سعى الطغاة والجبابرة الى اختراق فضاء الدم، ارتكبوا شتى صنوف جرائم القتل، ذبحاً واعداماً وخنقاً، ووصل الأمر ببعضهم الى الاعدام بالتيزاب كما فعل "عبد الله المؤمن صدام"! هم لم يقتلوا وحسب، بل تلذذوا باستغاثات ضحاياهم، وانتشوا بلذة مسارهم الأحمر الى الموت، وظلوا يتبارون فيما بينهم لنيل الرقم الأعلى في حصاد ضحاياهم الذي غالباً ما تجاوز الملايين من البشر بآلة شهوة الموت في نفوسهم.
لم ينتم أحد من هؤلاء الطغاة الى البشر يوماً، ومن المؤكد أنهم لن ينتموا الى أشرس فصائل الوحوش في الغابات. انهم لم ولن ينتموا الا لأنفسهم المتوحشة المتطلعة الى سفح الدم، وتناول بعض أشلاء ضحاياهم، والاغتسال بدمائهم. لم تعنهم ضحيتهم أبداً، سواء كان طفلا أو شيخا مسناً أو مبدعاً مميزاً أو امرأة حاملا. هوسهم يذهب بهم دائما الى الرقم الرسمي لعدد الضحايا ومنافسة بعضهم البعض في شراسة القتل والتشريد والمقابر الجماعية.
لكن التاريخ لم يرو لنا منهم الا جرائمهم "المألوفة" ونوعها وعدد الضحايا، هو يحدثنا عن "فلاد الثالث" وكيف كان يتلذذ بتعذيب سجنائه ومعارضيه، ويستعذب خوزقة ضحاياه، حتى وصل به الأمر إلى الاستحمام بدمائهم.. يحدثنا التاريخ عن "ليوبولد الثاني" وكيف استعبد وقتل ما يقرب من 15 مليون كونغولي. ويحدثنا عن "هتلر" ومسؤوليته المباشرة عن مقتل ملايين البشر في عموم أوروبا، علاوة على اشعال نار الحرب التي ورط الشعوب في جحيمها، و ارتكابه جرائم حرب شنيعة منحته احتلال موقع متميز في فضاءاتها.
ربما نتفق أن مسرحية "ماكبث" هي احدى أكثر مسرحيات وليم شكسبير تصويرا لشهوة الطاغية وولعه بارتكاب الجرائم، وما كان ينتظره من عقاب، الى حد أن بعض كبار المخرجين رفض الابتلاء بإخراجها وأبدى تشاؤمه منها!
مأساتنا، نحن "الأحياء"، ضحايا الطغاة هو أن التاريخ لا يذكرنا. هو يدون القتلى فقط، ولم يلتفت يوماً الى ما زرعه الطغاة فينا من رعب وقلق واحباط وشعور بالخسارة والضياع والتشرد والحرمان واليأس والعقد النفسية التي تعجز عن محوها أكبر المشافي في العالم. مأساتنا أننا نبقى في نظر التاريخ كائنات "نجت" من الطغاة وما زالت تنتمي الى "الحياة"، وما زالت "حيَّة ترزق"!
مأساتنا التاريخية يا كرام، ليس في كل ما خلفته جرائم الطغاة في نفوسنا نحن "الأحياء"، بل في استحالة تجاوزها، واستحالة التقليل من تأثيرها على ما نكتب ونتفاعل، والأهم من كل هذا استحالة ابعاد مأساتها عن أجيالنا مهما أوتينا من قدرات، ومهما قيل لنا من نصائح تشبه نصيحة "أوليفر غولد سميث" التي تذهب الى أن "النجاح هو أن تنهض أكثر من عدد مرات سقوطك".
لا أظنك يا سميث ستجد أتباعاً.