الشعر الشعبي العراقي كان على الدوام قريباً من وجدان الناس وأحاسيسهم معبراً عن خلجات النفوس والمعاناة والضيم والكدر وأيضاً الحلم بحال أجمل وأكثر انسانية..

ومنذ الحاج زاير وأبو معيشي ومظفر النواب خط الشعر الشعبي العراقي هذا اللون الأدبي الشعري مكانه في مساحة الابداع الثقافي العراقي وعبر نصوص وملاحم حفظتها الذاكرة وتغنى بها العاشقون والحيارى والثائرون والعامة من الناس..

ومع البدايات الأولى لتفتح موهبة عريان السيد خلف الجنوبي ابن مدينة قلعة سكر وأجواء الناصرية، ابتدأت حقبة يشار لها بالبنان في ما قدمته من اضافات متميزة ومشهودة للذائقة الشعرية الشعبية وبكل ما تحمل من ترف وجمال المفردة الريفية القريبة من هموم ابناء المدن...

أن تكون شاعراً ومبدعاً فهذا يعني قدراً كبيراً من الجرأة والإقدام والجسارة على خوض التجربة واقتحام الممنوعات والحواجز وتقديم منتج ثقافي متنوع ومختلف عن المعتاد الروتيني وأيضاً القريب من نبض الحياة اليومية في الريف والمزارع وشوارع المدينة بمقاهيها وأزقتها وورش عمالها وطبقات الناس ومكوناتهم..

لقد صدق مظفر النواب وهو يشيد بعريان السيد خلف الشاعر:

((أرضنا حفلت بنواطير شجعان كثيرون منحوا حياتهم لحراسة الأرض والتاريخ والناس...))

في اشارة لواحدة من نصوص عريان عن النواطير...وهنا دلالات المعنى حين يكون الانسان حارساً وأميناً للأرض مؤتمناً للتاريخ كشاهد حقيقي مع الوقوف في صف الكادحين وحراسة حلمهم في وطن آخر وأماني للفرح والحياة الجديدة..

نصوص الشاعر عريان وكما عبر هو نفسه مرة بكونها ((مقاطع من الغناء الموجع الحميم يحمله عبر ليالي الرحيل الباردة، والمليئة بالريح، والمحطات، والتعب الشاق... وكان خلالها صادقاً، وملتهباً وتلقائياً...))

أليس هو الذي نذر روحه وهي أعز ما يملك الإنسان:

أدك روحي....

نذر للجايب ابشاره

وقد أتعبه طول الانتظار والصبر في قدوم من يحمل له بشائر الفرح والبهجة...

وهو أيضاً الماي والشراع الذي لم يخن السفان:

هذاك آنه

الكطعتي الماي...

عنه....

او عاش بأحزانه

هذاك آنه.

الشراع...

الماكسر نوماس سفانه

قدرة كبيرة لعريان في محاولة المزج المحبب والغير مصطنع ما بين العاطفي الحسي وبين الهم الشعبي والوطني وبشكل يصعب التفريق بين الاثنين .. وهذه الميزة تكاد تشبه بحدود كبيرة حياة ومسيرة ومحطات الشاعر والذي عاشها بتجرد وإنسانية مولعا شغوفاً بحب الأرض العراقية والطبيعة بغرسها وورودها ورياحينها متعلقاً بالبشر العراقيين بألوانهم العجيبة والجميلة.... هو عاشق يقطر وجداً في مغازلة حبيبته يناجيها بمفردات الحب النقية شاكياً لها في الوقت نفسه همومه وأشجانه ودواخله الطافحة بالحزن:

اتلولحي ابروحي كصيبه اتلولحي

اتلولحي ابكلبي قصيدة اتلولحي

احنه خلانه وكتنه

اتراب بحلوك الرحي

وهو كان رغم قساوة الزمن وبشاعة ولؤم الحكام والمستبدين من حط قلبه على كفه ليغسل بنزفه وجه المدينة:

وذاك من ذاك

اللكه النجمه العزيزه بلا سمه

ودك الهه عينه

وذاك من ذاك..

اليحط كلبه اعله جفه

ويغسل بآخر نزف وجه المدينه

في المعيبر عبد أوجز عريان مسيرة الانسان المانح والمضحي والباذل في سبيل أن تتنفس الناس هواءاً عبقاً بأريج الحرية وحلم السعادة المفقودة.

عبد هلكد طمع بمحبة الناس

وتريد اشكد بعد تنحب يمحبوب

ليس من قول سوى استعارة كلمات مظفر النواب وكلماته:

إننا نحبك أكثر من ( اشكد) هذه يا عبد ....

يا عريان السيد خلف ابن أرضنا العراقية العظيمة،

ونسمعك من منافينا تؤنس وحشتنا التي لا تنتهي...

عرض مقالات: