في بداية التزامي في حزب الأمل والجد والعمل الحزب الشيوعي العراقي حزب الجمال والرقي عملت كمتطوعة في بدايات صدور جريدة طريق الشعب ومنذ العدد صفر.
عملت في بداية الأمر في الارشيف الى أن أكملت دورة اولية (الزنك غراف) في أحد المطابع الاهلية وعن طريق رفيقي وصديق لي والعائلة؛ راضي عطية وهو من عمال المطابع (المخضرمين)، علمت بعد عودتي الى العراق حين سقط الصنم انه قد استشهد مع الرفيق الصديق الرائع وعامل المداورة صباح جمعة لروحهم السلام والمجد.
والشهيد راضي عطية كان يعمل في دار الحرية وثم في مطبعة أهلية وبها تعلمت أوليات بسيطة في مجال الطباعة والإخراج والتصوير، وكانت بتكليف من الرفاق بالحزب لاحتياجهم لعمال طباعة، ومن هنا بدأ المشوار ورحلة العمر الجميلة رغم صعوبتها.
كان عملي في بداية الأمر لعدة أسابيع في أرشيف طريق الشعب وكان الرفيق المرحوم والكادر الشيوعي والعمالي حميد بخش (أبو زكي) يشرف على الأرشيف، ومن أرشيف طريق الشعب خرج الكثير من الصحفيين والصحفيات ومنهن صديقات وزميلات في العمل، الرائعة سعاد الجزائري وكذلك العزيزة أم علي سهام الضاهر إضافة إلى الشهيد هادي صالح الذي كان في الأرشيف وكان قد خرج من السجن حديثا.
أسابيع ثلاثة قضيتها في الأرشيف تعلمت منها الكثير وكانت مقدمة لعملي في المطبعة وانخرطت في جدية العمل الذي لم يكن يخلو من بعض المنغصات وساعات الفرح والمرح، كان معي في القسم الرفيق الشهيد سامي العتابي الذي كان يشكل الفرح والبهجة داخل قسم الإخراج والتصوير وكنا نعمل كخلية نحل لا نهدأ، نبقى إلى ساعات متأخرة من الليل حتى تصل آخر أخبار الصفحة الأولى بعدها انتقل هادي إلى المطبعة كونه بالأساس عامل ميكانيك وبدأ يعمل ضمن طاقم ماكينة الطبع الكبيرة الرول وكان يشرف عليها خبير ألماني.
أتقن هادي العمل وتغير اختصاصه من مصلح إلى مساعد طباع، تعرفنا على بعضنا بعلاقة صداقة وزمالة إلى أن توطدت هذه العلاقة وأصبحنا متحابين، ومن حسن الصدف أن الحزب انتدبنا معا في دورة لتعلم الطباعة إلى هنغاريا وقد انجزناها وعدنا إلى العمل بالمطبعة، واستمرت هذه العلاقة وتزوجنا وانجبنا فرات والتي "شاركتنا" عملنا منذ يوم الأربعين حيث لا دور حضانة، تبقى معنا حتى الساعات المتأخرة من الليل ولم يشكل ذلك أي ضغط علينا، كنا سعداء ونحن في رحاب هذا الكيان الراقي ومجموعة من الشيوعيين من قادة وعمال نتقاسم المعرفة والعمل والنضال ونتعلم الخبرة والانتماء ونكران الذات من قادة حقيقيين، تأثرنا بهم ورفدوا حياتنا بخبرتهم النضالية، وأذكر هنا الرفيق المرحوم أبو زكي وقد درست على يده في دورة حزبية في بناء الحزب ومن هو الشيوعي، وبكل بساطة كنت احرص على الحضور والمتابعة وقررت أن أكون شيوعية حسب ما تحدث به الرفيق أبو زكي. وانتقل تنظيمي من الثورة إلى الجريدة حيث كنت في بداية انتمائي في منظمة الثورة التي عرفت أغلب رفاقها ورفيقاتها وكنا كخلية نحل.
فقدت حبيبي ورفيق دربي " ابو فرات" الشهيد هادي الذي شكلنا انا وهو فريق عمل متميز بشهادة الكثير، وقد زادني فقدانه قوة وانتماء لقضيتنا الطبقية التي راح من أجلها وبالرغم من أني أفتقده ولكني أمضي بصبر في طريقي الشيوعي الذي لا خيار غيره.
وطيلة فترة العمل بالمطبعة مع رفاق ورفيقات غيبهم البعث المقبور ومنهم الشهيد سامي العتابي الذي لا تغيب الابتسامة والنكتة عن محياه، ورفيقي عامل المداورة صباح جمعة الذي علمت بعد السقوط انه استشهد مع علي الجواهري والشهيدة الرائعة كوثر والشهيد راضي عطية وآخرين كثر ومن الأحياء العزيز أبو أوس علي مالية وزوجته نادية التي تم اعتقالها وعاملة الاستعلامات سلامة والعزيزة أم نوار والعزيز ليث الحمداني والكثير منهم لهم كل التحيات الطيبة ورغم صعوبات العمل القاسية وبسبب قرب المطبعة من الأمن العامة وما نتعرض له نحن الرفيقات في طريقنا إلى العمل وعند مغادرتنا، إلا أن العمل كان ممتعا ولا يخلو من لحظات رائعة. وأذكر في يوم زيارة أحد الوفود من جمهورية روسيا جاءنا خبر وقد طلب مني الرفيق المسؤول عن الاخبار أن اسلمه إلى عامل الاينو تيب، يقول الخبر بصيغته الرسمية استقبل الرئيس أحمد حسن البكر الضيف الكريم وتناولا التمر واللبن، ولكن عامل الاينو لم ينتبه وصار الخبر كالتالي (استقبل الرئيس أحمد حسن البكر وقد تناولت التمر والتبن) وفي الصباح قامت قائمة نعيم حداد حيث كان هو منسق العلاقة الجبهوية مع البعث وقد تم جمعنا نحن العمال واتخذ قرار بقطع راتبنا ثلاثة أيام، ولا أنسى ضحكة الشهيد سامي العتابي تردون تخربون الجبهة حيل وياكم. ولا أنسى من ذكر الرفيقين عاملي الحراسة أبو كريم الذي أتى به العملاق أبو كاطع من ريف الحي ليعمل بالحراسة، وأبو كريم أتى بعديله أبو شمخي وكانا رغم بساطتهما شيوعيين بامتياز وبالفطرة، وكنا حين يجتمع بنا رفاقنا من قادة الحزب ومنهم المرحوم ثابت حبيب العاني (أبو حسان) لروحه طيب الذكر، كان ابو شمخي ينتظر ان يأذن له ابو اكريم بالحديث من منطلق العين لا تعلو على الحاجب، ولا زلت أتذكر كلمات أبو أكريم حين أخذه شرطي الأمن العام وطلب منه سب لينين وكان رده.. الزلمة خير وابن اجاويد واحنا فلح ما نشتم الاجاويد. لذكره طيب الذكر ولأرواحهم السلام عمال وعاملات دار الرواد.
هذا جزء بسيط من هذه الرحلة التي أعتز بها ومن عرفتهم فيها وحزبي العظيم الذي أعطاني الشهيد هادي صالح.