غاب العمود الاسبوعي للأستاذ هادي الحسيني بعض الوقت، وعاد من جديد اكثر بهاء وتواصلاً.. اهلا ومرحباً.

لم يمّر تاريخ الشعر العربي الحديث بشاعر شغل الاجواء الثقافية والسياسية مثل الشاعر عبد الوهاب البياتي، اختلف الكثيرون فيه واتهموه بالنرجسية، بينما الحقيقة الواضحة إن أغلب الشعراء يتمتعون بنرجسيات عالية تتفوق كثيرا ً على نرجسية البياتي. لا أحد يستطيع أن ينكر شاعريته فهو شاعر كبير بكل المقاييس الفنية ومن يقرأ دواوين البياتي بدقة سيجد أن أغلب ما كتبه خلال مسيرته الشعرية الطويلة والتي تجاوزت الخمسة عقود من الزمان هو شعر عالمي بامتياز، شعرية لم تختصر على الزمكانية ولا الموضوعات التي كان يطرحها فهي غالبا ما تكون معالجات تنطبق على البشرية جمعاء وصالحة لكل الأوقات. البياتي يقف جنبا الى جنب مع شعراء العالم الكبار، هو شاعر مقروء ومعروف عالمياً وترجمت قصائده ودواوينه الى الكثير من اللغات الأجنبية. البياتي شاعر الثورة وشاعر الفقراء والبسطاء وقد سخر كل طاقاته الإبداعية ومنذ بداياته الأولى لنصرة المظلومين في الارض. كان البياتي خصماً ونداً للملوك والرؤساء العرب والسياسيين على طول مسيرته الشعرية وكانوا يهابونه ويتحاشون قصائده وتصريحاته الصحفية التي عادة ما تقلق مضاجعهم!

وفي عام 1998 داخل العاصمة عمّان ذهبت مع البياتي في واحدة من كافتريات منطقة الشميساني بعد أن اتصل شخصان من التلفزيون العُماني، جلسنا معهم واتفقوا مع البياتي على اجراء حوار تلفزيوني والمكان كان غاليري الفينيق. حضر البياتي عصرا وكنت معه وعلى مائدته الفينيقية وقبل أن يبدأ التسجيل، قال له المحاور أنه كان في بيروت وقد أجرى حوارا مع الشاعر الكبير ادونيس، أجابه البياتي ليس ثمة مشكلة لديّ مع ادونيس.

 كان المحاور على علم مسبق بالتصريحات النارية التي عادة ما يطلقها البياتي بالضد من ادونيس، وكنت قد قرأت الكثير عن هذه التصريحات، لكني اليوم أجلس الى جانب البياتي وامام المائدة نفسها في هذا الحوار الذي كنت تواقاً لسماع تصريحاته بخصوص ادونيس او نزار قباني خاصة وأن المحاور العُماني كان همه الأول تسليط الأضواء على هذه المسائل الشخصية والخلافات!

وقبل أن يبدأ التسجيل حاولت الانتقال الى مائدة قريبة حتى استمع للحوار والذي على ما يبدو سيكون مثيراً للجدل. البياتي رحمه الله رفض انتقالي وقال ليس ثمة مشكلة فأنت معي ولا بأس أن تطل على الشاشة، ابتسمت لِما قاله، لكني حاولت أن أبتعد قليلا عنه ليكون ظهوره على الشاشة لوحده وعندما بدأ المحاور يطرح الاسئلة على البياتي، كان يتحدث بطريقة أكثر من رائعة، لا بل ان كل جملة في كلامه كانت لا تخلو من الشعر، حتى وصل المحاور بالأسئلة الى ادونيس وقال: ما هو رأيك يا ابا علي بشعر ادونيس وتنظيراته؟ مع ابتسامة رافقت المحاور.

البياتي وبكل ثقة لم يهاجم ادونيس ولم يشتمه ولم ينتقص من هيبته كما يشاع في الصحافة إنما قال بالحرف الواحد: ان ادونيس لم يأت ِ لنا بالجديد وكل ما يكتبه وينّظر لنا فيه هو نابع من أعماق تاريخ ادبنا العربي الذي يمتد الى قرون طويلة من الزمن!

وعن نزار قباني حين سأله المحاور قال البياتي: ان نزار قباني شاعر صاحب إمكانيات محدودة وبسيطة، شاعر يحاكي النساء والمراهقات لا أكثر!

هذا كل ما تكلم به البياتي عن شعر ادونيس ونزار قباني.

من حقنا أن نحترم وجهة نظره كشاعر يرى بعين بصيرة وثاقبة شعراء جيله كيف يكتبون !!

تحدث البياتي كثيرا عن ابناء جيله، السياب ونازك وبلند الحيدري وعن الشعرية العراقية برمتها، قائلا انها تبحث عن التجديد في الشعر.

وعلى مدى أكثر من ساعتين التي دامت زمن المقابلة انتهى الحوار الذي اسعد المحاور كثيراً وقد أخرج ظرفاً فيه ألف دولارا وهو يقول للبياتي، الرجاء أن تعذرني على هذا المبلغ البسيط بعد هذا الجهد الكبير وان المبلغ نفسه بالضبط كنا قد أعطيناه الى ادونيس عن مقابلته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من المعروف عن الشاعر الكبير البياتي تجاهله للقامات الشعرية العراقية والعربية من جيله ومن الاجيال التي سبقته، حتى أصبح البعض من الادباء يتندرون بطرح اسماء الشعراء، والبياتي يستاء منها ويتجاهلها ويعمل على تهميشها في جميع جلساته وأحاديثه، وعدّ هذا الموقف أحد السلبيات في حياته.

عرض مقالات: