غالي العطواني
اقام الحزب الشيوعي العراقي يوم السبت الماضي جلسة احتفاء بالمبدع يحيى السماوي، الذي وصل اخيراً من مغتربه الاسترالي في زيارة قصيرة الى الوطن.
جلسة الاحتفاء التي التأمت على قاعة منتدى بيتنا الثقافي في ساحة الاندلس حضرها نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق مفيد الجزائري والعديد من قادة الحزب الآخرين، الى جانب حشد من الادباء والشعراء والمهتمين بالشأن الثقافي.
وادار جلسة الاحتفاء الشاعر عبد السادة البصري، الذي ذكر في تقديمه السماوي انه حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة المستنصرية عام 1974، وسبق انعمل في الصحافة والاعلام في بغداد والسعودية قبل ان يهاجر الى استراليا عام 1997.
دواوين الشاعر يحيى السماوي يصل عددها الى نحو ثلاثين ديواناً.
وقد حصل على جائزة "أبها" الاولى لافضل ديوان شعري عام 1993، وجائزة جامعة الدول العربية عام 1998، كما حصل على جائزة البابطين عام 2008 وغيرها من الجوائز.
واستمع المشاركون في الاحتفال بعدها الى كلمة الحزب الشيوعي العراقي في المناسبة قدمها نائب سكرتير اللجنة المركزية الرفيق مفيد الجزائري.
اقبتها كلمة الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق القاها الشاعر عمر السراي الناطق الاعلامي للاتحاد.
ثم تحدث الشاعر السماوي قاسم والي صديق المحتفى به وتلميذه حين كان طالباً في الثانوية.
وقدم الشاعر ناظم السماوي شهادة عن رفيقه وصديقه الشاعر يحيى السماوي، استمع المحتفلون بعدها الى ورقتين نقديتين عن الانجاز الشعري للمحتفى به، وهما لـ د. علي حداد و د. احمد مهدي الزبيدي.
وفي الاثناء تحدث الشاعر يحيى السماوي ثم القى باقة مختارة من قصائده.
وفي ختام الجلسة قدم عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق صبحي الجميلي لوح الابداع الى المحتفي به، فيما قدم له عضو المكتب السياسي للحزب الرفيق عزة ابو التمن باقة ورد ربيعي نضرة.
********

سلمت أبا الشيماء ومتعت بالعافية وطول العمر


طبتم نهارا، وطاب حفلنا بحضوركم.
وكل الامتنان لكم على مشاركتنا احتضان المبدع الاستاذ يحيى السماوي والاحتفاء به.
فجلستنا الاحتفالية هذه، التي نقيمها ونحن نتهيأ لاحياء الذكرى الخامسة بعد الثمانين لتأسيس حزب الشيوعيين العراقيين، نكرسها له، لتوهج الشاعر فيه، ولبهاء الانسان، وثبات المناضل، للعراقي فيه الذي لا بديل عنده – كما خبّرنا امس الجمعة في المتنبي، وهو يقرأ في قصيدة من احدث دواوينه – لا بديل عنده عن العراق سوى العراق.
جاء مبدعنا الى هذا العالم قبل نحو سبعين سنة، لعائلة متواضعة الحال في مدينة الفقر والثورة والشعر، التي يحمل اسمها في اسمه. وقد سمعنا للتو من مدير جلستنا الشاعر عبد السادة البصري، الكثير اللافت عن مسيرته الحياتية والشعرية والنضالية الخصيبة الغنية.

قبل سنتين، حين كنا منغمرين في التحضير للاحتفال بالعيد الثالث والثمانين لحزبنا الشيوعي، كان الشاعر السماوي يحيى منصرفا بكل جوانحه، بملء قلبه وعقله، الى المناسبة عينها، ليخرج بعدها بقصيدة عَنْونَها: احفادُ عروةَ بن الورد. وتحت العنوان كتب الكلمات المعبرة التالية: الى الحزب الشيوعي العراقي، في الذكرى السنوية الثالثة والثمانين لانفلاق حبة القمح، التي غدت بيدرا على سعة الوطن.
لا ريب ان احدا من حضراتكم لا يجهل مغزى العنوان الذي اختاره شاعرنا لقصيدته. فعروة بن الورد هو صعلوك الفقراء الجاهلي الشهير، الفارس الذي كان يسرق ليطعم المعدمين الجياع. وتعلمون من دون شك ايضا، ان الجواهري الكبير تشبّه به اوائل ستينات القرن الماضي، في قصيدته المهداة الى الاخطل الصغير حين قال:
انا عروة الوردي .. رمز مروءة العرب العريب
وزعت جسمي في الجسوم ومهجتي بين القلوب.
فالشيوعيون عند السماوي يحيى هم من طينة عروة بن الورد، وهم احفاده.
وقد قال عنهم في قصيدته، بين ما قال:

بسطاءٌ .. كثياب ابي ذرٍّ الغفاري
خِفافٌ .. كحصان عروة بن الورد
يحبون العدالة .. حب العشب للربيع
وحيثما ساروا .. تنهض المحبة من سباتها
منذ ثلاث وثمانين دورةَ شمسٍ
وهم يعبّدون باضلاعهم طريقَ القافلة
نحو مدينة المحبة الكونية ..
سيماؤهم في ايديهم
من كثرة العمل!

وحدث بُعيدها ان علق احد معارفه الفيسبوكيين من العرب المعجبين به وبشعره، مستهجنا كونه شيوعيا بدعوى ان "قيود التنظيم غالبا تعمل بعكس القدرة على الحلم". فرد عليه السماوي: اصدقك القولَ سيدي، انني لم اقضِ من عمري كشيوعي غير سنين قليلة، لا تتعدى الثلاثين سنة. لكنها تبقى أثرى وأهم وأجمل وأنقى وأعذب سنوات عمري، على رغم انني نلت بسبب انتمائي للحزب الشيوعي من التعذيب والعذاب، ما يكفي لاصابة حصان سليم البنية بالشلل..". مضيفا انه "كان لي شرف العمل في صحيفته المركزية - طريق الشعب – منذ مقتبل شبابي وانا طالب في كلية الآداب". ويكمل قائلا: " ان الحزب الشيوعي هو الذي هذبني، ونقلني من طور الآدمي الى طور الانسان، ولو عدت شابا لما اخترت سواه .. اما وقد بلغت من الكبر عتيا، فقد نصحت بناتي وابني ان يتخذوا منه هوية، في حال فكروا بالعمل الحزبي".
كلام شاعرنا هذا كله لا يدهشنا كثيرا، حين نعلم اي إنسان كان والده .. حين يتحدث في موضع آخر من حواراته مع معارفه في الفيسبوك، عن المرحوم أبيه، وينبؤنا انه كان متدينا جدا، وقد حج الى مكة ست او سبع مرات. ويستطرد انه "حدث في ايام فقره الشديد (..) ان اكتشف انني منتم للحزب الشيوعي، فضاعف من مصروفي اليومي، وكنت يومذاك في الصف الرابع الثانوي، وحزتُ عضوية الحزب .. سألته: لماذا يا أبي زدت يوميتي؟ اجابني: لان عليك دفع مئة فلس شهريا للحزب!"
يضيف شاعرنا انه حاول وحاول انكار علاقته بالحزب، فلم تُجد محاولاتُه. وفي النهاية اعترف بالحقيقة، وأردف مستفهما من والده عن سرّ تعاطفه مع الشيوعيين.
أجابني - يقول ابو شيماء – أجابني بلهجته الجنوبية العذبة: وليدي، الشيوعيين اشراف يريدون الخير للناس، ما يدورون على مناصب وسلطة، أصحاب غيره وضمير. لو يريدون مناصب ووظائف، كان انتموا لحزب الحكومة بدل ما يتعرضون للضيم والمعتقلات والسجون".

هو ذا امامنا، شاعرُ العذوبة والمحبة والكفاح، الشامخُ انسانا، الراسخُ الاقدام والجَسورُ مناضلا، السومريُّ العراقي الكريم ..
هو ذا .. أحدُ أبهى احفاد عروة بن الورد ..

سلمتَ ابا الشيماء، ومُتعتَ بالعافية وطول العمر ..
وقادمٌ لا مناص اليومُ الذي حلمتَ به وتحلم، وسعيت اليه وما زلت، ووهبته وتهبه يوما بعد يوم، كلَّ ما بيمينك وبين جوانحك ..
.. اليوم الذي يودع فيه العراقيون البؤس والشقاء والامتهان، ويبدأون ينعمون منتصبي القامات بحقهم في السعادة، في عراق يعود يتنفس الحضارة، مشرع الابواب للحرية والعدالة والسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة الحزب قدمها نائب سكرتير اللجنة المركزية الرفيق مفيد الجزائري
**************

إلى الشاعر يحيى السماوي ترحيباً / د. علي حداد

لأن القصـيدة من هـاهــنا من القـلب من نبضـه مـــاونى
من الروح فيّاضة بالحنين تحـيل القـوافي محـض غنا
من الآه : آه العراق الكليم يريدونه بالأسـى ... ممعـــــــنا
من الصحو مرقاه كل اليقين بأنّ الـذي سـيجـيء ... لنـــــا
نظـمت من الشعــر ما يرتضـيك وما ترتضـيه ، فــنلت الثنــا
وماهـيت (سبعـين) في وهجه تطاولن حتى استحلن سنــا
وصـيّرته وطـناً يعـرفـون إذا ما استفاق استفاقت دنـا
فيا سـيدي (ياالسماويّ) حـييت يابن (الأجـاويد) من أهـلنــــــا
ويا ابن الفرات الذي ســــــــامرته شواطيه (والجرف والمنحى)
سـماوات شـعـرك كـل العـراق ومــــــا أمـطــرته به... وبنـا

بغداد:16/شباط/2019م
******
تلمست (عنده) الشعر الجليل الكبير الذي نعجز عن الاتيان به*

نحبُّ من الناس ما يوائم ذواتنا، لا شكَّ، فنحنُ البشرَ الضعفاءَ لا نخرج من غابات أنفسنا لنراها كلَّها، بل نكتفي بشجرة واحدة دائما.
لذلك لا ضير في أن تضيق رؤانا؛ فمحدودةٌ أبصارُنا ما تعالينا، ومكمومةٌ أفواهُنا ما تحدّثت.
فاسمحوا لي وأنا أمثّل في هذه الكلمات أسمى اتحاد، لأدّعي الكلام عن قامة عريقة اسمها يحيى السماوي، بأن أكون ذاتياً منشغلاً بشجرة واحدة من غاباته الوسيعة.
فقد رأيتُه صورةً يحتضن ابنته، التي نصَّبها أماً وأباً له، فتلمّستُ الشعرَ الجليلَ الكبير الذي نعجزُ عن الإتيان به، فالموقف أكثرُ خيالاً من كل الكلمات.
ورأيتهُ مغنّياً، ينشدُ بصوتٍ مهندم القوام تضاريسَ من وجعٍ سيّابيٍّ سومري، ليثبتَ أن بإمكان حنجرةٍ واحدةٍ أن تعيش ستة آلاف سنة، وإلا كيف نفسرُ للعالم تكسرات صوت داخل حسن، وتهجّدات إلقاء يحيى السماوي، سوى أنهما ورثا تجاعيد الطين الأول الذي كتبت عليه ملامح الخلق.
ورأيتُه دمعةً تحملُ كلَّ معاني الرجولة، فالرجالُ الباكون على أوطانهم طبعةٌ فريدةٌ ومزيدةٌ ومنقّحة.
ومن وحي كل ما رأيت..
أجدني كتاباً مقدّساً أصرخُ بالمشككين (أ تطالبون بمعجزة؟!) هذه معجزةٌ صنعها الحزنُ المتلاطمُ كجرارِ فخّارٍ في عربةٍ نائحة.
أفكّرُ، ب (ماذا أقولُ؟)، وما أكتبُ عن السماوي؟، وكلما رصفتُ حرفاً طاش مني، ليجوبَ بكاءَ الأمهات، وعِصِيَّ الشيوخ التي تحفّر الأرضَ بحثاً عن أبنائها المفقودين، ومدنَ الخرابِ، ولوعةَ أثرين لمعذَّبين في نقرة سجن بعيد، ووصيةَ محتضَرٍ أصرَّ على عدم إعطاء البراءة، وانكسارَ فقير أمام لقمةٍ يبصقها متكرشٌ ويتمناها فقير.
تطيش الكلمات، وكيف لا، فهي في رحابِ شاعرها الذي (يحيا) ل (تحيا).
فيا أيها الشاعرُ الذي أخذ الكتابَ بقوّة، لم تكُ أنتَ المحتزَّ في جذع شجرةٍ، كنتَ الهواءَ الذي يغذّينا بأن نظلَّ شباباً ما زحف إلينا الشيب.
أيُّها الشاعرُ.. أغبطكَ فأنت تمتلك أماً وأباً في سبعينك المورقة، فمن لنا نحن الثلاثينيين اليتامى؟
أيها الشاعر الذي نحبه كما يحبه كل من سمعه أو التقاه أو قرأ له...
أيها الوطن المغادر والمسافر فينا..
عراقك الذي تراه على وجه أحبائك الأدباء ينتظرك دائما ليعيش معك وفيك..
عراقك الذي يعنيك ويعنينا يتفاعل مع كل قطرة أسى تضمنتها قصائدُك..
فباسمك، وباسم اتحادك، وباسم المتبقّي من البلاد، نرفع أعتى الاحتجاج بوجه مسؤولين يتبجّحون باسم الثقافة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء أن يسألوا عن رموزهم الثقافية، وقاماتهم الأدبية.
باسمك واسم شعرك نفتح بوابة الأمل بالخلاص منهم، هؤلاء الراكضين نحو السفر والمتع والتجاهل، مبذّرين لا باذرين، ومصرّين على اعتبار المناصب فيئا لهم ولأهليهم.
أيها السماوي الباسق في وجنات نخل أهلك حين (تطرّه سمره)، يا مانح المواقف ذروتها تمرةً اثر تمرة...
وجودك لقاءٌ لن يُرجأ، ومن وحي كتاباتك سنصنع الوطن المستحيل رغما عن أنوفهم الجاهلة.
الآن فقط، عرفتُ ما عناهُ الكبير مظفر النوّاب حين قال: (يجي يوم الناس تنزل بالسماوة، وآنه أنزل بالوطن كله واضيع)، كان يعنيكَ فأنت الناس، فاسمح لنا أن ننزلَ في حضن وطنك، وفي حضن دمعة تداريها، لنضيعَ، علَّنا في ضياعنا نرشدهم إلى سبيل الحياة.
أمانةً.. أني أحبكَ، والمحبُّ عاجزٌ عن صياغة النهايات، لذا أرجوكَ ابتدئ أنتَ من حيثُ لا نجيدُ الختام.
والسلام السلام السلام السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، قدمها الشاعر عمر السراي*
******

.. كان احد أهم قادة انتفاضة آذار 1991في السماوة / الشاعر قاسم والي

اعتزازي البالغ وامتناني العميق للدعوة الكريمة واتاحة هذه الفرصة الثمينة للتحدث باسم السماوة عن السماوي يحيى في مناسبة هذا الاحتفاء المهيب به.
باديئ ذي بدء: أنّى لمثلي أن يتحدث عن مثله، فهو وإن رآني اخاً فأنا ما زلت أراه أباً.
ففي مقتبل الوعي وطفولة الشعر وضع حظّي السعيد هذا الرجل في طريقي.
كنت في الصف الرابع في اعدادية السماوة للبنين فتىً نحيلاً خجولاً وكان هو شاباً فارع الطول جميلاً بعينين خضراوين تشعان شعراً وتتوهجان عزماً ويدرسني العربية.
لقد تخرج للتو من آداب الجامعة المستنصرية يحمل بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، وأحمل له في جيبي وقلبي مجموعته الشعرية البكر (عيناك دنيا) التي كان قد أصدرها بمقدمة مذهلة من الراحل الكبير محمد علي الخفاجي حتى قبل ان يصل الى عتبة دراسته الجامعية.
السماوة التي منحته اسمه منحها فخرها. كانت تترقب سطوع نجم فتاها ليملأ فراغاً مدوياً تركه رحيل شيخها وشاعرها عبدالحميد السماوي.
ولم يخيب السماوي يحيى ظن السماوة، بل لم يخيب ظن العراق كله به.
السماوي الذي انضم مبكراً الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي انحاز روحاً وجسداً وشعراً الى شعبه ولقضية الكادحين ومصير وطن يتلاعب بمصيره الفاشيون ومشغلوهم عبر البحار.
كان مضطراً أن يكمل دراسته الاعدادية في الديوانية بعيداً عن السماوة، وفي بغداد لاحقاً مواصلاً دراسته الجامعية.. كان يدرس ويتعلم ويكتب ويشتغل وهناك من هم اكثر احاطة مني بحقيقته البغدادية تلك من زملاء ومن رفاق. لم يُرد الفاشيون أن يحيى.. ولم يرق لهم بالطبع أن يكون مدرساً في أهم ثانويات السماوة، قريباً من شبيبتها المتفجرين حيوية وعنفواناً وغضباً. لذا كان ضيفاً روتينياً على دوائر الأمن وفي تلك الدوائر كان يتم اكرام الضيف فقد تحمل شتى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي. ولم تسلم من تلك الضيافة اللئيمة، عائلته.. أعني (أمه واخوته واخواته) حتى حانت لحظة الانقضاض الفاشية على الجبهة وكان نصيب السماوي أن يعزل من مهنة التدريس ليحال الى وظيفة بائسة يمكن لأي أمي ان يشغلها في دائرة البريد.
كان عقد الثمانينيات من القرن المنصرم أقسى وأطول من عشر سنين. كانت عشرية دامية هلك فيها الحرث والنسل وودع العراقيون آلافاً مؤلفة من خيرة ابنائهم وقود حرب طاحنة غريبة وغبية.. كان يحيى يبدو خلالها فجيعة تمشي على قدمين مراقباً حتى من ظله، ما بين زائر لدوائر الأمن والاستخبارات وخارج منها، تحصى فيها أنفاسه وترفع عن تحركاته التقارير. لكنه لم يعدم الوسيلة ابداً ليبقى على صلة بالشعب.. حتى إذا حانت لحظة الانفجار العظيم بعد نكبة العام 1991 وأوقدت شرارة انتفاضة آذار المجيدة، كان يحيى أحد أهم قادتها ورجالها، وما زالت حارات وأزقة السماوة تروي قصص النضال المجيد ليحيى ورفاقه. إبان تلك الانتفاضة الموؤودة.
غادر السماوي العراق تاركاً قلبه وكتبه ودفاتر أشعاره، غادر برحلة ملحمية عبر صحراء السماوة الغربية الى المنفى، لينهض من هناك نافضاً رماد المحرقة كطائر الفينيق، مواصلاً نضاله عبر اذاعة المعارضة العراقية.. كنا نترقب سماع صوته سراً عبر أجهزة الراديو سيئة البث والتي كان يتم التشويش عليها بشدة من هنا.. كان صوت العراق.. كان صوتنا.
وهناك في منافيه ومنها خرجت مجاميعه الشعرية العظيمة:
"هذه خيمتي فأين الوطن".. "قصائد من زمن السبي والبكاء".. "نقوش على جذع نخلة البكاء على كتف الوطن".. "شاهدة قبر من رخام الكلمات".. "عيناك لي وطن ومنفى" "جرح باتساع الوطن".. وغيرها. هناك مختارات من شعر السماوي قامت بترجمتها الى الانكليزية الشاعرة الاسترالية ايفا ساليس بعنوان "ضفتان ولا جسر" ترجمت مجموعته الشعرية الموسومة "ديقه من زهور الكلمات" الى الفارسية مؤخراً.

عرض مقالات: