أعارت الأحزاب اليسارية والاشتراكية اهتماما متميزا في كفاحها السياسي الى التحالفات الوطنية باعتبارها مؤسسات سياسية وطنية قادرة على احداث تغيرات سياسية اقتصادية في الدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية.

-- وبذات المسار قدم تاريخ الدول الوطنية المعاصرة اشكالا متعددة من التحالفات السياسية الا أن تلك التحالفات الوطنية اكتنفتها صعوبات سياسية وفكرية منعتها من الاستمرار والتفاعل مع أهداف طبقاتها الاجتماعية بسبب عثرات كثيرة منها نزعة الاحتفاظ بالسلطة السياسية وما جره ذلك من اشاعة الأنظمة الاستبدادية والروح الفردية ناهيك عن تباينات الأهداف السياسية والفكرية لأحزاب التحالف في فترة المعسكرين.

-- استنادا الى ما افرزته التجربة التاريخية المنصرمة من نشوء وتفكك التحالفات الوطنية نحاول دراستها بمراحل تاريخية عامة اعتماداً على اشكال ومضامين تلك التحالفات.

أولا- ازدواجية خيار التطور الاجتماعي والتحالفات الوطنية

افرزت التجربة الوطنية التاريخية للدول الكثير من التحالفات تبعا لمهماتها التاريخية المحددة في برامجها السياسية وبهذا المنحى شهدت حركة التحرر الوطنية تحالفات سياسية بين التيارات القومية والقوى الاشتراكية ساعية الى انجاز مهمات اقتصادية وأخرى سياسية واجهت تطور الدولة الوطنية في مرحلة ازدواجية خيار التطور الاجتماعي وبهذا السياق يمكن تقسيم تلك التحالفات من حيث أشكالها وأهدافها الى شكلين رئيسين

1 -تحالفات سياسية وطنية

توالت في الدول الوطنية تحالفات سياسية كثيرة بين الأحزاب الاشتراكية والوطنية ارتكزت على العمل الوطني المشترك بين الأحزاب السياسية التقدمية بهدف إنجاز مهمات وطنية عامة تتمحور حول صيانة الدولة الوطنية وابعادها عن الهيمنة الخارجية عبر إجراءات اقتصادية - سياسية تمس نمو وتطور تشكيلتها الاجتماعية.

- سادت التحالفات الوطنية برامج سياسية مختلفة منها تطوير الدولة الوطنية ومنها مناهضة الكولونيالية الهادفة الى الهيمنة على مصائر الدول الوطنية، وبهذا السياق ظهرت تحالفات وطنية تسعى الى اسقاط الأنظمة الموالية للغرب الامبريالي وأخرى تهدف الى بناء الدولة واستقلالها الوطني، انطلاقا من توافقات عامة بين الاحزاب الوطنية تنطلق من تحديد وتنفيذ برامج وطنية عامة مشتركة. 

لقد افرزت التجربة التاريخية المنصرمة اشكالاً من التحالفات الوطنية بدت بأشكال مختلفة أهمها

أ - تحالفات سياسية معارضة

تم التحالف بين القوى الوطنية – الديمقراطية على برامج وطنية سياسية -اقتصادية عامة تسعى الى بناء الدولة الوطنية بعد تخليصها من السيطرة الأجنبية وأشارت التجربة التاريخية المنصرمة الى ان تلك التحالفات وبعد انتصار الثورات الوطنية لم تستمر لتحقيق برامجها الوطنية المشتركة وذلك ارتباطا بكثرة من العوامل أهمها سيادة القوى العسكرية في قيادة الثورات الوطنية ومنها مساعي القوى القومية الى الانفراد بالحكم وما نتج عن ذلك من سيادة نظم استبدادية مناهضة للديمقراطية السياسية.

ب-تحالفات سياسية موالية

أفرزت التجربة التاريخية تحالفات وطنية موالية للنظم السياسية الحاكمة ارتكزت على مشاركة أطراف وطنية في السلطة السياسية ضمن برامج سياسية ذات توجهات فكرية ديمقراطية أبرزها التحالفات الوطنية في اليمن الجنوبي الهادفة الى انجاز مرحلة الثورة الوطنية ــ الديمقراطية، ومنها تجربة الجبهة الوطنية والتقدمية في العراق عام 1973الهادفة الى بناء دولة وطنية تسعى الى ضمان العمل الديمقراطي المشترك للأحزاب الوطنية المتحالفة.

 -- التجربة التاريخية أكدت على ان النموذجين كليهما لم يستمرا في العمل بسبب التدخلات الخارجية والايثار بالسلطة لدى الأطراف السياسية المتنفذة والتضيق على الحلفاء وإشاعة الإرهاب على القوى اليسارية بحجج ترمي الى مواصلة الانفراد بالسلطة السياسية وقمع القوى السياسية الأخرى.

 --ان غياب الشرعية الديمقراطية في الدولة الوطنية والانفراد بالسلطة السياسية فضلا عن روح الهيمنة الفردية لدى بعض أطراف التحالف الوطني أدت الى سيادة النهوج الاستبدادية في الحكم وما نتج عنها من سيادة نظم الإرهاب المعادية لروح الشراكة الوطنية.

2 - تحالفات طبقية

شهدت فترة ازدواجية خيار التطور الاجتماعي رأسمالي – اشتراكي تحالفات طبقية تسعى الى سيادة الطبقات الاجتماعية المنتجة عبر انجاز تحولات اجتماعية – اقتصادية ذات سمات ديمقراطية أهمها ما شهدته – تجربة اليمن الجنوبي الديمقراطية - الا أن تلك التحالفات الطبقية كانت نادرة بسبب سيادة النظم الديكتاتورية في الدول الوطنية وعدائها للقوى اليسارية والاشتراكية فضلا عن غياب الديمقراطية في ممارستها السياسية.

ثانياً - وحدانية التطور الرأسمالي والتحالفات الوطنية

تمتاز المرحلة الجديدة من تطور الرأسمالية بكثرة من القضايا التي تساعد على بناء تحالفات وطنية تسعى الى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية أراها في المحددات التالية --

1-- تهدف الرأسمالية المعولمة الى تهميش الدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية بتكتلاتها الدولية وما يشترطه ذلك من وحدة العمل الوطني - الديموقراطي المناهض للهيمنة الأجنبية.

2 – تنامي السيادة السياسية للطبقات الفرعية في السلطة السياسية وتشكيلاتها الوطنية انطلاقاً من اعتبارها الحليف الداخلي الضامن لمصالح الرأسمالية المعولمة في الإلحاق والتبعية.

3 -- سيادة الطبقات الطفيلية الضامنة لمصالح الرأسمالية المعولمة تسهم في تفكيك وتهميش الطبقات الاجتماعية الفاعلة الامر الذي يدعو تلك الطبقات الى الوحدة والتحالف في مكافحة عمليات الالحاق والتخريب.

 4 - الخراب الاجتماعي والطبقي في التشكيلات الاجتماعية الوطنية أنتج البطالة والحرمان لدى الطبقات الكادحة.

5 – البطالة والتهميش يشترطان على القوى والطبقات الاجتماعية المناهضة للتبعية والالحاق احداث تغيرات اجتماعية هادفة الى تشريع قوانين لصالح المواطنين وشغيلة البلاد.

5 –الكفاح الوطني الديمقراطي

المناهض للتبعية والتهميش يستند على المساواة السياسية وسيادة الشرعية الديمقراطية في الحكم وما يعنيه ذلك من الغاء عملية الانفراد بالدولة وسلطتها السياسية.

-- الموضوعات المشار اليها تتطلب اكسابها ملموسية واقعية، عليه نحاول دراستها في الدولة العراقية ارتباطا بطبيعة نظامها السياسي.

رابعا - التشكيلة العراقية والطائفية السياسية

قبل الشروع بتحديد مهمات التحالفات السياسية الممكنة في الدولة العراقية لابد من تحديد السمات الفعلية للتشكيلة الاجتماعية العراقية التي يتميز بناؤها في الظروف التاريخية الراهنة بأغلفة طائفية مهدت لها نهوج النظام الاستبدادي السابق باعتبارها – الطائفية السياسية - غطاء أيديولوجياً لسيادة ونهج الطبقات الفرعية الهادفة الى تفكيك التشكيلة الاجتماعية وطبقاتها الاجتماعية عبر انتهاج العنف السافر ضد أحزابها السياسية وقواها الاجتماعية.

-- بهذا المنحى أفرز الغزو الأمريكي للعراق نتائج اجتماعية - سياسية أبرزها انبعاث وسيادة الطائفية السياسية وأيديولوجيتها الانعزالية في الحياة السياسية -- الاقتصادية الامر الذي شرع الأبواب امام تفكك الطبقات الاجتماعية المنتجة والراغبة في التطور الاجتماعي.  

-- تلازم تفكيك التشكيلات الاجتماعية الوطنية وإضعاف أحزابها السياسية المطالبة بالحرية والسيادة الوطنية المناهضة لميول الرأسمالية المعولمة المتمثلة في الإلحاق والتهميش. 

--التحالفات الموضوعية بين الطائفية السياسية والرأسمال المعولم تهدف الى تخريب الدولة الوطنية وتفكيك تشكيلتها الوطنية وتهميش طبقاتها الاجتماعية وما ينتج عن ذلك من انحسار الدور الفاعل لحركة الأحزاب اليسارية والديمقراطية بسبب تبعثر طبقاتها الوطنية المناهضة للهيمنة الأجنبية.

خامساً-التحالفات الوطنية ودورها في مناهضة التبعية والتهميش

-- تفكك التشكيلة الاجتماعية العراقية وطبقاتها الاجتماعية يتطلب بناء دولة وطنية جديدة تسترشد بتحالفات وطنية ديمقراطية تنبع من مكافحة أسباب تشظي التشكيلة العرقية وبعثرة قواها الاجتماعية المناهضة للتبعية والتهميش. وبهذا الإطار تسعي قوى اليسار الاشتراكي الى بناء تحالفات وطنية مع قوى ديمقراطية واخرى دينية تحددها القواسم المشتركة الشاملة المرتكزة على الموضوعات الفكرية - السياسية التي أراها في الموضوعات التالية-

1 – مناهضة ميول التبعية والهيمنة العاملة على اعاقة تطور الدولة الوطنية وتنميتها الاقتصادية التي تسعى لها الرأسمالية المعولمة وما يحمله ذلك من تفكك وبعثرة القوى الوطنية الديمقراطية الهادفة لمكافحة التخريب الرأسمالي.

2 –تأكيد المشتركات السياسية بين القوى الوطنية الديمقراطية والأحزاب الدينية عبر بناء تحالفات سياسية تسعى الى بناء الدولة الوطنية المستقلة وتعزيز انفكاكها عن الهيمنة الخارجية.

3 – بناء تحالفات سياسية - تهدف الى بناء الدولة ونظامها السياسي على أساس الديمقراطية وموازنة المصالح الطبقية عبر بناء شبكة الضمانات الاجتماعية.

4 – تستند التحالفات الوطنية على بناء الدولة الوطنية وشرعيتها الديمقراطية الضامنة للتداول السلمي للسلطة السياسية وتنفيذ برامجها الاقتصادية - الاجتماعية الضامنة لحقوق الطبقات الاجتماعية الكادحة.

5 – ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة السياسية باعتباره أحد المرتكزات الأساسية لبناء الدولة الديمقراطية وسيادة العدالة السياسية -- الاجتماعية في تشكيلتها الاجتماعية.

6 – مناهضة الطبقات الفرعية الساندة للوافد الأجنبي عبر اعتماد التنمية الوطنية المصانة بالديمقراطية السياسية.

7 – موازنة المصالح القوميات المتآخية في الدولة الاتحادية بعد اعتماد الفدرالية في بناء الدولة الوطنية باعتباره الشكل الضامن للموازنة القومية.

أخيرا لابد من التأكيد على ان الدالات المشار إليها تشكل أدوات سياسية في الكفاح الوطني الديمقراطي المناهض للتبعية والتهميش والرافض للموازنة الطائفية التي تدافع عنها الطائفية السياسية المتحالفة والوافد الخارجي.

عرض مقالات: