قبل الحرب الاولى، وفي يوم من أيام تموز، تم سوق عشرة فتيان الى العسكرية، سيقوا من أمام بوابة دائرة التجنيد بسيارة كوستر وقيل سيارة إيفا. اخترقت بهم الطريق من بغداد الى مدينة ما في شمال الوطن، ومن يومها انقطعت أخبارهم.
بذل الأهل كل المحاولات لمعرفة مصيرهم، دون جدوى. لكن بعد سنوات طويلة - كان هذا بعد وقف إطلاق النار بين البلدين المتحاربين - عثر في الأرض الحرام على حقيبة مدفونة، كانت تضم بقايا اغراض تلفت كلها إلا دفتر صغير، لم يستخدم منه الا ورقة واحدة، عرفنا بأنها رسالة كتبت على هيئة مقاطع صورية كتبها أحد الفتية العشر، كانت كلماتها رغم دبق الارض والسنوات واضحة، استطعنا قراءتها بصعوبة، كانت عبارة عن رسالة تتحدث عن حرب قادمة وحرب أخرى اخذتهم بعيدا:
"
كنا عشرة، قبل ان نصل الى وحدتنا الجديدة، سقط واحد منا، نقلته سيارة الإسعاف ولم نسمع عنه خبرا، وقفنا بالاستعداد أمام ضابط أمرد قصير، تأفف كثيرا قبل أن يقول:
ـ خريجون مرة اخرى، ماذا أصنع بالخريجين والحرب على وشك أن تقوم!
ضحك أغلبنا من كلمة الحرب "أي حرب يعني هذا الأمرد القصير"؟ شرح الضابط للعريف الاسمر الذي رافقنا منذ هبوطنا من سيارة الكوستر الزرقاء حتى لحظة وقوفنا أمام الآمر القصير.. الذي لم يعد شابا، كذلك هو حال العريف الذي اختلطت مع سحنته الكثير من الخصل البيض في شعره الذي يظهر من تحت البيرية، استمع العريف وكذلك استمعنا...
ــ تسلمهم بدلات القتال.. وبدلات العرض.. تسلمهم البنادق والمعاول والمجارف... علمهم كيف يستعملون البنادق، فالحرب قادمة لا محالة.
ضحكنا مرة اخرى من كلمة الحرب...وتساءلنا..... " ماذا يريدنا أن نفعل بالمجارف والمعاول، هل يريد ان يدفن شيئا.. أم ان الأمر له علاقة بالأناشيد التي كنا نسمعها من المذياع في سيارة الكوستر التي أوصلتنا الى هذا المكان..؟ " قال أحدنا.. إنها الحرب.. قلنا أي حرب.. !؟ ومن يومها إستلمنا المعاول والمجارف والبنادق.. لكن حينما حلت الحرب التي غطتنا كغيمة سوداء، تساقطنا واحداً تلو الأخر، ولم تنفع كل الحفر التي حفرناها بالمعاول والمجارف.... إذ اخترقتنا شظاياها بلا رحمة...".

عرض مقالات: