النص الشعري عالم متعدد الفضاءات والرؤى.. معلم من معالم العراقة في البيان والجمال الخالق لحالة التوازن الوجودي.. قيمته تتحقق بما يحققه من ادهاش وتحريك الذاكرة.. اذ انه(يحاول ايصال تجربة جديدة او القاء ضوء على شيء في كلمات.. مما من شانه ان يغني وعينا ويرهف حساسيتنا..) على حد تعبير ت.س.اليوت.. كون التجربة الشعرية تعبير حسي عن موقف ازاء الحياة والكون والاشياء..
و(خيط البريسم) المجموعة الشعرية التي نسجتها انامل مبدعها الشاعر مؤيد خليل العطار والتي تعد امتدادا للمدرسة النوابية معنى ومبنى.. باتكائها على اللهجة العامية الخالقة لفضاءاتها الشعرية الحداثية.. واسهمت مجلة الشرارة في نشرها وانتشارها/2015.. كونها الحان منبعثة من عمق الوجدان المكتظ باوجاع الذاكرة.. وهي تمزج ما بين الحقيقة والمجاز/ الواقع والتخييل/..فضلا عن انعكاسها على خطوط معبأة بشكل من اشكال الفنون المرئية بتوظيف الظل والضوء الذي منحها واقعية مضافة.. فسجلت عبر خطوطها التي حققتها انامل الرسام كاظم السيد علي باعتبارها وسيلة من وسائل التعبير الفني عن انفعالات الانسان تجاه الوجود الاجتماعي وتوثيق اللحظة المشهدية اللفظية بتعبيرات صورية تكشف عن انطباعات ذهنية متناسقة ومتناغمة معها باعتماد الافتراض الخالق للغتها الرامزة التي يتم استخلاصها من خلال البصر بعد التنقيب في مناجمها..
اشبعد منه العمر وتريـــــد اتانيك
خلص بين الزعل ..مابين اراضيك
سكيتـــــك ماي العيون
وكلت كل الحجي يهون
ومشيت وياك لاخر حــــــد اباريك
اصبر روحي وادري هلالك العـــــيد
واعيش بحزني وحدي وعندك العيد
تشب نيراني كل يوم
وازيح الهم بالهموم
دخيل الله ودخيلك شرد احاجـــــــيك
شرب صبري الجفه وما كلت مليت
وتمنيتك تــــــــــجي وما يوم حنيت
محيت بشينك الزين
وعشت وياي وجهين
تجازيني ابهجر الله اليـــــــجازيك /ص27 ـ ص28 ـ ص29
فالشاعر في نصه يحاول ان يرسم الصور المتداخلة التي تكشف عن الحالة الوجدانية المازومة من خلال تطويعه اللغة المحكية في نصوصه الشعرية..مع محاورة هواجسه الذاتية للكشف عن دواخله والواقع الموضوعي.فضلا عن اعتماده تقانة التكرار لترصين البعد الدلالي وترجمة ما يعتلج الذات الشاعرة.. اضافة الى اضفائها نبرة موسيقية مؤكدة على بؤرة من النص..بلغة موحية بعيدة عن الخطابية والتقريرية كون الشاعر يعتمد ترتيبا لفظيا مموسقا لخلق معادلته الشعرية الانسانية الجاذبة..
وكبل..جانت الغيرة شراع..
وعين اليستحي.. اعله المستحه..
اتصد بعد الف ذراع..
والحك صوت.. ما صوت العلاه.. ولا خفت صوته
وكبل..جان الكمر.. يغفه اعله جرفه الليل..
واحنه زغار.. نتسامر وياه ونقره بعيونه..
سواليف الف ليلة.. وفرح ديرتنه..
كبل لا تاكله الحوته../ ص91 ـ ص92
فالشاعر يشتغل بوعي في سبك جمله الشعرية وترابطها حتى بلوغ ذروة الدهشة باعتماد المفارقة والتكثيف التصويري مع دينامية نابضة.. تتماوج فيها الايقاعات الداخلية والخارجية.. فضلا عن تجاوزه القوالب الجاهزة باستخدام الرمز والمثولوجيا متمثلة فيما تردد (ياحوتة يا منحوته.. هدي كمرنه العالي) وتوظيفها للكشف عن الصورة الشعرية الخلاقة والغوص في اعماق الذات الانسانية ومشكلاتها فيحقق فرادة الصورة وثراء المخيلة باعتماد اللفظ المشحون بواقعيته.. الخالق لحقله الدلالي الذي يتشكل من محاور متعددة الطبيعة/الذات والذات الجمعي/المكان الذي يشغل حيزا فاعلا كونه يتواشج مع البعد النفسي والذاتي.. والتي تكشف عن حالة توتر عبر علامات التقابل الدلالية المتمثلة في الطبيعة والانسان والواقع والمتخيل والماضي والحاضر بالتقاط التفاصيل اليومية ونسجها شعرا استثنائيا بقدرة تجريدية.. حداثوية..
وبذلك قدم الشاعر نصوصا غلب عليها الجانب الغنائي المحقق لحضورها المعبر عن هموم الذات والذات الجمعي الاخر عبر تشكلات متعددة تفردت بغناها الشعري واقترانها باللوحة الخطية لخلق نسيج شعري (يمسح غبار الحياة) على حد تعبير بيكاسو..

عرض مقالات: