها نصوصا تتداخل وتتواصل وتتعارض، اكد فيها المؤلف انها كتابة اللعب وابتكار الجديد واعادة واضافة خلاقة لعملية الكتابة) اقول حالما انتهيت من القراءة حتى احسست بالكثير من الغيرة من هذا الرجل الذي أحبه، وحقا تحقق له ما توقعته في روايته التي فازت بجائزة كتارا " ضفاف الرغبة " ومن ثم روايته البوكرية " موت بائع الكتب" أخيرا لا يسعني الا أن اقول لك يا سعد، كانت في جعبتك الكثير من القصص والروايات ولكن ....!!

عرض مقالات: