إبتدأ المقهى الثقافي العراقي في لندن موسمه لعام ٢٠١٩ بأمسية أقامها بتاريخ ٢٥ كانون الثاني ، تطرقت الى طرح جديد في الفنون التشكيلية يعمل عليه منذ فترة الفنان التشكيلي العراقي جلال علوان .

قدم الناقد عدنان حسين أحمد تعريفا بنتاجات الفنان :" هذه الأمسية بصرية بأمتياز حيث نجد فيها مجموعة من الفقرات الفنية الخالصة التي تعكس اساسيات مهمة في تجربة جلال فهو يشتغل على الفن المفهومي أو المفاهيمي ،وهذا يعني إنه فن الفكر "

وذكر الناقد ان جلال درس الاكاديمية في العراق وهاجر الى الأردن أولا ثم لجأ الى هولندا التي كان فيها لحد عام ١٩٩٧ إثنان وسبعون فنانا ..وذكر ان الفنان جلال أنجز في مدينة بريدة (جنوب هولندا) مشروعا يحاكي البيئة أطلق عليه     (التركيبي) .                                                               installation( بقرات  ترعى) وهو أقرب الى فن وفي المملكة المتحدة عمل على عدة من المشاريع توزعت على أساليب فنية منها : مشروع الأثاث والفوتو مونتاج (الديجتال آرت) والفيديو آرت ومشروع العباءة ومشروع المسافرين أو المهاجرين .

جلال علوان ..سيرة ذاتية .. وإنجاز متواصل

وقد قدمتها الأمسية على الشاشة مع صور فوتوغرافية وفيلمية تعبر عن محطات حياته قرأتها آلاء ابو الشملات، نورد فيما يلي عرضا موجزا لها:

-ولد الفنان جلال علوان في بغداد –كمب الكيلاني عام ١٩٦٠

-كان والده الذي يعمل في صيانة طائرات الهيلوكوبتر يهوى رسم الجداريات على الحيطان الجصية(فن الفريسكو).وهكذا كان والده أول فنان فتح عينيه على حب فنه.

-اصبح التلميذ جلال منذ نعومة أظفاره فنان المدرسة حيث درس الفن على يد استاذه الفنان النحات خليل الوردي.

-تعلم في الأعوام ١٩٧٣-١٩٧٩ على مهارات كثيرة في الفن والسباحة والرماية والموسيقى .

-وشارك ببعض المهرجانات الوطنية من خلال مركز شباب الكاظمية.

-كان حلمه أن يدرس الفن في إيطاليا لأنه كان مهووسا بفنون عصر النهضة.ولكن هذا الحلم أجهضته الحرب العراقية –الايرانية.

-درس في اكاديمية الفنون الجميلة ببغداد الفن التشكيلي ثم تخصص في فرع السيراميك حيث تتلمذ على يد الأستاذ سعد شاكر في مجال الخزف وعلى يد الفنان إسماعيل فتاح الترك في مجال النحت الفخاري.

-توقف جلال علوان عن الدراسة عام ١٩٨٥اذ أعتقل لمدة سنة ونصف في مديرية أمن بغداد وفي معتقل الفضيلية بسبب إشتراك أخيه وعمه واتهامهما في محاولة اغتيال صدام حسين في حادثة الدجيل ثم أفرج عنه عام ١٩٨٧ .

-إستأنف دراسته وأكملها في عام ١٩٨٨ .

 -أقام معرضه الأول في مجال النحت الفخاري في قاعة بغداد ونظم معارض أخرى بمشاركة عد من زملائه.

-غادر العراق الى الأردن.عام ١٩٩١ ومكث فيها ثلاث سنوات ونصف نفذ خلالها عدة أعمال من الخشب والحديد وأقام عدة معارض في مدينة عمان.ثم غادرها الى هولندا عام ١٩٩٤وحصل على الجنسية الهولندية .

-أقام عشرات المعارض الشخصية والمشتركة في هولندا وبلجيكا وفرنسا وأختير عمله (بقرات ترعى) لينفذ في مدينة سكنه (بريدة) كذلك أختير عمله (أكسترا آرت بوب ) الجداري من بين اعمال لمجموعة من النحاتين لينفذ في محرقة المدينة .

-التحق في عام ٢٠٠٦ في الأكاديمية الملكية لدراسة الفن ويتخرج فيها عام ٢٠١٢ ، كما درس فن الرسم والنحت وصناعة الفيديو آرت والتصوير والغرافيك وأنواعه وأشياء تقنية أخرى.

-ثم غادر الى إنكلترا وأستقر في لندن خاتمة المطاف.

وجه الناقد عدنان حسين أحمد للفنان جلال علوان أسئلة كان أولها : لماذا إختار السيراميك والنحت في دراسته الأكاديمية الأولية  ؟ فأجاب قائلا: "كان هذا نابعا من علاقتي بالأساس بالطين وكانت الأعمال التي أصنعها  منه تحوز على اهتمامي الأكثر وانتبه الى ذلك أستاذي عزام البزاز وربت على كتفي وقال اني سأجعل منك نحاتا جيدا ثم أشار الى أحدهم ( يدعى الحمزاوي) وقال ان هذا سيجعل منك بعثيا جيدا ، عندها قررت هجر النحت، فأخترت قسم السيراميك ،وهناك توجهت الى دراسة النحت الفخاري". وكان السؤال الثاني  عن الفرق بين الدراسة في هولندا والعراق ؟ فكانت إجابة الفنان :"في هولندا كانت لي تجربتان الأولى في سانت جورج أكاديمي وفي الأكاديمية الملكية التي تخرجت فيها والأخيرة تهتم في كل تفاصيل العمل الفني من الفكرة الى الإنجاز يعني من البحث الى النقد ، ومدرس المادة لا يهتم بالمنجز بقدر ما يهتم بالعملية الأبداعية بكافة مراحلها وعلى هذا الأساس يقّيمها . وبتعبير أدق إن الأستاذ لا يتدخل بصلب مضمون العمل الفني وفكرته بإعتبار هذا يدخل ضمن حرية الطالب .. أما في العراق لا علاقة للتدريس فيه أصول  وأفكار العمل الفني ،إنما يهتمون بالنتيجة أي بالمنجز ولا يهتمون بكيف تم إنجازه ومراحل البحث وسبل تنفيذه التي اعتمد عليها .. الطالب عندنا يبحث عن مصادر معينة ويستنبط منها الفكرة وأسلوب تنفيذها .. وهذا يضعف عنصر الابتكار والابداع لديه ..ويغيب الهوية لديه حيث يتكيء على ما أنجزه الآخرون ."

ثم تحدث الفنان جلال بحديث مدعم بالصور والسلايدات عن المشروع الذي نفذه في مدينة (بريدا) بعنوان (بقرات ترعى) وعن فكرته وعلاقة مضمون العمل ببيئة المدينة وما هي المواد التي دخلت في تصنيعه.اما عن مشروعه الآخر (الآثاث) فقال عنه انه استنبطه من ما علق في ذاكرته حين كان ينظر بإعجاب الى آثاث عرس جده الذي كان آنذاك متقدما في العمر وكيف انه كان يحس ان ثمة ثبات بين ذلك الآثاث وشخصية الجد وان بينهما علاقة متينة ودائمة حيث ترافقا معا على العكس من علاقته هو بآثاثه حيث كان يفتقد الى الاستقرار وتعدد تنقلاته بين أمكنة كثيرة .. فتعمقت فكرة تناول موضوع الآثات لأنها كانت تنطوي على الحس الدرامي وانعكاسات التشرد على شخصيات المهاجرين .وعرض على الشاشة صورا تجسد هذا الموضوع وهي تختصر أفكار العزلة والفردية والضياع وسوء الفهم ..الخ.

وعن عمله في الفوتو شوب قال الفنان علوان انه بدأ بالـ (سكيج) الى الفوتو شوب وفي هذا المضمار وجد ان مونتاج الصور وتركيبها تنتج مواضيع فنية ذات دلالات فكرية وعرض نماذج من أعماله على الشاشة وفي هذا السياق عرض مجموعة من الصور معروفة عن تنفيذ عمليات اعدام في أماكن وأزمنة متباينة لكنه وضع صورته الشخصية بمكان الشخص الذي تنفذ به فرق الأعدام المدججة بالسلاح تلك الأحكام ..قال :( كنت أضع نفسي وانا أصوب نظراتي الى المتلقي.. كنت أريد ان أربط ما بين الماضي والحاضر ..وأريد القول ان هذا العمل التعسفي مثلما كان يمارس في الماضي فهو ما زال يمارسه الجلادون).اما عن اعمال (الفيديو آرت) فذكر الفنان جلال علوان انه بدأ العمل بها منذ عام ٢٠٠٦ وما يزال يواصل الإشتغال عليها وهي الأخرى تنطوي على أفكار حياتية يعيد صياغتها بالتصوير بالفيديو لأنه يرى ان تنفيذها كصورة ثابته غير كافية ولا تعكس الحالة الحياتية – الواقعية التي يريد طرحها..وأنه يدخل عناصر وأجناس فنية مختلفة في إطار الفيديو الذي يكتنز معطيات الحركة والصوت في آن واحد .. وعرض على الشاشة مجموعة من نماذج فيديوهات إشتغل عليها مؤخرا .وكان من بينها فيلم بعنوان (الموجة) ذكر انه صوره على شاطيء مدينة لاهاي المطلة على بحر الشمال وعكس في لقطاته توالد الموجات على الشاطي وإنكسارها، حيث تنشأ كل موجة من موجة متكسرة تسبقها .. وقد عرض الفيلم على واجهة احدى بنايات المدينة المطلة على الساحل .

وعقب الناقد عدنان حسين احمد عن المشاريع التي عرضها الفنان في الأمسية بتساؤل جاد ومهم عن كيف تنقدح الفكرة في ذهن الفنان وهل هي نتيجة التمعن بما يدور في الواقع ام من الخيال او من الأثنين معا وما علاقتهما مع بعضهما.فكان جواب الفنان علوان: ( انا افهم ان ابداع الفنان غير محدود ..ولأنني اريد ان اخلق حوارا ما بين المتلقي وعملي الذي لا اعتبره حالة ترفية لتزيين جدران البيت .. اريد ان اوثق علاقة مشاهد عملي بنتاجي .. ان أحفزه على أن يتحاور معه .. على الرغم من المستويات المختلفة لثقافة المشاهد .. فانا اطمح الى ان أسحب المتلقي لعملي من خلال تضمين عملي بعض المفاتيح التي تتيح له الولوج الى عوالم أفكار اعمالي وأحثه على المشاركة في مواصلة عملية الأبداع بالحوار وطرح التساؤلات .. وتعميق الحوار).

حوارات

لقد أثارت الأمسية ومحاورها عدة أسئلة طرحها بعض حضورها على الفنان فكانت نقاشات معمقة تناولت الأفكار والأساليب التي جاءت بها تجربة الفنان الذاتية وتعدتها الى مداخلات في ضرورة الفن وعلاقته بالحياة اليومية للإنسان وببئته والوسط الذي يعيش فيه منها هل على الفنان ان يقدم شروحات وتوضيحات للعمل الفني ، وهل غاية الفن للفن ام للمجتمع وما الدور الذي يلعبه الفن في عملية التغيير نحو الأفضل .وركزت كثير من المداخلات على أساليب الفنان وكيفية تنفيذها وما هي التقنيات التي إستخدمها .اجاب الفنان جلال علوان عليها مؤكدا على ان فنان مهمته تحويل الفكرة الى صورة . انه ليس داعية او اعلامي يقدم نتاجه الفني بشكل مباشر .. وأكد على ان كل أعماله تنطوي بهذا المعنى على رسالة .. لكنه يعطي للمتلقي ان يشاركه في العملية الإبداعية فيكون مكملا للفكرة وأن يأخذها الى آفاق واسعة أبعد .