صرت انه حايط طين سابح وسط ماي
اتثلــم او ما طــيح... مــدوخ اعــداي
مع الامتداد التاريخي كانت المساجلات الشعرية فاعلة ومتفاعلة لا سيما في العصر العباسي.. وها هي احدها التي جرت بين ابي تمام وديك الجن الحمصي..
ابو تمام: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى... ما الحب الا للحبيب الاول
كم منزل في الارض يألفه الفتى... وحنينه ابدا لاول منزل
فما كان من ديك الجن الا ان يرد بقوله:
كذب الذين تحدثوا ان الهوى... لا شك فيه للحبيب الاول
ما لي أحن الى خراب مقفر... درست معالمه كأن لم يؤهل
ومع مرور الزمن اخذت المساجلات الشعرية الفصيحة تنحسر وتنتعش عبر الابوذية الفن الشعبي الذي تفرد بنبرة حزينة وشجن جاذب..كونها لا تخلو من اللفتات الانسانية الناقدة والساخرة واللحظات الطريفة.. وقد برز فيها الحاج زاير الدويجي وجمعة ابو معيشي والسيد جعفر زوين ومشيمش الاسدي والشيخ محمد النجم وحمدي الحمدي والشيخ ناصر المزيعل. ويعد الشيخ زاير في مقدمة اولئك وغيرهم لما يمتاز به من سرعة البديهية والنفس الطويل. حتى ان المؤرخ عبدالرزاق الحسني قال فيه (ان الحاج زاير اشتهر عنه انه كان أسرع شعراء عصره بديهة وكان له اليد الطولى في الموال والابوذية والدارمي والميمر... وله في المساجلات الكثير، منها مساجلته والشيخ محمد النجم.. الذي سأله مرة عن صاحب ابوذية جناسه (وزينه). فقال الدويجي نعم انا. وهو لم يكن يعرف لمن هي. لكنه أضمر في نفسه ان يرتجل للنجم على الفور. فقال له: لا بأس عليك لو انشدتنا اياها.. فأنشأ الحاج زاير على البديهة من غير تأمل وروية:
طبعنه ما وهم طبعك وزينه
ولا منك بدت طيبة وزينه
اريد الزم عرج شيبك وزينه
ابفرده امن....اوهاي هيه
فاخذا يضحكان حتى مضت فترة من الوقت وانتقلا بالحديث الى شتى الحكايات.. فالتفت الحاج زاير الى صاحبه وقال: هل تعرف صاحب الابوذية التي جناسه (وعدلك).. فاجاب النجم: نعم.. وهو لا يعلم بها لمن الا انه عزم في قلبه ان ينظم ارتجالا وقد اغتنمها فرصة للقصاص من الدويجي.. فقال له الحاج زاير لا بأس عليك لو أنشدتنا اياها.. فأنشد مرتجلا:
جثير احفظ امن عيوبك وعدلك
او بعد مالك صدك عندي وعدلك
ابعجد كصبة امن احطنك وعدلك
سنه وتطلع العوجة ذيج هيه
واحيانا تأتي المساجلة عبر مفردة مستفزة لذات الشاعر.. كما في قول احداهن للشاعر الملا عبدالرسول(هله جدي) فرد عليها:
عساج بجرح طول العمر يداج
بشلل وتظل طريحة دوم يداج
شوكت آنه يوكحة صرت يداج
امس وهلي اشتروا كاروك اليه
وهناك مساجلة بين الشاعر الشيخ ناصر المزيغل وجمعه ابو معيشي..اذ يقول المزيغل:
رماني الدهر وانصبلي بجالاي
وكلمن ينظر الحالي بجالاي
صرت شجرة يبو معيشي بجالاي
تهزني الريح من تكبل عليه
فرد عليه ابو معيشي:
رماني الدهر وانصبلي بجالاي
وكلمن ينظر الحالي بجالاي
انجان انت اصبحت شجرة بجالاي
انه جالي ويلط الروج بيه
وهذه المساجلات الشعرية تتجاوز الشعر الشعبي وتدخل الفصحى احيانا رغم انحسارها فيه.. والدليل المساجلة التي حدثت بين حافظ ابراهيم واحمد شوقي. اذ يبدأ حافظ ابراهيم شاعر النيل مرتجلا:
يقولون ان الشعر نار ولوعة... ما بال شوقي اصبح اليوم باردا
حينها يرد عليه امير الشعراء احمد شوقي:
واودعت انسانا وكلبا امانة... فضيعها الانسان والكلب حافظ

عرض مقالات: