طريق الشعب

بمناسبة صدور مختارات من نصوصها باللغة العربية، حملت عنوان "عن الثورة والحزب وأفول الرأسمالية" (ترجمة: أحمد فاروق، 2016)، نظّمت مؤسسة "روزا لوكسمبورغ " الألمانية في مقرّها في تونس العاصمة في حينه  ندوة شارك فيها اكاديميون تونسيون، حول راهنية فكر روزا لوكسمبورغ، وتقبله عربيا.

في كلمتها، تناولت أستاذة الفلسفة في الجامعة التونسية زينب بن سعيد، فكر لوكسمبورغ انطلاقاً من اختلافاتها مع مفكري عصرها اليساريين مثل لينين وتروتسكي وبرنشتاين.

وتشير بن سعيد إلى أن لوكسمبورغ كانت تنطلق من أن السياسة لا تعني الحكم والقيادة، بل هي فضاء للصدام، وهذه رؤية جعلتها "ثورية وواقعية في آن". فالجانب الثوري يتجلّى في القدرة على إعادة النظر في المفاهيم والمواقف التي تطبّقها على الواقع، كما هو الحال بالنسبة إلى موقفها من النقابات في سنوات 1898 -1905. أما الجانب الواقعي فيظهر في كونها كانت تقول بأن "الرأسمالية لن تنتهي قريباً" وكانت تقدّم رؤية أبعد من السياقات الغربية، حيث اهتمت بانعكاساتها في مجالات غير أوروبية. فالرأسمالية بحسبها يمكن أن تتطوّر دون أن تحدث تقدماً في المجتمعات، وهو ما حصل ويحصل بأشكال مختلفة منذ عقود الاستعمار إلى اليوم.

كما تلتقط بن سعيد مقولة للوكسمبورغ ترى فيها أن توسع الرأسمالية تنتج عنه انقسامات إثنية في المناطق التي تحدث فيها، وكأنها تتحدّث عن المنطقة العربية اليوم.

وبشأن السجالات التي خاضتها لوكسمبورغ، تتطّرق بن سعيد إلى موقفها من مسألة الحزب، حيث قالت إن "التنظيم يمكن أن يكون نتاجاً للصراع وليس بالضرورة سابقاً عليه".

تشير بن سعيد إلى أن هذه الأطروحة لم تجد في بداية القرن الماضي تجربة عملية تدعمها، ولكن نموذج الثورة في تونس كان قريباً من هذه الفكرة، فتطوّر الصراع قد تبلور خارج أي تنظيم. ومن هذه المواقف تخلص بن سعيد في نهاية حديثها إلى أن لوكسمبورغ كانت في مسيرتها الفكرية أقرب إلى ماركس الشاب.

والقى المحاضرة الثانية الباحث في الاقتصاد حسين الرحيلي، الذي أكّد أن قدرة لوكسمبورغ على مجابهة زعماء الحركات اليسارية لعصرها، وتفوّقها النظري عليهم، كان بسبب تعمّقها في المسألة الاقتصادية (مجال اختصاصها).

ويستند الرحيلي إلى مقال لروزا لوكسمبورغ نُشر في 1903 بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل ماركس، يتضمّن ضمن أمور أخرىٍ موقفها من النضال البرلماني، الذي تعتبرانه يقدّم إصلاحات لا تخيف البورجوازية، وبالتالي يتحوّل إلى أداة للتلاعب بالنضالات الشعبية. ومن ثمّ نادت بواقعية سياسية للبروليتاريا "لا تضع أهدافاً ليست في متناولها كي لا تحبطها الخيبات".

ويفصّل الباحث التونسي أبرز اشتغالات لوكسمبورغ الاقتصادية، وهو نظرية التراكم مرفقاً ذلك بتطبيقات لأفكارها على الراهن، ليؤكد أنه لم يتغيّر الشيء الكثير منذ مئة عام، لأن الرأسمالية محكومة بالتراكم.

وترى لوكسمبورغ أن التراكم يقتضي تطوير قوّة العمل، ولكن لكي لا تتحوّل هذه القوة ضد الرأسمالية فهي تسعى إلى تحقيق الاحتياجات من دون تحقيق الرغبات لإجبار العمال على العودة إلى مواقع استغلالهم. من جهة أخرى، يحتاج التراكم الى بيع المنتجات بشكل متنامٍ من خلال توسيع حاجات المجتمع وتدمير بُناته كي يسهل استغلال قوة العمل فيها.

وكان صالح مصباح صاحب المحاضرة الأخيرة، والتي بدأها بملاحظة تتعلّق بمساهمته سابقاً في مشروع بحثيّ حول التقبّل العربي لروزا لوكسمبورغ. ومن خلال ذلك استنتج أن وضعها عربياً يشبه وضعها في مجمل اليسار العالمي حيث حُكم عليها بـ "الإخفاء، أو بعبارة أخرى بالغبن".

يشير مصباح إلى أن ترجمات لوكسمبورغ إلى العربية في ستينيات القرن الماضي كانت تهدف إلى استعمال حججها ضد تيارات يسارية ذهبت إلى "النزعة الإصلاحية" التي قاومتها هي ضمن سجالها مع برنشتاين. كذلك جرى استجلاب نص روزا لضرب التيارات القومية أو استخدام موضوعتها التي تركز على البعد الطبقي للحركة النسوية، وفي المحصلة ظلّت نصوصها محكومة باستعمالات سيئة.

ويلاحظ مصباح أن الإنترنت منح لأعمال لوكسمبورغ حياة جديدة، خصوصاً أن الترجمات السابقة اندثرت في ظل محدودية طبعاتها وإغلاق أغلب دور النشر التي أصدرتها. لكنه في المقابل يشير إلى أن قرّاء اليوم هم أقرب إلى قراءة الراهن، وخصوصاً ظاهرة العولمة، على ضوء كتاباتها، خصوصاً وأننا نلتقط منها فكرة أن العولمة بدأت في القرن الخامس عشر، وأن الرأسمالية في حاجة دائمة للتوسّع، وبالتالي لمجال جديد لتدميره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*-بتصرف عن مجلة العربي الجديد تقرير بقلم شوقي بن حسن في16 تشرين الأول 2016