رحلة انتاج الفعل القصصي لها مستوياتها الفاعلة المقيمة للتشكيل النصي، وهي تنمو على شكل مواضيع (لمتخيل شكل)، يقوم العقل المنتج بترتيبه على وفق مقاطع سردية، فيقوم الخيال بردم فجواتها، ثم يستعيدها خيال الكاتب مرات عدة، يستأنف بها عمليات الإكمال حتى يقترب من لحظة التنفيذ. وهذه المشيدات الأولية للاستئناف السردي عملية آخذة بإنماء وتشكيل بُنى السرد بالإعادة والترتيب والإتمام، لتركيب الجمل ومن ثم إتمام النص حتى لحظة التنفيذ الفعلي للكتابة، فهي عودة مستمرة لخزين مقدّر لما قبل التشييد، تُتَمم جزئيات القص نفسها بها حين تتصاعد الاحداث من واقع التخيل اللا مادي الى واقع النسيج الحقيقي الأخير للتشكيل القصصي. ثم تأتي مرحلة التشكيل الثانية بصورة بنُى متقاربة ومتوازية تشمل الحدث والشخصية والبناء اللغوي التي تؤدي مهمة تكوين نص قرين ـ دلالي ـ لما شيد. وفي هذه المرحلة تنفرز أنواع جديدة من العناصر (قرائن الفعل الحدثي ولغته)، منها القرائن الآلية (عناصر اللغة)، والقرائن السائبة (الدلائل المخمنة) والقرائن المحاذية (الاحداث المتناصة) وقرائن السمو (الاقوال الحكمية العميقة)، هذه القرائن تعلو بسموها ثالثة عبر الأسطورة في النص القصصي . بعد هذا يكون النص قد تهيأ لمرحلة ما قبل الظهور، وهي مرحلة موضوعات تخص تصورات ذهنية تنحصر في محتوى واحد هو (الرغبة في الحصول على قدر من المتعة)، فكراً وجمالاً، من قبل الكاتب، ثم تتماهى مع طاقته في اللاوعي التي تشكل إرادته المستقبلية في تعميم متعته على الآخرين من خلال نصه الذي فكرّ فيه. فهي اذاً مرحلة استئناف سردي لتشكيل القرائن بعلائقها قبل الظهور السردي الفعلي، تلك هي المكونات الاساسية لمحتويات الفعل التشييدي (المُفَكَّر فيه).. ثم يدخل موضوع القص مرحلة أُخرى فيها مادة موضوع مؤلفة من أشياء النص، منها ما هو كمي – مادي. وآخر قيمي – يرمز لقيم. وآخر هلام – يجمع بين المادي والمعنوي. وهذه الأنواع تؤلف القانون الاستعمالي للأشياء كمسميات أو رموز أو موجودات مكانية، والأشياء بدورها تساعد البناء القصصي في التشكيل على بناء مأوى في الحيز الكتابي والذهني. وحين يكتمل الوجود الشكلي يكوّن بُناه بمظهر في حدود (ورقة الكتابة) ومظهر آخر مستنسخ عن الصورة المخمنة له على الورقة، من ثم يحاول القاص ان يهتم بجمله القواعدية البلاغية بانتقاء الترتيب والتجاور الكلمي المكوّن للغته، يسعى لاختيار لغة قص مثلى مستعيناً بطريقة وأسلوب السرد الاحتمالي التي هي الأخرى تقوم على احتمالات وتخمينات ذات مقاصد متعددة. على العموم، إن هذه اللغة التي يتمنّاها القصاص ستكون بثلاثة مستويات من حيث الأداء- عفوية شبه فطرية، وقصدية متزنة، وقصدية متزمتة، لكل منها اشتراطات خاصة . لغة السرد الاحتمالي العفوي شبه الفطري تشترط: (عفوية انثيال لغة الفكر والايديولوجيا والخطاب التبشيري، عبر عفوية وجدان المنتج للغة المكنون البيئي والنفسي للكاتب. امتلاك صاحب الانشاء موهبة استثنائية مركبة من خزين البث الجمعي الشمولي لذاكرة جادة غزيرة تستوعب الكاتب وقضيته، بوسيط لغة تجري كلماتها مثل تيار ماء رخي غزير). اما مستوى لغة السرد القصدية المتزنة، فهو المستوى الذي يدفع اللغة، بقواعدها الشاملة نحو مرتبة دلالية متعددة الفهم بالتثوير والتكثيف، ثم تنويع ألفاظ المبني الواحد المتقاربة الاداء وجعلها تلغيزا ظاهرا للمكونات الجميلة " الاشياء " بتعميق ابعادها الاشارية اعتمادا على ميثولوجيا المجتمع. ثم توزيع قصديات البلاغة بنسق يفضي الى حرية اختيار المعني الذي يتناغم ورغبات الفرد الداخلية، ولا يشترط أن يتماها مع مقاصد الكاتب. يكتمل هذا المستوى بانتقاء أسلوب لفظي لقاموس الكاتب اللغوي). بينما تنحو لغة السرد الاحتمالي القصدية المتزمتة نحو الآتي: (تشفير الألفاظ بما يخدم تيار الوعي التأويلي. الاقتصاد الشديد باللغة حد تشابه ادائها مع اداء الأرقام. اعتماد التراكيب الاشارية (نقاط، فراغات، علامات) بقصد اعطاء المبنى العام غاية محددة متماسكة المظهر. تراكم الألفاظ بتوظيفها في شأن يفيد الاتمام والاكمال والاستبصار، لأجل ان يتفوق محتوى البناء السردي المنشأ على مثيله    "المتابع النقدي" بما يتجاوز العادي من الاداء اللغوي).

ان لغة تشييد القص بتلك المواصفات تميل الى ن تكون مثالية البلاغة سرداً واسلوباً، وهذا يتنافى مع لغة التسويق العالمية التي تهتم باللغة الدارجة، والقارئ العادي، لذا فإن التوفيق بينهما سيحرر القارئ والناقد من اتجاهات التدوين باللغة الاكاديمية. ان التوفيق بين نوعي اللغة (الدارجة المقبولة، والفصحى المبسطة) له ميدان دراسي آخر، اقترحتُ تسميته (ميدان عصمة اللغة الشعبية)...