سبق هجوم الإتحاد الوطني الكردستاني بفترة قصيرة هجوم حكومي بواسطة المدفعية وكانت من عيار 120 ملم كما شخصها خبراء المكتب العسكري للحزب الشيوعي العراقي، وكان هذا الهجوم على محيط بشت آشان وعلى بعض المواقع العسكرية لم يسفر عن خسائر مادية، وكانت هناك تحذيرات من وقوع هجوم عسكري حكومي كبير عند حلول الربيع  ينطلق من القمة المخروطية المقابلة للقاعدة ، ولكن هجوم الأول والثاني من آيار  كان من الإتحاد الوطني الكردستاني وبقيادة نوشيروان مصطفى أحد قادتهم على مقرات الحزب الشيوعي العراقي في بشت آشان التي جرى وصفها في الجزء الثامن من هذه السلسلة، فقاتل الرفاق المدافعون عنها ببسالة قل نظيرها رغم الفارق في العدة والعتاد والاستعداد، وكانت نتيجة المعركة لصالح حقد المهاجمين، فوقع بعض الرفاق الشيوعيين في الأسر وتم إعدامهم ومنهم الشهيدة  أحلام ( عميدة عذبي) التي قطعوا إصبعها بعد استشهادها للحصول على خاتم خطوبتها، وفقد الحزب عددا من كوادره الذين كانوا معدين ليكونوا في قوام قيادة الحزب في المؤتمر القادم منهم أبو سمير ( عبد الحسين ) ابو ليلى

 ( كاظم طوفان) وابو ليلى شقيق الرفيقة أم إيمان ( ثمينة ) والرفيق محمد هادي ( ابو طارق) الذين استشهدوا ببسالة ورفعة، والعشرات غيرهم منهم الشهيد المهندس عمار الذي استشهد مع إذاعة الحزب صوت الشعب العراقي، وكان اول شهيد في هذا الهجوم هو الفنان المسرحي شهيد عبد الرضا( ابو يحيى) وكان هناك عدد آخر من الرفيقات والرفاق الأسرى لدى الإتحاد الوطني منهم الرفيق الراحل المسرحي لطيف حسن ( أبو واثق) والرفيقة أم آسوس والرفيق عمار والرفيق أبو شاكر الرفيق المحاسب في المالية  المركزية  وغيرهم، وهناك مجموعة الرفيق كريم أحمد ( ابو سليم ) والرفيق ابو شوان وغيرهم الذين كانت إذاعة جلال الطالباني تتفاخر بأعدادهم وتعلن الاحتفال بالانتصار على فلول الغرباء عن كردستان ( وتعني حزبنا الشيوعي العراقي) وتعلن بكل صفاقة ووقاحة أن على الشيوعيين العراقيين مغادرة كردستان والذهاب للمناطق العربية للنضال ضد حكم حزب البعث.

 ولكي يحافظ الحزب على كيانه وعلى أعضائه صار إلى التثقيف، إن فقد  المقر رغم فداحة خسارته الا أن من المهم الآن لملمة الجراح والحفاظ على الحزب ورفاقه ودراسة هذه التجربة المريرة ، فكان قرار المكتب العسكري للحزب الانسحاب من بشت آشان عبر  خط الانسحاب الذي لانعرف أسراره ولا تضاريسه  وبدأت جموع الرفاق بالتوجه إلى خط الانسحاب الموعود باتجاه مقر الإقليم صعودا إلى نقطة حيث كان الرفيق ابو عامل قائد قوات الحزب الشيوعي العراقي هو الذي يقود ويوجه الجموع   المنسحبة بالاعتماد على أحد القرويين الذي هو الوحيد الذي يعرف طريق خط الانسحاب تساعده الكلبة آنو التي رافقت المجموعة التي انسحبت الليلة الماضية وكذلك الكلب سور، ونحن نسير في طريق تغطيه الثلوج  وعلى ارتفاع شاهق جيء الينا بطفل ملفوف بمعطف من الجوخ وزنه يفوق وزن الطفل بمرات عديدة، وتم الإعلان إن حمل هذا الطفل واجب علينا نظرا لكون ابيه  مفقود في القتال، فحملته لفترة ثم سلمته بعد ذلك إلى الفقيد الرفيق أبو بدر

 ( علي جاسم شبيب ) الرفيق الروائي والصحفي، وهكذا يتم تسليم الطفل من رفيق لآخر، ثم وصلنا إلى قطع صخري جزء منه مغطى بالثلوج، و بعد استراحة قليلة أعلن الدليل إن علينا تسلق هذا القطع لمواصلة السير، لقد كان منظرنا للناظر ونحن نتسلق من ألأسفل أشبه بخيط سير يحرص فيه كل  واحد على تتبع خطوات من سبقه وهكذا انتظم سيرنا وبلغنا قمة القطع بشق الأنفس، لنجد

  تضاريس جديدة في انتظارنا، في كل هذه المواقف الرهيبة وفي ظل الحزن المخيم تبرز روح النكتة والفكاهة لدى صناعها فنسمع رفيقا يقول (هسه إعرفت ليش اليشرب يكولون عليه   مقندل). ووصلنا إلى منحدر تغطيه الثلوج فقام الرفيق فاضل الإعلام بمساعدة الرفيقة الراحلة أم خولة على التزلج وهو معها فنجحت المبادرة وجربها الكثير، ونحن نسير وسط الثلوج وصلنا إلى مجرى مائي عذب وبارد تمت فيه الاستراحة. وقبل أن تتحرك المجموعة استدعاني الرفيقان أبو عامل وأبو عباس (مهدي عبد الكريم) وكلفاني بالبقاء في هذا المكان لاستقبال الرفاق الذين لم يتمكنوا من المجيء ضمن هذه المجموعة الكبيرة، وكان معي الرفيق الشهيد الدكتور ابو ظفر الذي استشهد مع مفرزة الطريق والرفيق ابو الصوف والرفيق حمه رنجاو وآخرون عذرا لأني نسيت أسمائهم.

كانت مهمتنا استقبال الرفاق الذين يبحثون عن الحزب ورفاقه. رتبنا مكاننا وعملنا ساترا من الصخور المتوفرة بكثرة وأشعلنا النار، وتحركت المجموعة وبقينا نراقب الطريق فرأينا من بعيد رفاقا نعرفهم فنزلت إليهم وأنا رافعا يدي وعرفتهم بنفسي وبالرفاق الذين معي فأخبروني بأن لديهم شهيد تركوه في أعلى الجبل فذهب الرفيق ابو ظفر ورنجاو وأبو الصوف إلى حيث الرفيق فوجدوه قد فارق الحياة، فجلبوا جوازه ومبلغ دينار ودفنوه هناك وهو شهيد لقبه الصباغ من أقرباء الرفيق أبو كسرى.

كان هناك رفيق يأتي الينا صباحا يجلب قليلا من الأكل ويأخذ الرفاق القادمين الجدد، وفي مرة أرسلت الينا مؤونة ولكن البغل الذي يحملها  سقط وإياها في واد عميق واستمرت مهمتنا هذه والتي أثمرت بالعثور على مجموعة من الرفاق اجترحوا المآثر للوصول إلى مكاننا، ثم استبدلنا الحزب برفاق آخرين، فوصلنا إلى منطقة شيلادزه وثم إلى منطقة بادين آوه  وهناك وجدت الرفيق أبو عباس واخبرته باستشهاد قريبه وسلمته جوازه والدينار  وبعدها التحقت بمقر الإعلام في قرية كرد كولان، وكان الهدف الرئيسي لإعلام الحزب  وللرفاق القائمين  المباشرين عليه هو عودته إلى ما كان عليه قبل حدوث عدوان الإتحاد الوطني، في تلك الفترة استعان الحزب الاشتراكي الكردستاني بخبرة رفاقنا مهندسي إذاعتنا السابقة في إفتاح إذاعتهم ومباشرة ومواصلة بثها واستفادة حزبنا منها، وعلى صعيد الحزب مكث الرفيق كريم أحمد ( ابو سليم ) في الأسر لدى الإتحاد الوطني، ووقع وهو في الأسر اتفاقا معهم لوقف إطلاق النار وتم إطلاق سراحه والالتحاق مجددا بالحزب الذي لم يعتبر اتفاقه هذا شرعيا لكونه في الأسر ولا يعرف الظروف آنذاك.