قبل أن يعبر النهر، غمس أصبعه بالماء وبعد أن عبره كتب اسمه على الرمل، ثم رسم خارطة صغيرة لوطن صغير، لكن موجة لامست الرمل قبل أن تنسحب سريعا، لم تبق من الخارطة سوى خط متعرج ومن الأسم سوى حرف واحد.
بقي الخط المتعرج والحرف المبهم يصارعان الموج تارة ويحاوران الرمل تارة اخرى
لكنهما لم يصمدا طويلا ازاء بلاهة الرمل وقسوة الموج!
لا أجيد الرثاء عزيزي كمال، لكني سأرثي الحكايات، وسأبدأ رثائي بسؤال: هل سمعت بعبارة "مات من الضحك"؟!
هكذا أنت "مت من الضحك!" لم أترك حكاية من حكاياتك لم اقرأها، لم أترك صورة من صورك التي رسمتها لنا لم اضحك معك فيها وعليها، صورك المحبوكة سردا لذيذا، صوراً تسحبها من اعماق ذاكرتك المليئة بالتفاصيل، صورتك وانت طفل صغير تجوب شوارع الناصرية شارعا شارعا، صورك وانت طالب في معهد الفنون الجميلة ـ بغداد ، صورك وانت لاتفارق القطارات الصاعدة والنازلة من بغداد الى الناصرية.. صورك وانت تحسب النقود في جيبك "حينما كنت طالبا" وقفت ذات يوم في محطة بغداد تنتظر القطار الذاهب الى الناصرية، اخرجت ربع الدينار الوحيد الذي كان في جيبك وقدمته الى بائع البيض المسلوق، وبعد أن انتهيت من اكل السندويجة طلبت من البائع أن يعيد اليك الباقي الذي يكفي أجرة القطار.. لكن البائع أنكر أنك اعطيته شيء! ولم تفلح كل محاولاتك لاقناعه، جلست على رصيف المحطة وقبل أن يغادر القطار، جلس قربك شاب حدثته عن بائع البيض الذي سلبك نقودك، وطلبت منه مائة فلس هي أجرة القطار، وحينما قدم لك ربع دينار رفضت أن تأخذ منه الا اجرة القطار فقط، لتغفو وحينما صحوت وجدت القطار قد عبر محطة الناصرية، الأمر الذي اقتضى أن تركب السيارة لتوصلك الى محطتك، ولأنك لاتملك اجرة السيارة قطعت المسافة سيرا على الاقدام مع مفارقات اخرى، صورك وانت تغادر الوطن لتستقر في هولندا وتزوجت هناك لترزق بولدك (علي) الذي كان يشكو من ضعف البصر واستخدام نظارات خاصة غالية الثمن.. وحينما تحسنت حالته أعلنت على صفحتك بانك تريد أن تهب مجانا ثلاثة نظارات غالية الثمن لانها خاصة وطلبت ممن يحتاجها الاتصال بك وأنك مستعد لإيصالها اليه أينما يكون مكانه، صورك وأنت ترسم لوحتك الشهيرة "سبايكر" كذلك صورك وأنت تطلب من طالباتك رسم فتاة ترقص.. رسمت احداهن الراقصة وهي عارية، وحينما سألتها: ما هذا؟ قالت لك راقصة، لكنك وبروحك المرحة قلت لها "جا بويه ليش راسمة بت الوادم عريانه" اجابك الصف كله "وماذا في ذلك".. عزيزي كمال.. اقدر موهبتك الكبيرة في الرسم وكم من الاجيال درست الف باء الرسم على يدك، واعلم ان اغلب لوحاتك معروضة في متاحف هولندا، واعرف ان الكثير من البيوت والمدارس اقتنت منك الكثير الكثير من اللوحات، لكني اميل اليك ساردا "على خطى شقيقك القاص محسن الخفاجي" تميل كثيرا الى السرد المتقن.. لغتك ومخيلتك الهائلة جعلتني والكثير من الأصدقاء نقرأ بشغف كل ما تنشره على صفحتك من حكايات، حتى حينما حضرت الى قاعة اتحاد الادباء في اربعينية شقيقك محسن الخفاجي، وصعدت الى المنصة مزجت الكثير من المرح بالحزن.