ضمن النشاطات العديدة في المجالات الثقافية التي تقوم بها اللجنة التنفيذية لرابطة الأنصار الشيوعيين، كانت هذه الأمسية المنوعة لاستذكار مفصل مهم من حياة الأنصار الشيوعيين العراقيين أثناء الكفاح المسلح ضد الدكتاتورية، وهو النشاط المسرحي الأنصاري، فحياة الأنصار الشيوعيين كانت مليئة بالعطاء والإبداع في المجالات الثقافية والفنية والاجتماعية، أقيمت هذه الأمسية يوم 9 نيسان 2021، عبر برنامج الزوم والفيسبوك، حيث نقلت بشكل مباشر وتابعها العديد من المشاهدين.
أفتتح الفعالية النصير الرفيق يوسف أبو الفوز، وبعد الترحيب بالحضور باسم اللجنة التنفيذية لرابطة الأنصار الشيوعيين وباسم المجموعة المكلفة بإعداد هذه الأمسية، أشار الى أن هذه الأمسية مخصصة للنشاط المسرحي للأنصار الشيوعيين للفترة من عام ١٩٧٨حتى ١٩٨٨، ضمن جهد نتمنى أن يتواصل، لتسليط الضوء على تجربة مشرفة ومشرقة في تأريخ العراق، الا وهي تجربة الكفاح المسلح، لفصائل الأنصار الشيوعيين، هذه التجربة التي تكاد تكون مجهولة لقطاع كبير من أبناء شعبنا، فهي لم تجد حتى الآن الاهتمام الإعلامي الكافي والمطلوب الذي يليق بها ليعرف بها، وأن الهدف من هذه الامسية أن تكون تحية لكل الأنصار البواسل، الذين ساهموا فيها، ومنهم بدون شك الشهداء، وكذلك الرفاق الذين رحلوا عنا لاحقا، وكذلك تحية لكل المسرحيين الأنصار الذين ساهموا وبذلوا جهدا في إغناء الحياة الثقافية للأنصار.
وأستلهم كلمات الفقيد النصير آشتي حين قال مرة (تحية للمسرحيين الأنصار اللذين عانقوا الحياة في الجبال ورفعوا البندقية بوجه أعتى دكتاتور وطاغية)، نعم عانقوا الحياة حالمين بصباحات جديدة ومشرقة لوطن جديد.. ومنحوا أيام الأنصار القاسية الطراوة والمتعة.
وتم استذكار الشهداء من المسرحيين الأنصار ومن رحل منهم مؤخرا، وأمنيات بالصحة والعمر المديد للأحياء منهم ممن يشاركونا هذه الأمسية أو ممن غابوا عنها لأسباب ما.
كان للأنصار الشيوعيين حياتهم الثقافية الزاخرة بالتفاصيل التي تندرج ضمن إطار الثقافة التقدمية، ثقافة مقاومة وانتماء للمستقبل في عراق مدني ديمقراطي طالما حلموا به وناضلوا لأجله، وبحكم التحاق عدد ليس قليل من الفنانين المسرحيين المحترفين، بصفوف حركة الأنصار، فقد ولدت تجربة المسرح الانصاري.
وللتوضيح لابد ان نتوقف عند بعض من صفات وخصائص مسرح الأنصار، الذي خضع لظروف حياتهم التي لم تكن سهلة، حياة التنقل والتوتر وهم يواجهون أعتى سلطة فاشية، ويعيشون حياة الكفاف في السهول والوديان في مواجهة ظروف صعبة، وبحكم الإمكانيات المادية واللوجستية الضعيفة التي تتسم بها حركة الأنصار عموما، فيمكن القول إن مسرح الأنصار كان ينتمي لما يسمى بالمسرح الفقير أو مسرح الصالة أو المقهى، والعروض أساسا كانت تقدم لجمهور في غالبيته من الأنصار لكن هناك تجارب في حضور جمهور من قرى صديقة للأنصار، كما يمكن القول إن مسرح الانصار كان مسرحا بدون خشبة مسرح تقليدية، كانت العروض تقدم في غرف نوم الأنصار، وفي باحات المقرات الانصارية في الوديان أو خاصرة جبل عاص بعيد عن مرمى الطيران ونيران المدفعية، وأحيانا كان يقومون بجهد للتعتيم على مكان العرض وتوقيته خوف تسرب الخبر للعدو، كان المسرحيون الانصار يتدربون على عروضهم وهم يسرقون الوقت من أداء واجباتهم الانصارية اليومية.
لقد أيقظ نشاط الأنصار المسرحي، شغف الأنصار بحب الحياة والتطلع لمستقبل أفضل وامدتهم بطاقة إضافية للعمل والابداع في حياتهم، كان المسرحيون الأنصار يرسمون عالما من الحب والتفاؤل، فظهرت مواهب مسرحية وصقلت مواهب أخرى، فكثيرا ما استعان المسرحيون المحترفون بأنصار هواة لتقديم عروضهم.
تحدث الفنان النصير الرفيق هادي الخزاعي ((ابو اروى)) عن تجربته موجها التحية لكل الأنصار ومنهم المسرحيون وخصوصا الذين سبقوه في التواجد في كردستان، وتذكر أول نشاط مسرحي في قاطع بهدينان وهي مسرحية الغجر للشاعر الورسي الكسندر بوشكين، ساهم فيها الأنصار المسرحيون سلام الصكر ولطيف حسن، ومثل فيها النصيرات والأنصار عشتار وأبو سامر والشهيد سمير حناوي، وقدم مشهد مسرحي وعدة أعمال أخرى في يوم المسرح العالمي، كانت الرفيقات يقمن بعمل الأكسسوارات منهم الرفيقة أم علي، وقدمت الأعمال على ضوء الفوانيس في الاحتفالات، مع معاناة من الواجبات والأوامر العسكرية، التي كانت تحد من نشاطنا.
تحدث النصير مزهر بن مدلول الرفيق (أبو هادي) عن الأمسية، مقدما بقية الرفاق قائلاً: تثار الكثير من الاسئلة والأفكار عن التجربة الأنصارية في مجال المسرح، هذه الاسئلة تتطلب الاجابة والتحليل والتدقيق ومنها على سبيل المثال: هل يُعتبر المسرح الانصاري اضافة نوعية الى المسرح العراقي، باعتبار البيئة التي نشأ فيها بيئة مختلفة؟ وهل يتعارض وجود الممثل كمقاتل أولا من ممارسة هوايته أو حرفيته في مجال الفن؟ كما انّ الممثل وان تحرر من قيود مستلزمات المسرح (الديكور، الانارة، الخشبة، الملابس، المكياج، الخ) فهو يجد صعوبة بالغة في التعبير والتعويض عنها، الاّ إذا كان ذا موهبة عالية بحيث يستطيع التغطية على جميع العيوب التي تتركها مستلزمات الاداء الفني.
الفنان النصير الرفيق علي رفيق (ابو ليث)، تحدث عن النشاطات الثقافية للأنصار ووجود أنصار محترفين في المسرح، وقدموا من تلك السفوح أعمالا فنية راقية حافظت على أصالة المسرح العراقي، وكان ذلك رداً عن ما أصاب المسرح في الوطن من أعمال هابطة جداً حيث انحدرت الأعمال المسرحية في ظل الدكتاتورية الى الحضيض وبقيت للتهريج فقط، ومسرح الأنصار هو امتداد لمسرح السجون الذي قدمه المسرحيون السجناء السياسيون في نكرة السلمان وفي سجون الحلة وبغداد وغيرها، وهو كذلك امتداد الى المسرح العمالي والفلاحي، وأشار الى انهم قدموا أعمالا مختلفة حسب توفر النصوص وبعضها تم تأليفه من قبل الأنصار المسرحيين، فتم تقديم مسرحية الموقد لناظم حكمت، والليالي البيضاء لدستوفسكي، وروح ليناور، و"كيف تركت السيف" لممدوح عدوان...وأشار الى الصعوبات ولكن تم تحقيق نتائج كبيرة وأعمال نالت الإعجاب من الجميع. كما تم تقديم فلمه عن المسرح الأنصاري وكان ثمرة جهود لفترة طويلة، وثق فيه خلاصة الجهود التي بذلك في هذا المجال الإبداعي.
أما النصير المسرحي ونقيب الفنانين العراقيين سابقاً صباح المندلاوي (أبو نور)، فقال ان تجربة الأنصار المسرحية نادرة وغنية ولها خصوصيتها، فقد أصدرنا مسودة بيان في يوم المسرح العالمي عام 1980، ووضعنا لافتات في وادي كوماته والفصائل في يه ك ماله، وكنا نستخدم جذوع الأشجار والبطانيات لعمل الديكور والعلب الفارغة ككراسي، كنا نواجه مشكلة البروفات التي تتعارض مع الواجبات العسكرية الأخرى، وكان الممثلون يتدربون وبنادقهم بجانبهم، وأكد أنه تم جرد 254 عملا مسرحيا ومشاهد تم تقديمها هنا وهناك في مختلف المواقع الأنصارية. كما نوه الى ضرورة ان نولي اهتمام هذا المسرح من العناية والدراسة.
أما الفنان النصير الرفيق صفاء حسن الرفيق (ابو الصوف)، فتحدث عن تجربته أيضا، مقدما بطاقات دعوة لشهداء الحزب وقال كنا نتحرك وسط الجمهور رغم وجود مسرح، وقدمنا عملا عن قزلر في المقر الصيفي سنة 1980، ولكن العمل الأكثر جدية كان في نوكان سنة 1981، حيث قدمنا مسرحية مستوحاة من أشعار محمد الماغوط، كما قدمت عدة سكيجات في فصيل المثقفين، حيث كان لها صدى جميل عند الأنصار.
وتحدث أيضا الفنان النصير الرفيق سمير خلف (ابو سامر)، عن تجربته وأشار الى صعوبات التنفيذ حيث كان هاجسنا الأول هو بناء القاعات لتكون مأوى للأنصار قبل التفكير بأي شيء آخر، ومع هذا تم تقديم سكيجات وقفشات لانتقاد سلبيات في حياتنا وكان لها صدى، ثم قدمنا العديد من الأعمال المسرحية وخصوصا خلال الاحتفالات.
وتحدثت الفنانة نضال عبد الكريم عن تجربتها وأشارت الى النشاطات الثقافية المنوعة لحياة الأنصار، وكان هاجس الفنانين المحترفين هو العمل ليجد ذاته من خلاله، فقدمنا عدة مشاهد مع حيدر أبو حيدر ثم فكرنا بعمل متكامل فقدمنا عمل للطاهر وطار عن الشهداء يعودون هذا المساء، استغرق عرضه ساعة ونصف، وغيره من الأعمال الأخرى، كما تحدثت عن تجربتها بعد انتهاء الحركة الأنصارية، واستذكرت دعوة الفقيد الرفيق آشتي الذي دعاهم سنة 2007 الى بيته مع نخبة من الأنصار المبدعين، وكانت ثمرة ذلك تأسيس فرقة ينابيع المسرحية التي قدمت عدة أعمال ناجحة وحصلت الفرقة على عدة جوائز من العراق ودول عربية.
كما تحدث رفاق آخرون عن تجربتهم، وتم عرض فلم آخر عن النشاط المسرحي
في الختام شكرت النصيرة الرفيقة بشرى عبد علوان بأسم اللجنة التنفيذية لرابطة الأنصار الشيوعيين جميع الذين أحيوا هذه الأمسية وتمنت لهم السلامة على وعد اللقاء بفعاليات أخرى.