في قصته العجائبية المليئة بالدلالات الرمزية  " الطوابق السبعة "  يقدم لنا الروائي الايطالي " دينو بوتزاتي "  عبر تصاعد هارمونيكي  خارطة طريق انسانية ..  تنتهي بالقدرية "  قدرية الموت " أو النهاية الكابوسية الحتمية  على الانسان " على هيئة طوابق تنتهي بالطابق الاول متمثلا  بستائر معتمة تطوق نوافذ الطابق وهو ـ  الطابق الاخير ـ  في سلم الحكاية   " النهاية " حيث النوافذ الموصدة والستائر التي تغلق بطريقة ميكانيكية بطيئة .  تبدأ رحلة السيد " جيوفياني كورتي  " حينما يجد نفسه قريبا من أحد المشافي الشهيرة ـ  هل استدرج ،  أم أنه ذهب طواعية بدافع الفضول أو الملل لأنه كان بصحة جيدة ؟ ـ  الى  المشفى العملاق بطوابقه السبعة يترافق ذلك مع احساسه بقليل من التوعك الذي يجبره على اللجوء الى الدكتور " البروفسور داتي " مدير المستشفى الذي يخبره أن حالته لا تستوجب حتى رقاده في المستشفى،  ولكن كأجراء احتياطي يمكن معالجة حالتك البسيطة في الطابق السابع الذي يعد منتجعاً تتوفر فيه مستلزمات المستجم..يجد نفسه وسط ممرضات جميلات  فيقيم مع احداهن حواراً  تشرح له آلية عمل المشفى بطوابقه السبعة، ففي الطوابق التي تلي الطابق السابع،  تعد طوابق تعالج الحالات البسيطة لكن وصولا الى الطابق الرابع حيث تبدأ عملية تكثيف العلاجات والفحوصات اليومية ..  فالطابق الرابع يعد مدخلا قريبا من الطوابق التالية وصولا الى الطابق الثاني الذي ترقد فيه الحالات الميئوس منها تماما قبل أن يذهب المريض الميئوس منه الى الطابق الاول حيث لا يحتاج الى طبيب بل الى قس، بانتظار الموت القريب جدا وما علاماته الا النوافذ المغطاة بستائر كثيفة سرعان ما تتحرك بطريقة بطيئة معلنة موت من في الغرفة .. هكذا شرحت له الممرضة الجميلة التي آنس لها أن المرضى مقسمين الى سبع حالات متلاحقة ،  كل طابق  هو عالم منفصل بكل  قواعده وتقاليده الخاصة ،  لكن حدث بالصدفة أن يطلب منه اخلاء  سريره من ردهة المعاينة لسيدة بحالة حرجة  ، اقتضت تحول  البطل الى طابق اخر للمرضى الحقيقيين ليخضع بعد تحوله الى الطابق السادس الى فحص وعلاج وتكثيف في المراقبة مما اثار مخاوفه انتقاله ولأسباب مختلفة من طابق الى طابق نزولا الى الطابق الاول  ـ  الاخير ـ  الخاص بالحالات الخاصة بالاحتضار ليلفظ  انفاسه بسرعة عجيبة  ،  يقدم لنا " بوزاتي " الذي يعد من اساتذة القصة الايطالية الحديثة وقد تصدرت اعماله اكثر الكتب مبيعا في مختلف انحاء العالم  ، وأهم عمل نال على اثره الشهرة الكبيرة هو روايته  "  صحراء التتار " يتناول "دينو بوزاتي " في أغلب أعماله  هموم الوجود الإنساني وقضاياه الأساسية «الحياة- الموت- الانتظار- العجز والعزلة» الأمر الذي دفع النقاد في إيطاليا وأوروبا إلى مقارنة أعماله  بالكاتب التشيكي «فرانتز كافكا». وأكبر شاهد على ذلك  قصة "  الطوابق السبعة " التي تعد  من أهم القصص العالمية التي تفلسف الحياة الانسانية على اساس المصائر التي تلتقي وتتقاطع مفترقة على هيئة أمكنة تؤدي كلها الى المكان الاخير ـ  الطابق الاول ـ  حيث تسقط النوافذ المعتمة كعازل بين ما يجري في الغرف وما يجري في الخارج ،  فالنافذة والعتمة هي انطفاء الحياة ونهاية الرحلة .. التي يساق اليها بطل القصة بدءا من مشاهدته الاولى للمشفى بطوابقه الشامخة وحدائقه الغناء ومرورا بدخوله واستقراره في الطابق السابع الذي يعد منتجعا ومستقراً وعلامة على  الاحتكاك الدائم بمجتمع البشر الأصحاء والعالم المعتاد لكن انتقاله إلى الطابق السادس أدخله في بداية الدوامة الحقيقية  ليدرك على الفور أن الأطباء والممرضات والمرضى أنفسهم  مختلفين، ففي ذلك الطابق يتم قبول المرضى الحقيقيين حتى لو كان مرضهم غير خطير، ومن السادس إلى الخامس فالرابع يتواصل الهبوط رغم صراخ البطل وغضبه ومقاومته وإعلانه أن حالته الصحية ليست سيئة ولا تبرر أبدا كل هذا النزول إلى الأسفل وعندما ينتقل من الطابق الثالث إلى الطابق الثاني بحجة إغلاق الثالث لترميمه، يصر على إلصاق بطاقة على باب غرفته كتب عليها « كورتي من الطابق الثالث... بقاء مؤقت». وتنتهي القصة بانتقاله الأخير محمولا إلى الطابق الأول.

عرض مقالات: