وفقا للإعلان الذي نشره نيابة عن هيئة تحرير صحيفة "طريق الشعب" الصديق العزيز رائد فهمي، السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي، عن فتح باب الحوار على صفحات الجريدة حول التحالفات، فاني ابدأ الحوار مع رفاقنا في قيادة الحزب الشيوعي العراقي عن هذا الموضوع المهم والذي ارجو ان يرى النور على صفحات الجريدة التي كانت لزمن طويل منارا للفكر المعاصر. واتمنى على رفاقي في الحزب الرد على كل ما سيأتي في مقالي لتعم الفائدة.

موضوع التحالفات واحد من المواضيع التي لم تأخذ حيزا كبيرا في الفكر الاشتراكي، وجرى التعامل معها في أغلب كتابات المفكرين الاشتراكيين الاوائل براغماتيا، أي بالقدر الذي يمكن الاستفادة منه لتحقيق الثورة الاشتراكية وانجاز مهامها. هكذا كان الامر مع شعار "تحالف العمال والفلاحين" الذي رفعه البلاشفة في روسيا، والذي اعتمد على اساس ان الفلاحين يشكلون النسبة الاكبر من سكان روسيا القيصرية وأن أغلبية جنود الجيش القيصري هم من اصول فلاحية.
هذا مع ادراك قادة البلاشفة حقيقة أن الفلاحين طبقة كسولة سياسيا ويصعب "تثويرها" او زجها في أتون العمل الثوري ضد النظام القيصري في روسيا، كما هو الحال بالنسبة لطبقة البرجوازية الصغيرة التي نظم ممثلوها انفسهم في تنظيمات فاعلة في المجتمع الروسي، وتنسب اليها أغلب أعمال التمرد الثوري واحداث العنف ضد القيصرية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولطالما شكى فلاديمير اليج اوليانوف (لينين) من تقاعس الفلاحين عن المشاركة في الثورة دفاعا عن مصالحهم الطبقية.
اضافة الى ذلك فان التحالفات التي جرى التطرق اليها في الادبيات الاشتراكية الكلاسيكية، بما فيها الماركسية، كانت تعني بالدرجة الاولى التحالفات الطبقية، وحتى التحالفات السياسية التي دخل فيها الاشتراكيون الديمقراطيون الروس (البلاشفة بصورة خاصة) كانت تفسر على انها تحالفات طبقية فرضتها مهام المرحلة الانتقالية، التي كان يفهمها البلاشفة على انها مرحلة انجاز مهام الثورة البرجوازية الديمقراطية والانتقال الى بناء الاشتراكية تحت قيادة الطبقة العاملة (أي حزب البلاشفة تحديدا).
الصفة الثالثة التي طغت على فهم الفكر الاشتراكي الراديكالي الكلاسيكي للتحالفات هو فكرة هيمنة ممثلي الطبقة العاملة على اي تحالفات تعقد مع ممثلي الطبقات الاخرى، أيَّا كان دورهم في العملية الثورية. لذا سرعان ما انهار التوافق مع القوى اليسارية والليبرالية بعد أن أقدم البلاشفة على حل الجمعية التأسيسية (البرلمان)التي لم يحقق فيها البلاشفة اغلبية. علما بأن حكومة كيرينسكي المؤقتة التي اطاح بها البلاشفة، قبل اقدامهم على حل الجمعية التأسيسية، كانت مسنودة من قبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي (المناشفة) والاشتراكيون الثوريون الروس. وقد ترأس الاشتراكيون الثوريون الروس معظم المحاكم الميدانية لمحاكمة رموز النظام القيصري بمن فيهم الادميرال كولجاك.
الفكر الاشتراكي بصورة عامة والماركسي بصورة خاصة مر بمراحل تطور عديدة رافقت تطور الاحداث الثورية في اوربا في النصف الاول من القرن التاسع عشر. فبعد حصول كارل ماركس على شهادة الدكتوراه كانت رؤياه في المجال السياسي مركزة على المعدمين والمستلبين من الناس في المجتمع الرأسمالي الاوربي لذا كان الفكر السياسي الماركسي مهتما بصورة خاصة بإجراء تغييرات في النظام الاجتماعي الاقتصادي يتجاوز المشاكل الاجتماعية التي افرزها النظام الرأسمالي، ومن هنا جاءت نظرية ماركس عن "الثورة الدائمة" التي اتى على ذكرها في البيان الشيوعي عام 1840 وفي "بيان اللجنة المركزية لاتحاد الشيوعيين".
وأول من كتب عن نظرية "الثورة الدائمة" في روسيا هو المفكر الاشتراكي الكبير بليخانوف ثم تبعه بالكتابة عنها العديد من قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، بشقيه البلشفي والمنشفي، كبافوس وترو تسكي ولينين. ومع الاختلاف في التفسيرات فالثورة الدائمة تعني عقد تحالفات طبقية سياسية مع ممثلي طبقات تقدمية لإنجاز مهام مرحلة معينة، تقام على اثرها تحالفات اخرى مع ممثلي طبقات اكثر تقدما لإنجاز مهام مرحلة اعلى مستوى اجتماعيا وفكريا واخلاقيا من المرحلة التي سبقتها، وهكذا تستمر التحالفات والتغييرات التقدمية التي تضمن للمجتمع شق طريقه نحو العدالة الاجتماعية.
الان وبعد هذه المقدمة النظرية انتقل الى الوضع في العراق، فهل أن تحالفات الحزب الشيوعي العراقي مع الاحزاب الاخرى سواء في تحالف "سائرون" أو تحالفه العريض الاخير والذي ضم احزابا وقوى على بعضها ملاحظات عديدة تخص اهدافها وخطابها السياسي اضافة الى تاريخها، مما يضر في مقبوليتها حتى من جماهير التيار الديمقراطي وحزب التيار الاجتماعي الديمقراطي، الحليف الاقرب للحزب الشيوعي العراقي. هل انها كانت استجابة لأي من القواعد التي أكد عليها الفكر الاشتراكي الماركسي؟
بالنسبة للتحالف مع الاخوة الصدريين فقد دأبت قيادة الحزب الشيوعي العراقي على القول بانه ليس سوى "تنسيق ميداني" وكان هذا المصطلح موفق تماما لتوصيف العلاقة بالإخوة في التيار الصدري، وقد اقتنعنا به سواء على مستوى المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي ام على مستوى التحالف الانتخابي الاول الذي أطلق عليه اسم "تقدم"، ولكنه تحول دون سابق انذار الى تحالف انتخابي جديد ذي صفة استراتيجية مع استقامة وغيرها في إطار تحالف سائرون.
في الاجتماع الاخير للمكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي، حاول الرفاق في الحزب الشيوعي اقناعنا بان التحالف لأربع سنوات فقط وبعدها سنرى، وانا في المكتب التنفيذي لم اعترض حتى على هذا التبرير. ولم لا فلنعطي رفاقنا في الحزب الشيوعي العراقي الفرصة الكافية لإنجاز مشروع علَّه ينجح، ولكن ينجح في ماذا؟
يلاحظ ان الحلفاء قد استمروا على المواقف ذاتها، فعلى ماذا تقوم القاعدة التقدمية التي ينطلق منها مشروع كارل ماركس في "الثورة الدائمة" اذا في تحالفنا مع التيار الصدري؟!
تجيبوني بأن تحالفكم كان يقوم على اساس زعزعة نظام المحاصصة الاثنية والطائفية، فهل تحقق شيء في هذا الخصوص. تقولون بأنكم تحالفتم من اجل انجازات تتحقق على ارض الواقع للمواطنين، فما الذي كسبه المواطنون طيلة فترة تحالفكم مع الاخوة في التيار الصدري. هل تحسنت الخدمات التي تقدم لهم في مجالات الكهرباء والماء وفرص العمل والمساعدات الاجتماعية للأرامل وعوائل الشهداء والمعوزين من الناس، بل وهل توقف الفساد؟ تقولون ان قاعدتكم الاجتماعية مع الاخوة في التيار الصدري مشتركة وهي حتى وان كانت كذلك الا انها لا تكفي لتحالف تقدمي من اجل تحقيق قفزة في المجال الاقتصادي والاجتماعي. فالفئات الاجتماعية في مسرحة مكسيم غوركي "الحضيض" تتنوع الا ان القاسم المشترك لها ليس بالضرورة المساهمة في صناعة التغيير.
تجدر الاشارة الى اني لم أتحدث عن هوية الحركة السياسية التي نتحالف معها الا بالقدر الذي يساعدنا على الحركة الى الامام وكما قال المفكر الاشتراكي برينشتاين " النظرية لا شيء، الحركة كل شيء"، لذا فلكي نتفق يجب ان نحدد على ماذا اتفقنا وما هي اهدافنا من تحالفنا، فان كانت تشكل هذه الاهداف خطوة الى الامام في المنظار العام للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فلا غبار عليها. لذا فأنا لم أنتقد علنا الحزب الشيوعي العراقي على تحالفه مع الاخوة في التيار الصدري بناء على هوية هذا التيار الدينية مع ملاحظتي الاخطاء التي رافقت مسار تشكل هذا التحالف على انقاض تحالف "تقدم".
بالمناسبة، فانا في مقالات سابقة نشرت لي على صفحات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) امتدحت تحالف الحزب الشيوعي اللبناني مع حزب الله اللبناني، بهويته الدينية، بناء على الاهداف الموضوعية التقدمية لذلك التحالف. ولم ار مثلبة في دعم محور المقاومة للمخططات الصهيوامريكية والتي من بين اطرافها ايران، بنظامها الديني، وحركة الجهاد الاسلامي في غزة الى جانب قوى المقاومة الفلسطينية الاخرى اضافة الى النظام البعثي القومي في سوريا. وفي مقالة سابقة بينت تفهمي لتحالف لينين مع حركة "ماخنو" الارهابية الاوكرانية لأنها كانت محكومة بتوازنات الحرب الاهلية في روسيا ابان الثورة البلشفية.
إذا لا اعتراض عندي على الهوية الدينية، أو اية هوية اخرى، للحليف ما دامت مبنية على اساس تحقيق اهداف تشكل خطوة الى الامام في حركة الواقع التطورية. فمقالتي اعلاه مجرد قراءة لمسار هذا التحالف واهدافه ومصداقية التحالف في تحقيق تلك الاهداف.
اما بالنسبة للتحالف "العريض" الاخير والذي اشرت اليه ناقدا في مقالتي هذه فانه لا يليق بالحزب الشيوعي العراقي وتاريخه المجيد قبل كل شيء وهو يتعارض تماما مع مبادئ الماركسية في التحالفات والتي اشرت اليها اعلاه ليس بسبب هويتها بل بسبب خطابها وممارساتها السياسية والتي تتعارض مع اهداف التحالف المنشود في حدود مرحلة تاريخية بعينها.