أربعة وثلاثون عاماً على تلك الجريمة، لن ننسى ما حيينا يوم الخامس من حزيران عام 1987، حيث قصفتنا طائرات النظام الدكتاتوري البائد بالأسلحة الكيماوية، شيء لم نحسب حسابه، كنا نظن أننا أمام دكتاتور ونظام شمولي كما يردد البعض اليوم، لم نكن نعلم أننا أمام عصابة مجرمة لا أخلاق لها ولا تعرف المواثيق والمعاهدات الدولية.
إن الأنصار الشيوعيين أبناء العراق البررة المناضلين الحقيقيين الذين لم تغرهم السلطة بمغرياتها ولم ترهبهم بقوتها، تركوا ملذات الحياة واعتلوا الجبال و غاصوا الوديان، وامتطوا الريح، متاعهم السقط وشرابهم ندى غيمة، وأحلامهم بلا حدود، أرادوا الحياة بحريتها لا بعبوديتها، أحبوا الناس وعشقوهم وكانوا لهم أوفياء.
في 5 حزيران 1987، قصفت طائرات النظام الصدامي مقر قاطع بهدينان للأنصار الشيوعيين في كلي (زيوة) بالأسلحة الكيمياوية، في ذلك الوادي الذي يعج بالحياة النضالية في محاولة بائسة للنيل من عزيمة الأنصار الشيوعيين، وبهذه المناسبة، أقامت اللجنة الثقافية لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين أمسية بعنوان " الانصار الشيوعيون يتحدون القصف الكيمياوي"، مخصصة لاستذكار هذا الحدث، وبمشاركة مجموعة من الرفيقات النصيرات والرفاق الأنصار، منهم النصير عامل الخوري (مشمش)، النصيرة نضال مجيد (أم مسار)، النصيرة ابتسام حداد (أم نصار)، النصير محمد الكحط (أبو صمود)، النصير عادل كنيهر (سامي دريجة)، طبيب الاسنان النصير راشد مجيد (ابو الياس)، في يوم الجمعة 4/6/2021 من خلال منصة برنامج الزوم.
افتتحت النصيرة بشرى الطائي الأمسية بالكلمات التالية، ((يفتخر الانصار الشيوعيون بمشاركتهم في مرحلة الكفاح المسلح باعتبارها صفحة مهمة في نضالهم الوطني ضد الدكتاتورية، دفاعا عن شعبهم ووطنهم ومن أجل العدالة والقيم الإنسانية....ومثلما كان الدكتاتور وأعوانه بلا قيم ولا أخلاق ولا ضمير في تسلطهم وجرائمهم ضد شعبنا، كانوا كذلك في استخدام السلاح الكيمياوي ضد الانصار الشيوعيين، حيث قصف مقر قاطع بهدينان بالأسلحة الكيمياوية (غاز الخردل) ١٩٨٧ حينها كان هناك في كلي (زيوة) تجمع كبير، من أجل عقد اجتماع للقيادات العسكرية والحزبية لمختلف القواطع. أصيب إثر ذلك القصف ١٤٩ نصيرا ونصيرة وطفلا، واستشهد الرفيق جوقة سعدون إبراهيم (أبو فؤاد) في نفس الليلة وجرح النصيران عباس ره ش، وخابور، وفي ١٢ من حزيران استشهد الرفيق ريبر عجيل محمود (ابو رزگار). وفي ١٤ آب من عام ١٩٨٨عاد النظام الفاشي ليقصف زيوة مرة أخرى بغاز الأعصاب بواسطة الراجمات، فاستشهد الرفيق سعد موسى (ابو سعد)، والرفيق عبد الحسين لازم الساعدي (أبو وسن)، والرفيق كاظم جبر (ابو جواد).
ثم دعت الجميع إلى الوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء الأبرار. وتناوبت الرفيقة بشرى مع الرفيق النصير يوسف أبو الفوز على تقديم الأنصار للحديث.
تحدث النصير (مشمش) عن معاناته، والذي كان حينها طفلاً صغيراً، وكيف بقي يعاني فترة طويلة من كوابيس تلك الأيام، أما النصيرة (أم مسار) والتي كان معها طفلاها فتحدثت عن المعاناة النفسية والآلام الجسدية التي عانتها وطفلاها خلال تلك الأيام، وأنصب حديث النصيرة أم نصار وأبو صمود على تفاصيل القصف منذ لحظاته الأولى وكيف تم التعامل مع الأحداث من قبل الأنصار وقيادة قاطع بهدينان وكيف تكاتف الأنصار مع بعضهم لتجاوز تلك المحنة والمعاناة من آثار الضربة برباطة جأش وتضحية وبطولة نادرة، كما تحدث النصير (سامي دريجة) عن ما تعرض له من آثار شديدة هو ورفاق آخرون، وأنصب حديث الدكتور النصير (أبو الياس) عن تشخيصه للسلاح الكيمياوي وكيفية الوقاية من آثاره، ولعبت توجيهاته للرفاق دورا مهما في تقليل الآثار السلبية عليهم.
بعدها فسح المجال للحضور للحديث، فتحدث العديد من الأنصار من الذين عاصروا الحدث وأشاد الجميع ببطولة الأنصار وصمودهم الذي لا يلين.
علما أنه بعد سقوط النظام الديكتاتوري، تم العثور على الكثير من الوثائق، التي تم التأكد من صحتها، التي تبين مسؤولية النظام، والديكتاتور صدام حسين مباشرة عن ذلك، من ذلك مذكرة من المخابرات العسكرية موجهة إلى مكتب المجرم صدام حسين للحصول على الإذن باستخدام غاز الخردل وغاز السارين، ووثيقة الرد، تحمل أمر من المجرم صدام بإمكانية استخدام الأسلحة الكيماوية ضد القوات الإيرانية والكردية. وأيضا مذكرة داخلية كتبتها المخابرات العسكرية تبين انها حصلت على موافقة مكتب الرئيس لاستخدام ما سموه "الذخيرة الخاصة".
وسيسجل التاريخ ان الأنصار الشيوعيين واجهوا هذا العمل المجرم الجبان ببطولة وبقوة تحمل وصبر أسطورية.