الاحتكار (monopoly) هو قبل كل شيء شركة أو اتحاد أو على الاقل اتفاق يتم من جانب كبار الرأسماليين الذين يركزون في أيديهم قدرا من الرأسمال والانتاج في الحدود التي تسمح للتجمع المعني بأن يضمن لنفسه قدرا منتظما من الأرباح القصوى. ويعني ذلك أن الاحتكار (نظريا) هو الحالة التي يكون السوق فيها عبارة عن شركة واحدة فقط تؤمن منتج أو خدمة (منتجات أو خدمات) إلى جميع المستهلكين. بمعنى آخر، هذه الشركة تكون مسيطرة على كامل السوق ولهذا تسمى الشركة حينها بالمحتكِرة. إذن السوق يسمى محتَكر، الشركة محتكِرة والحالة احتكار. في هذه الحالة، تستطيع الشركة أن تفرض الأسعار كيفما تشاء لأنه لا توجد شركات أخرى لمنافستها في هذا السوق. كل الشركات تسعى للوصول إلى هذه المرحلة لكي تتحكم بالمنتج وبسعره وبالتالي كي تزيد من أرباحها ولكن الامر يرتبط في نهاية المطاف بتناسبات القوى السائدة في الفرع او القطاع المحدد.

وترجع امكانية قيام سيطرة الاحتكارات عند نهاية القرن التاسع عشر الى ان تركيز الإنتاج الذي كان في ذلك الوقت قد وصل الى مستوى عال حتى اصبح من الممكن بل والمحتم نشوء الاحتكارات. وعندئذ اصبحت قدرات اكبر رؤوس الأموال الفردية أقل من ان تتلاءم مع المقاييس الجديدة الهائلة للوحدات والمجمعات الانتاجية. وقد أصبح ظهور ونمو المؤسسات الكبرى أمرا ممكنا بقيام الاتحادات الاحتكارية لرؤوس الاموال الضخمة، تلك الاتحادات التي يتركز في ايدي كل منها قسم كبير من الرأسمال الاجمالي الموظف في القطاع المعني، والتي وسعت الى مدى بعيد نطاق الملكية الراسمالية. وهكذا، في مرحلة معينة من تطور الملكية الرأسمالية أصبح ظهور شكلها الاحتكاري ضرورة موضوعية، ورد فعل من جانب الرأسمالية على ما خلقه تطور القوى المنتجة من اتجاه موضوعي نحو تشريك وسائل الانتاج وبالتالي تصفية الملكية الخاصة لها.

وفي الاقتصاد الرأسمالي المعاصر يلاحظ هيمنة عنصرين: الاحتكارات والنشاط الاقتصادي للدولة، وكل منها يحتاج الى مزيد من التوضيح.

عندما يستخدم مصطلح الرأسمالية الاحتكارية فلا يعني ذلك ان الاحتكار موجود في كل مجالات الحياة في الاقتصاد الراسمالي وله – أي الاحتكار- الحرية الكاملة في تحديد حجم الإنتاج (والعرض) وأسعار السلع المنتجة أو الارباح. وهذه الملاحظات تتطلب التأكيد على انه لم تظهر لحد الآن في أي بلد من البلدان الراسمالية المتطورة هيمنة مطلقة للاحتكار على كافة مجالات الحياة. ولكن بالمقابل لا بد من التأكيد على أن متابعة سنن تطور الاقتصاد الرأسمالي تتيح تأشير تعاظم متصاعد لدور الاحتكارات في الحياة الاقتصادية. وكامثلة على ذلك يمكن تسجيل ظهور اشكال احتكارية مختلفة في الاقتصاد الرأسمالي المعاصر مثل احتكار القلة Oligopol والاحتكار الثنائي Duopol وهذه الاشكال تنشط على الصعيد المحلي والصعيد الدولي.

وفي حالة التطور “الموجه” للاقتصاد الرأسمالي يلاحظ ظهور الاحتكار في حقل محدد للانتاج. ويقصد هنا بالاحتكار الرأسمالي هو ان المؤسسات الرأسمالية الكبيرة (او عدة مؤسسات منها) تسيطر أو تهيمن بالكامل وبشكل تدريجي على إنتاج (و/أو تبادل) سلع أو خدمات معينة بما يتيح لتلك المؤسسات تحديد الاسعار التي تضمن لها تحقيقي أقصى معدل للربح.

طوال الطور الاول من وجود الرأسمالية الصناعية تميزت بوجود عدد كبير من المنشات المستقلة في كل فرع من الفروع الصناعية. ولم يكن بوسع أية منشأة ان تسيطر على السوق. فكانت كل واحدة تحاول ان تبيع بثمن اقل لتتمكن من تصريف سلعها. غير ان هذا الوضع تبدل عندما أدت عملية تركز وتمركز رأس المال الى انه لم يبق في جملة من الفروع الصناعية سوى عدد محدود من المنشات تستحود على الجزء الاعظم من الإنتاج، فاصبح بإمكان هذه المنشآت أن تتحد لتحاول الهيمنة على السوق، أي الكف عن خفض اسعار المبيعات، وذلك بتقاسم منافذ التصريف بينها حسب ميزان القوى السائد. وقد لعبت التطورات التكنولوجية الهامة التي حصلت حينذاك الى أن تشهد المنافسة الحرة الرأسمالية الانحدار لصالح صعود الاحتكارات.

عرض مقالات: