عام 2025، أبى إلا ان يكلل مواسمه بأخبار محزنة وهذه المرة يختطف منا وردة حمراء من ورود حزبنا المتلئلة دوما. ففي يوم الاربعاء (07/05/2025) غادرنا في رحلته الأبدية الرفيق العزيز جليل حسون عاصي (أبو نغم) ... في هذا اليوم توقف قلب هذا المناضل الكبير والشيوعي الاصيل عن الخفقان إثر مرض عضال.

 في منطقة الغراف المسكونة بحب الشيوعية وُلِد الرفيق جليل حسون عاصي (أبو نغم). وفي سيرته الذاتية التي صدرت في كتابه الموسوم: "البيت، السياج، الطريق - سيرة ذاتية" يستعرض (أبو نغم) طفولته الريفية في منطقة "أم الشعير" بين قضاء الحي وناحية الموفقية (محيرجة سابقا)، وانتقاله الى مدينة الكوت للدراسة في المتوسطة، ثم تعرفه على الحزب في فترة دراسته. وبعد ذلك تخرجه وتعيينه معلما في قضاء الحي. وانتقاله الى قضاء الشطرة، فالناصرية، والعمارة، والبصرة، ثم جنوب العراق وحتى كركوك. لقد عرف الراحل طريقه الى الحزب مبكرا، لأنه كان يرى فيه الطريق الوحيد لتحريره من الاضطهاد والحرمان والفقر.

 كانت حياة العزيز (أبا نغم)، على امتدادها الكبير والتي قاربت التسعة عقود درسا كبيرا لأجيال عديدة من رفاقه وتلامذته وأحبته، وعزاؤنا ان الفقيد الكبير ترك لنا ولهؤلاء، وغيرهم أيضا وهم كُثر، إرثا كبيرا من المواقف الأصيلة والإلفة الطاغية والذكريات الطيبة التي ستضل تتحدث عنه، وتذكر به، وتبقيه حياً دائم الحضور بيننا، هذا اضافة الى السلوك الإنساني الرفيع والروح الشفيفة والتي لا تساوم على القيم والمبادئ الكبرى التي تربى عليها رفيقنا جليل.

 مرة قال المفكر المصري الراحل الكبير محمود أمين العالم ما معناه أن الذين يحتفظون بشموخ القامة الإنسانية في وجه العواصف والمحن، وينسجون الدفء والطمأنينة والاستمرار المضيء في تاريخ الإنسان، بتواضعهم ونزيفهم الصامت هؤلاء هم صناع الحياة بحق، بهم يتحرك المجتمع متطلعا إلى العدالة والسعادة والمحبة والحرية والسلام. ومن المؤكد ان هذا الوصف ينطبق أيضا على فقيدنا الغالي جليل حسون. فهو أحد القامات الأصيلة التي لم تنحن أمام العواصف والمحن ولم تساوم رغم كل الصعوبات والاخفاقات في دروب النضال.     

  لقد ارتبط العزيز (أبو نغم) بالنضال الوطني والديمقراطي والسياسي مبكرا ومنذ ما يقارب السبعة عقود، مدافعا عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومُثل الاشتراكية ومن اجل عراق ديمقراطي حر وسيد نفسه.

في كل المحطات التي عمل فيها الفقيد (أبو نغم) كان موضع احترام وتقدير وثقة رفاقه وأصدقائه ومحبيه، وواصل عطاءه رغم كل الظروف الصعبة وتعقيداتها، وبقي لصيقا بحزبه. وفي كل تلك المواقع كان العزيز (أبو نغم) يحملُ الحزبَ في قلبه، حالما دوما بوطن مفعم بالحياة والأمل والمستقبل. وقد كانت حياتهُ على امتدادها الواسع درسا كبيرا وملهما لأجيالٍ عديدةٍ من رفاقه ورفيقاته.

 لقد كان رفيقنا (أبو نغم) متسلحا بالوفاء وبالطيبة والبساطة والمحبة الغامرة، المقرونة بالثقة التي لا تتزعزع بقضايا شعبنا الأساسية وبانتصاره الأكيد، كل ذلك أهّلهُ لأن يكون شخصية اجتماعية وحزبية مرموقة. 

 أيها العزيز الذي رحلت عنا في صباح اربعاء حزين.... لك المجد في ذكراك العطرة... ولأحبتك جمال روحك وطيبة قلبك العليل. في ذكراك نحمل لك باقة ورد حمراء ونوقد شمعة ونسمع في وداعك مطر قادم وربيع آت.

 حمامة تحمل ريحها وتسافر الى مدن وأرياف العراف وغيرها من المدن والقصبات والاهوار التي عملت فيها (أبا نغم) معلما ومناضلا علمت الفلاحين والفقراء والكادحين ابجدية النضال والوعي الطبقي والوطني والاممي، تحمل لها خبر وفاتك، ومدينتك الحالية الصويرة ما زالت تنسج اولى خيوط الفجر ..... تغط في نوم عميق على خاصرة العين التي غطتها رموشك.

أيها العزيز (أبو نغم) امهلنا نسكب احزان وفراق من نحب.... نودعك بلوعة.... يغسل دموع عيوننا قطرات مطر سافرت من غير موعدها، راحلة الى حيث تلتقي من تحب.

لن ننساك ايها الذاهب في ربيع البياض، فأنت من سيفاجئنا خارج مساءاتنا الموحشة بدونك.

 ثمة حلم.... ثمة صرخة تكسر ضلوعنا حزنا على رحيلك المفاجئ، ايها العزيز (أبا نغم)، تكبر فينا صديقا كبيرا، رفيقا عزيزا، كما يكبر فينا الوطن والحزب كل يوم.

 العزيز (أبا نغم).. لقد تركت لنا تراثاً نضاليا ثريا سيظل يتحدث عنك، ويذكر بك، ويبقيك حياً دائم الحضور بيننا، فأنت واحدا من تلك القامات المسكونة بـ "جنون" الحرية والعدالة والمساواة والكرامة والاشتراكية.

نَم أيها العم العزيز والصديق الكبير والرفيق المعطاء قرير العين مطمئنا فستنعم بالذكر الطيب دوما وستبقى حيا من خلال أعمالك ومواقفك ونضالاتك في صفوف حزبك حتى آخر يوم من حياتك، فكنتَ مثالا يُلهِم ويُقتدى، خلقا وتواضعا ودأبا وإبداعا وشجاعا في قول الحقيقة والدفاع الثابت عنها.

 أيها الرفيق الكبير (أبو نغم) وداعا، وسلاما على نخيلِ العراق وشطيه وجباله الشامخه، وسلاما على الوطن الذي أنجبَك ولم يبارحك لحظة! لك مجد الشيوعي الاصيل والوطني الصادق والأممي الثابت وذكراه النبيلة.

ختاما، خالص العزاء للعائلة الكريمة ولكل احبة الفقيد الراحل العم جليل ورفاقه مقرونة بالصبر على هذا المصاب الجلل وبكل التضامن والتقدير، لذكرى الراحل الكبير الذي حفظ الوطن والحزب في قلبه العليل ولم يساوم.

8/5/2025

عرض مقالات: