في البيت الأمي، أيام زمان، يغدو الطالب "نابغة البيت"، ربما من أعوام المرحلة الابتدائية، ثم يتصاعد اعتماد والديه عليه مع دخوله مرحلتي المتوسطة والاعدادية، حتى يصبح نافذة البيت ووجهه المضيء المفعم بالفخر بعد تخرجه من الجامعة، وهو أمرٌ نادر الحدوث أحياناً.
فهو من يكتب لأبيه "مكتوب" لأنَّ الوالد أمي! وهو من يقرأ جواب الرسالة لأبيه الأمي، وهو من يقرأ "ورقتي الكهرباء والماء"، ويدقق شهادة الجنسية إذا ما تم الحصول عليها لوالديه الأميين، وهو من يتعرف على اسم الدواء وطريقة استعماله إذا ما مرض والده الأمي، وهو من يرشد والديه ويثقفهم على الطريقة الأكثر صحية في تناول وجبات الغذاء والوقاية من الأمراض، ويروي لهم ما غرفه من التاريخ، وما أدركه من السياسة، ويحبب إليهم متابعة المسلسلات والأفلام وقد يشجعهم على الذهاب الى المسرح. لِمَ لا؟ أليس هو نابغة البيت، والوجه المضيء لوالديه الأميين؟
كبر "النابغة" وتزوج وأنجب بنيناً وبنات، وشارف على التقاعد، وسرعان ما غدا جاهلاً قبالة التكنولوجيا الحديثة، وأدرك مرارة الأمية التي طالما عانى منها والداه الأميّان. فها هو يستعين بابنه "النابغة الأحدث" في تعلم استخدام الموبايل، ويكلفه بشراء كارت الشحن وشحن الجهاز، وها هو يلجأ لابنه في "كتابة/ تنضيد" ما يكتبه على الحاسبة، وها هو يطالب ابنه باستحياء بإيجاد بريد الكتروني وتعليمه على استخدامه وها هو "يتعلم" من ابنه طريقة الدخول الى المنتديات والمواقع والبحث عن الكتب الالكترونية، وها هو ابنه يحثه على صنع صفحة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويغدو معلما لأبيه "التلميذ" ويشرح له طريقة التواصل مع الآخرين وارسال الرسائل ونشر المقالات و"البوستات والتغريدات"، وارسال طلبات الصداقة، وربما طريقة "الزحف المنظم" على بعض الفتيات أحيانا!