أحد النبلاء والأنقياء الذين عشقوا الوطن وترابه عبر قصائده وألوانه وتخطيطاته المبهرة التي كان ينثرها ويرسمها في الجامعة والمقهى والحانة والشارع. انه الشاعر والرسام هادي السيد حرز الذي مات بالقرب من ساحة الميدان، التي أضحت له مكانا للعيش لسنوات الألم الطويلة فوجد فيها عوالم وشخوصا وحياة أخرى تختلف عن حياة النهار وأعاجيبه، عالم آخر بكل تفاصيله يعيش على فتات الخبز اليابس وصفائح الزبالة والمياه الآسنة.
مات هادي السيد حرز عام 2006 فقيراً مشرداً بسبب تمرده واحتجاجه على التقليدي والنمطي داخل الثقافة العراقية، وغادرنا بعد رحلة طويلة من الفقر والخوف والسجون والإدمان والعذاب الذي لم يفارقه حتى بعد رحيله على أرصفة الشوارع، ولعل إخلاص هادي وتفانيه لليسار الذي انتمى إليه مبكراً وهو يحلم بالمساواة والعدالة بين الجميع وأفكاره التي هي بالضد من سلطة "الوحش الكاسر" كما يسمي نظام البعث الذي أوصل هادي السيد وآخرين الى تشردهم في الشوارع والمقاهي والموت على الأرصفة بصور أقل ما يقال عنها مؤلمة، كما مات الشاعر عقيل علي بنفس المأساة التي مات فيها هادي.
وبالرغم من ان هادي السيد الذي لم يترك أثراً مطبوعاً في الشعر والقصة والرواية او لوحة فنية تحفظ له تاريخه الأدبي والفني وسيرة الألم التي تعرض لها عبر إعتقالات مديرة الأمن العامة له باستمرار بعد ان كان طالباً مجتهداً في كلية العلوم بجامعة بغداد، فمنذ الثمانينات بدأ هادي السيد يعيش الفقر والإهمال وكلما يخرج من دائرة الأمن بعد اعتقال يجد نفسه في الشارع وحيداً، لكن أصدقاءه لم يتركوه محاولين إنقاذه من التشرد لكن تأثيرات كثيرة كانت تجبره على الذهاب الى العيش في الشارع مع العالم الليلي الذي يعيشه مع مجموعة من الفقراء والمظلومين الذين دارت عليهم دوائر التهميش والفقر وقمع النظام الدكتاتوري آنذاك.
جمعتني مع هادي السيد حرز الكثير من الجلسات في المقهى او في إتحاد الأدباء وكانت ثمة متعة في حديثة الشيق وهو يفصل الأشياء ويفككها بطريقة العارف وكان آخر لقاء لي بهادي السيد بعد سقوط النظام بسنة تقريبا عندما جئت لزيارة أهلي في بغداد صيف عام 2004 مررتُ بأول جمعة الى مقهى حسن عجمي ولم أجد أحدا حتى وصولي الى مقهى الشاه بندر وعند الدخول استوقفني هادي السيد وجلسنا سوية مع بعض الأصدقاء لأكثر من ساعتين نستذكر أشياء لم تمحها ذاكرة الحروب والحصار.
في قصيدة هادي والتي يرثي فيها نفسه وحظه العاثر يؤكد فيها على احتجاجه المستمر على الوضع المزري ويحلم بتقسيم الأمنيات على وجوه الفقراء ويترك امنية من بقايا اعتداد قديم، وهو يصور نفسه بدون بيت ولا زقاق قديم ولا أوجه ناحلة وذاكرته مثل زهرة ذابلة، مقاطع يبدو الألم فيها علامة واضحة كوضوح عذاباته وآهاته والبكاء المّر الذي كان ينتابه في كل جلسة يكون بيننا والدموع لا تجد طريقها الى خديه جراء بقايا وتراكمات العذاب في الشارع الذي عكر صفاء خديه.
نقرأ قصيدة الشاعر الذي مات مظلوما في هذه الدنيا الرثة انه الشاعر والفنان هادي السيد حرز الذي يرثي نفسه:
حين تلتحم الضعاف يعبر الساقطون
أنا متحدٌ جداً في زقاقٍ قديم ألفنا ملاحمه،
كنت أقسّم الأمنيات مع الأوجه الناحلة
وأترك أمنية من بقايا اعتداد قديم
فوق ما تتركه السابلة
يومها لم يعد لي الزقاق القديم ولا الأوجه الناحلة
"
شائع مثل ريحٍ وذاكرتي زهرة ذابلة"
قل لصوتٍ قريب نحن هذي الطيور
على طرف من شراع غريب
قل ليوم مضى ما احتمينا بيوم سواك
قل ليوم اتى مالنا يوم سواك
قل له أيها اليوم أنت قلبي تبحث عن سابع المستحيلات
وتكتب مرثية الجميع..

عرض مقالات: