وعلى الصعيد الاعلامي بدأ الحزب إصدار جريدته المركزية طريق الشعب في النصف الثاني من عام 1979 على ورق شفاف لتسهيل عملية الاخفاء، وإرسالها الى باقي مناطق البلاد. وقد التقيت مع احد الرفاق ممن عمل في تلك الفترة في بغداد فقال كنا نوزع الجريدة الشفافة في علبة الكبريت (الشخاط ). كما شاهدت شخصياً في مقر قاطع بهدينان كراس يحمل عنوان على غلافه (عرض عن التوليد والامراض الجلدية و النسائية)، وكتب على غلافه من الجهة الثانية في العدد القادم عرض عن ابرز امراض الطفولة) والتي تضمنت الصفحات الاولى والاخيرة موضوعات عن التوليد والامراض الجلدية والنسائية، في حين الصفحات الاخرى من الكراس تتضمن موضوعا بعنوان لمحات عن تاريخ الحركة النسائية. وهذه الطريقة لا تجلب الانتباه، في طريقة توزيعها بشكل سريع وبدون مخاوف ويمكن أن توزع في العيادات الطبية او المستشفيات.

كما بدأت بالإرسال اذاعة (صوت الشعب العراقي)، كأداة اعلامية نضالية هامة في عمل الحزب، خاصة وهي اداة تعبوية وتنظيمية للحزب، وتؤدي الى توجيه رفاق الحزب من خلال المعلومات والأخبار. وأكد الحزب على مجموعة من التوجيهات الى الرفاق في الداخل والانصار والعاملين في الإذاعة من أهمها:

  1. الاستماع اليومي لبرامج الاذاعة، كواجب حزبي وتشجيع الجماهير على متابعتها.
  2. الدعاية للإذاعة، كي تسمعها الجماهير شفاها، من خلال توزيع قصاصات بين الجماهير تتضمن مواعيد بثها وموجتها الاذاعية القصيرة.
  3. تزويد الإعلام المركزي بالمعلومات المختلفة عن اوضاع الجماهير ووضع الطبقة العاملة والأوضاع السائدة في المعامل الإنتاجية ووضع الفلاحين ومشاكلهم.
  4. دعوة الكتاب وذوي الإمكانيات للمساهمة في تحرير مواد الإذاعة وحسب اختصاصاتهم.
  5. استنساخ بعض المواد المذاعة التي ترونها ضرورية.
  6. تشخيص رفاق اكفاء للعمل في الاذاعة كمذيعين جيدين او محررين ومعدي برامج.

واصدر الحزب كتيب (في تجربة العمل السري واساليب مكافحة التخريب في عام 1982) وكان يخص المراسلة الحزبية بين التنظيمات. ومما جاء فيه:

 (اذا كانت الحاجة الى اصدار نشرات الحزب بأعداد اكبر، فيصار الى طبع المنشورات الحزبية محليا، ان هذا التدبير يلجأ اليه، اما في حالة تستدعي تجنب اضرار ارسال كميات كبيرة من المركز مباشرة، او في حالة نشوء ظروف تشديد للمراقبة على طريق السفر والمداخل للمدن وازدياد نشاط الأجهزة الأمنية).

وكان هذا الكتيب حصيلة تاريخ طويل من العمل السري الذي استفاد منه اعضاء الحزب في تطوير عملهم الحزبي والتنظيمي. ولمعرفة اساليب السلطة للحفاظ على التنظيم ، عمد الحزب الى اقامة القنوات والاشكال التنظيمية بشكل يؤدي الى نجاح كامل لتنفيذ كافة نشاطاته الحزبية، بعيدا عن كافة اشكال المراقبة والملاحقة التي تتعرض لها مجموع منظماته ومجموع و كوادره.

كانت الرقابة المضادة التي يقوم بها الرفاق من اجل كشف مراقبة الأجهزة الأمنية، وكشف تصرفات العناصر التي تحضر اللقاء قبل واثناء وبعد اللقاء من اجل تحديد الموقف منهم في ضوء ملاحظات الشخص المكلف بتنفيذ الرقابة.

وقد وجهت المنظمات الحزبية على طريقة استلام الرفاق وترك الاتصال بالطريقة القديمة في استعمال وحمل الاشارة (جريدة، مسبحة، كيس نايلون، علبة مناديل ورقية، قلم جاف او علبة سكاير...الخ، لان كشفها صارسهلا .ووجه الحزب الشيوعي العراقي تنظيماته في عام 1983 الى تغير تلك الاشارات بالطريقة التالية، وضع شريط شفاف على الاصبع، او وضع ساعتين في يد واحدة او وضع سيكارة عند الموعد بالمقلوب اي فلتر السيكارة خارج الفم.(والتي اشارنا لها)

اما اللقاءات فتكون في فنادق الدرجة الاولى، وان يكون الشخص ذو هندام جيد اي يلبس بذلة او في غرفة الانتظار لدى الطبيب أوفي الأماكن المزدحمة، اويحمل مثلا وصفة طبيب او صور اشعة وبها يمكن استلام وتسليم البريد.

اجراءات تنظيمية للعمل الأنصاري

وعلى صعيد العمل الأنصاري وجه الحزب رفاقه الى العودة الى الوطن والمشاركة في الكفاح المسلح الذي رفعه كشعار أساسي ثم كأسلوب رئيسي في النضال، من خلال بيانات الحزب في 1979 و1980 و1981. واكد على الدخول في دورات عسكرية قبل الالتحاق في العمل الأنصاري او التدريب في الوحدات التي يلتحق بها في كردستان العراق. كما تم التأكيد على إتقان استخدام الأسلحة وتعزيز روح الانضباط وتطوير الجانب السياسي والقيادة العسكرية وفهم العلوم العسكرية من خلال تلك الدورات وتطوير الكفاءة القتالية، والعمل المشترك مع بقية القوى المتواجدة على الساحة النضالية وتطوير الصلات مع الجماهير. 

ووجه الحزب رفاقه بضرورة التصدي للعمل التخريبي الذي يطال الحزب ورفاقه. وحذر بشدة من العلل التنظيمية التي أعقبت الإشكاليات التي حصلت بعد المؤتمر الوطني الرابع، فأشار الى ذلك:

(وقد رافق ذلك اخلال صارخ وفظ بالانضباط الحزبي وخرق لقواعد النظام الداخلي من الضالعين في النشاط التخريبي ومن المخالفين لسياسة الحزب، اذ جرى فضح اسرار الحزب الداخلية والقيام باتصالات ليبرالية بالجهات والأحزاب والشخصيات العراقية وغير العراقية. ووصل الامر بعدد من الضالعين في هذه النشاطات حد تشويه وتزوير الوقائع والاستعداء على الحزب بقصد ممارسة الضغط عليه لتغيير سياسته التي رسمها المؤتمر الوطني الرابع).

وعموماً، وصل الامر بعدد ممن عناهم الحزب بذلك، ومنهم من كان لايزال يتمتع بعضوية الحزب، الى المساهمة في تشكيل كتل ومنابر معادية للحزب. ورحبت مخابرات النظام واجهزة قمعه بها وصارت تروج لما يصدر عنها من نشريات).

دور المرأة في اعادة تنظيمات الحزب

انتمت المرأة للحزب ونشطت في صفوفه منذ تأسيسه، ومن مختلف الطبقات والمستويات والوظائف. وكان لهن دور مهم في حمل البريد الحزبي وتخطي الصعاب بكل شجاعة، واعادة الصلات ودعم التنظيمات الحزبية بمختلف الطرق والسبل، وزيارة السجون ودعم اعضاء الحزب معنويا ومادياً. وكانت حركة النساء أكثر سهولة مع ظروف بلدنا ولا تجلب الكثير من إنتباه الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وللحزب تجارب عديدة.

وامام ظروف بلدنا والحروب المستمرة، اعتاد الحزب على تنشيط عمل النساء وفي اعادة الصلة مع اعضاء الحزب السابقين واعادة التنظيمات في كثير من مناطق العراق التي وصلوا لها، ومنهن الشهيدات (عايده ياسين مرشحة اللجنة المركزية، ورسمية جبر ـ ام لينا ـ وسناء عبد السادة ـ ام سلوان ـ وهناء عبد السادة ـ ام الحان ـ وبشرى صالح ـ ام ذكرى ـ وماما كول وام سليم وبنات المناضل محمد شلال فاتن وسوسن، اضافة الى اخريات من الذين عملن في الداخل ورجعن الى الخطوط الخلفية في كردستان او ممن عملت وبقيت في الداخل مختفية. كما ارسل العشرات من رفاق التنظيم الى الداخل اي الى جميع المحافظات، وتم اعادة الكثير من الصلات الحزبية المقطوعة.

البيوت الحزبية

وكان يتم إختيار البيوت السرية للحزب على ضوء خبرة المنظمات في مجال العمل السري. وكان من الضروري أن تتمتع ببعض المواصفات التي تبعد عنها شكوك الأجهزة الأمنية والمخابراتية، ومنها -

  • أن لا تكون في منطقة شعبية قديمة، وتفضل الدور الكائنة في مناطق حديثة التشييد، حيث ان العلاقات الاجتماعية بين سكان هذه المناطق ضعيفة او معدومة تقريبا، اضافة الى ضعف نشاط الأجهزة الأمنية في مثل هذه المناطق.
  • ان لا تكون قريبة من دائرة حكومية، او سينما او مقهى او مشابه ذلك حيث كثرة الموظفين والمراجعين يزيد من إحتمالات تعرض ساكنيها للكشف.
  • أن تكون الدار مطلة على عدة شوارع ومشرفة على المنطقة التي حولها، لتسهيل عملية رصد المنطقة وكشف المراقبة.
  • ان تكون ذات طابقين او ذات غرفة في الطابق العلوي، لغرض استخدامها من قبل الكوادر التي تسكن هذه الدور مع عوائل حزبية، وللانتقال اليها في حالة قيام الجيران او بعض الزوار بزيارة العائلة التي تسكن الدار.
  • ان يكون سطح الدار ملاصقا لسطح دار اخرى لتسهيل عملية الهروب، لذلك لا يفضل استئجار دار حزبية تتكون من ثلاث طوابق.
  • ان يكون في الدار متسع لدخول سيارة، ولا تفضل الدار الخالية من هذه الخاصية، حيث لا يمكن ترك السيارة الحزبية خارج الدار.
  • تفضيل الدار التي فيها حديقة وبناؤها غير ملاصق للسياج الامامي.
  • أن لا تعود ملكية الدار المستأجرة الى عناصر في اجهزة الدولة وخاصة الأمنية، وتجنب قدر الامكان ان لا تكون الدور المجاورة مسكونة من قبل عناصر تعمل في الأجهزة الأمنية.

لقد ارسل الحزب اعدادا جيدة من رفاقه لإعادة الصلة التنظيمية مع الكثير من اعضاء الحزب المقطوعين، وبرغم كل التوجيهات الانفة الذكر، الا ان السلطة استطاعت ان تلقي القبض على البعض منهم و اعدامهم. وقد ظهرت قوائم الاعدامات بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 لمئات من تنظيمات الحزب الشيوعي طيلة فترة اعوام الثمانينيات.

ويذكر كاتب عقود من تاريخ الحزب الشيوعي عزيز سباهي الى كيفية العمل في الداخل وصعوباته(من المبالغة القول ان تلك السنوات العجاف، قد مرت والحزب ومنظماته في الداخل بخير ، وهو يعمل على توطيد اركانه..لقد كانت تلك اشق السنوات في كل تاريخه، ولتوطيد المنظمات كان يتطلب تضحيات جسيمة. اذ بلغ انفلات قمع السلطة ابعد مدياته، وكانت تقدم على ارتكاب ابشع المذابح دون تردد.وقد كشفت الصحافة بعد سقوط النظام عن القوائم الطويلة لأسماء الذين جرى اعدامهم من ابناء وبنات شعبنا في مدينة الثورة والحرية والشعلة والمحلات الشعبية الاخرى الذين بُلغت عوائلهم بإعدام بنيها. كما كشفت المقابر الجماعية في مدن عديدة رفات المئات من الشيوعيين والشيوعيات الذين جرى دفنهم بالجملة دون ان يبلغ اهاليهم بذلك.

المصـــــــــــــــــــــــــــــــــادر

(يذكر كتيب ملفات الحزب الشيوعي العراقي في اروقة الامن العامة، الى ان العدد الاول من جريدة طريق الشعب السرية صدرت اواخر اب 1979 عند ورودها الى تنظيم الداخل كان مطبوعا على ورق شفاف لتسهيل عملية اخفائه ، في حين ان العدد نفسه وزع في خارج القطر مطبوعا على ورق كالذي تطبع عليه الصحف الاخرى ص66)

- مناضل الحزب العدد 1 سنة 26 ايلول 1982

-في تجربة العمل السري واساليب مكافحة التخريب 1982

- تقرير اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اذار 1989

-كيفية (سبل) العمل في الظروف السرية كراس بخط اليد 1983

عرض مقالات: