طريق الشعب

فيما كشفت السلطات القضائية، يوم أمس، عن إجرائها تحقيقات تتعلق بعمليات غسيل أموال ومخالفات غير قانونية في مزاد بيع العملة، اضافة الى تجاوزات بعض المصارف الخاصة على القانون في ما يخص الاشتراك في المزاد وتهريب العملة الاجنبية الى الخارج، تحدث نواب عن وجود “إيميلات مسربة” من البنك المركزي، تكشف عن “جريمة كبرى” تخالف الوظيفة القانونية للبنك، التي تختص بشراء الدولار من وزارة المالية وبيعه للتجار المستوردين الفعليين، وليس الى مصارف وسيطة تستحوذ على فوائد باهظة دون تقديم اي نشاط اقتصادي او تنموي ملموس.
وتراجعت، يوم أمس، مبيعات البنك المركزي العراقي، من الدولار، بشكل غير مسبوق.

القضاء يلاحق مزاد العملة

ووجه المجلس الاعلى للقضاء باعمام الى محاكم التحقيق كافة لاتخاذ الاجراءات القانونية، بحق كل من تسبب بالضرر بالاقتصاد الوطني سواء من تجار العملة الاجنبية أم التجار المحتكرين للبضائع والسلع الغذائية والسلع الضرورية التي يحتاجها الناس يوميا.
وطلب المجلس في بيان طالعته “طريق الشعب”، من وزارة الداخلية، الايعاز الى مديريات الشرطة المختصة بذلك، اجراء جولات تفتيشية لمحال بيع الجملة، واماكن بيع العملة الاجنبية لضبط المخالفين للقانون.
واشار المجلس الى ان محكمة التحقيق المختصة بمكافحة غسيل الاموال باشرت منذ عدة ايام اجراء التحقيق بخصوص مزاد بيع العملة الاجنبية، ومخالفات بعض المصارف الخاصة للقانون للاشتراك في مزاد بيع العملة الاجنبية.
وقال القاضي المختص، إن التحقيق وصل مراحل متقدمة في الكشف عن عمليات غير قانونية وتحايل وتزوير للاشتراك في مزاد بيع العملة وتهريب العملة الاجنبية خارج البلد.
ويأتي هذا الاعمام عقب قرار البنك المركزي القاضي بتخفيض الدينار امام العملة الاجنبية، الامر الذي ادى الى ارتفاع البضائع والسلع المستوردة وخاصة الاغذية والادوية وباقي مستلزمات الحياة الضرورية.
وكانت هيئة النزاهة كشفت، مؤخرا، تفاصيل قضايا جزائية متعلقة بملف “مزاد العملة” وتحدثت عن “ثلاث حيل” مختلفة استخدمتها مصارف حكومية، بينها استخدام حسابات اشخاص من دون علمهم وإيداع صكوك لآخرين لا يمتلكون رصيدا.
وبحسب هيئة النزاهة، فإن القضايا شملت مصارف أهلية وحكومية ادعى بعضها استيراده لبضائع داخل العراق، لكنه “لم يدخل أي مادة إلى العراق منذ عام 2004”.
ووفقا لمتخصصين اقتصاديين، فإن هناك فارقا فعليا بحدود 30 مليار دولار بين حجم الحوالات إلى الخارج، وبين قيمة البضائع الداخلة، مما يدل على أن مزاد العملة لا يقوم بواجبه الصحيح لتوفير أموال لغرض الاستيراد، وانما تسفر عملياته عن تهريب للعملة وغسيل للأموال.
ودعت اللجنة المالية البرلمانية، مؤخرا، إلى “إعادة النظر بموضوع مزاد العملة”.
وقال مقرر اللجنة أحمد الصفار في تصريح صحافي، إن “مسألة نافذة العملة للبنك المركزي غير موجودة في كل دول العالم باستثناء العراق”.
وأعلن عضو اللجنة ذاتها محمد صاحب الدراجي، في بيان له أنه “تقدم بشكوى رسمية إلى القضاء لإيقاف هدر العملة الصعبة وتهريبها إلى الخارج” عبر مزاد العملة.

المفارز الاقتصادية تراقب الاسعار

ويأتي ذلك، بينما باشرت السلطات الحكومية نشر مفارز مكافحة الجريمة الاقتصادية في الأسواق، لمتابعة الأسعار، مشيرة الى اعتقال تجار احتكروا مواد ورفعوا الاسعار.
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا، في تصريح للوكالة الرسمية، إن دور الوزارة ينحصر في مراقبة الأسعار التي تحددها الجهات ذات العلاقة، مؤكدا انها “لن تسمح باحتكار المواد وهي تراقب الاسواق والمواد التي تباع فيها وفقا للضوابط الرسمية”.
واوضح المحنا، ان هذه المهمة تقوم بها مديرية مكافحة الجريمة الاقتصادية التي انتشرت عناصرها في الأسواق لمتابعة الأسعار ومنع رفعها او احتكار المواد وخاصة الغذائية منها.
من جهته، اشار وزير الداخلية عثمان الغانمي الى تحريك مفارز في جميع المحافظات لتطبيق القانون بحق من يحاول العبث بالأسعار، مستغلاً الأزمة المالية.
وقال في تصريحات صحافية، تابعتها “طريق الشعب”، “وجهنا كل مفارزنا في جميع المحافظات لتقوم بحملة كبيرة جداً لضرب الفاسدين بيد من حديد وتطبيق القانون الصارم بحق كل من يحاول استغلال قوت الشعب والإساءة إلى هذه الميزانية الإصلاحية التي تُعتبر بداية إصلاح حقيقي للمراحل اللاحقة”.
وطمأن الوزير العراقيين قائلا “إن كل مَن يحاول استغلال هذه الأزمة سينال جزاءه العادل وفق القانون ولدينا قوائم بمَن حاولوا استغلال الأزمة خلال اليومين الماضيين وسينالون جزاءهم وسنقطع يد كل من يحاول الإساءة للشعب العراقي”.
ويعاني العراق من أزمة مالية غير مسبوقة، ناجمة عن جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط الذي يعول العراق على مبيعاته لتمويل موازنته العامة، ما ادى الى اضطراب مالي زاد من معدلات الفقر، إلى نسبة تزيد على 40 بالمائة.

تجار يشكون “الخسائر

وشهدت أسواق بغداد، التي تكتظ عادة بالمتبضعين القادمين من مختلف مناطقها، فضلاً عن سكان المحافظات الأخرى، نشاطاً ضعيفاً، في اليوم الأول لبدء العمل بسعر الصرف الجديد، حيث ضعف الإقبال على مختلف البضائع والسلع في السوق، خاصة المستوردة، التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالدولار، وتتأثر بالارتفاع أو الانخفاض.
وبحسب تجار وأصحاب محال تجارية، فقد تعرض كثير من التجار لخسائر مالية، بسبب ما اعتبروه قراراً “مستعجلاً ومفاجئاً” من جانب الحكومة، حيث استوردوا الكثير من البضائع خلال الأيام الماضية بالدولار، وبالأسعار المعمول بها، لكنهم يبيعون بالدينار، ما يعني ذهاب أقل من نصف قيمة بضائعهم، وهذا دعا بعضهم إلى إغلاق متاجرهم ترقباً للأوضاع.

إيميلات مسربة

الى ذلك، تحدث النائب جمال المحمداوي عن “ايميلات مسربة” من البنك المركزي، تكشف عن “جريمة كبرى بحق الاقتصاد”، تتطلب اقالة محافظ البنك.
وأوضح المحمداوي، في بيان اطلعت عليه “طريق الشعب”، “تسرّب إيميل مرسل من البنك المركزي يخاطب المصارف الوسيطة المضاربة بالدولار بقراره شراء الدولار من تلك المصارف بسعر ١٤٥٠ دينار لكل دولار”، مضيفا “إذا صحّت هذه المعلومة فهي جريمة كبرى بحق الاقتصاد العراقي والشعب، وتتطلب اقالة فورية لمحافظ البنك المركزي وإحالته الى القضاء العراقي”.
وتابع النائب، أن “الوظيفة القانونية للبنك المركزي شراء الدولار من وزارة المالية وبيعه للتجار المستوردين الفعليين وليس لمصارف وسيطة، تستحوذ على فوائد باهظة دون تقديم اي نشاط اقتصادي او تنموي ملموس. فأما أن يقوم البنك بشراء الدولار من تلك المصارف التي باعها هو نفسه لها بسعر (1190) دينار لكل دولار خلال الأشهر الماضية، فمعنى ذلك انه سيدفع لها ارباحا من احتياطي العملة الصعبة وغطائها بمقدار خمسة مليارات دينار عن كل بيع يوم سابق”.
ومضى بالقول “إذا علمنا ان بيع تلك المصارف للدولار في السوق انكمش خلال الأسبوع الماضي بعد تسرب خبر رفع سعر الصرف، فنتيجة الربح الذي ستجنيه من بيعها الدولار الذي اشترته من البنك واحتفظت به نتيجة علمها بخبر قرب اعلان سعر الصرف الجديد، لتعود فتبيعه للبنك المركزي وفق السعر الجديد، الذي أعلنه البنك، ستكون ارباحها فقط من الأسبوع الأخير اكثر من (25) مليار دينار”.
وبيّن الحميداوي، أن “الأرباح الطائلة غير الشرعية إذا احتسبناها، والتي جنتها تلك المصارف الطفيلية من قفزات ارتفاع بيع الدولار في السوق مع ثبات سعر بيعه من قبل البنك خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، (بمعدل ٢٠٠ مليار دينار شهريا) فتكون مجموع ارباحها من كل هذه العملية ما يقترب من (600) مليار دينار عراقي”.

مبيعات المركزي تتراجع

وتراجعت مبيعات البنك المركزي من الدولار، أمس، بشكل غير مسبوق.
وبحسب النشرة اليومية للبنك عن مزاد العملة فان “إجمالي البيع لأغراض تعزيز الأرصدة في الخارج (حوالات، إعتمادات) بلغت 77 مليوناً و450 ألفاً و994 دولاراً، وبلغ البيع النقدي 200 الف دولار فقط. أما إجمالي المبيعات الكلية فكانت 77 مليوناً و650 ألفاً و994 دولاراً”.
ويأتي هذا التراجع، خلافا لتصريحات محافظ البنك، الذي قال مؤخرا، ان البنك “سيضاعف بيع الدولار إلى شركات الصرافة. لأن وفرة الدولار ستجعله ثابتا في السوق”.

البنوك الاهلية تحتكر الدولار

من جهته، كشف النائب بدر الزيادي، أمس الاربعاء، عن سيطرة البنوك الاهلية على عملية بيع الدولار في الاسواق العراقية.
وقال الزيادي، إن “البنوك الاهلية هي المسيطرة على عملية بيع الدولار في الاسواق وتتحكم في رفعه وخفضه”، لافتا الى ان “مجلس النواب سيكون له موقف من ذلك ولن يسكت عنه ابدا”.
واضاف ان “مجلس النواب متوجه نحو استجواب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزراءه لمناقشة اسباب رفع الدولار والسياسة المالية الجديدة للدولة”، مبينا ان “الحكومة لا توجد لديها اي خطط لتجاوز الازمة ولم تنجح بوضع خطط سابقا”.
وكانت تظاهرات عدة نظمت في عدد من المحافظات، تبنها أوساط ثقافية وشعبية، رددت شعارات تطالب بـ”مساواة جميع المصارف والبنوك في حصة بيع العملة، وشفافية البيع، ومنع الحكومة من إجبار البنك على تعويم العملة”. كما شددت على “منع الحكومة من تخفيض رواتب ومستحقات الموظفين، ومحاربة الفقراء في أقواتهم”.
ويقول النائب عن تحالف الفتح، احمد الكناني، إن “الاسواق العراقية تستورد 95 في المائة من المواد والبضائع التي يحتاجها العراقيون”، مضيفا انه “مع ارتفاع الدولار بمعدلاته الحالية، سينعكس بشكل مباشر على القيمة الشرائية للمواطنين، ضمن شريحة الفقراء والمتعففين”.
وشدد الكناني على ضرورة حماية المواد الاساسية، وخاصة الغذائية “لتفادي ارتفاعها كونها على تماس مباشر بحياة الفقراء وهذا حل أول”.
وذكر محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، أن وزارة المالية طلبت رسميا زيادة سعر صرف الدولار إلى 1450 دينارا، مبينا أن الاحتياطي العراقي من العملة الصعبة لا يزال في وضع جيد.
وقال مخيف في حديث للتلفزيون الحكومي، إن “وزارة المالية طلبت رسميا زيادة سعر الصرف إلى 1450 دينارا مقابل الدولار ما أدى إلى اضطراب السوق هذه الأيام”، مشيرا إلى أن “البنك المركزي طلب حضور وزير المالية لتبيان أسباب رفع قيمة صرف الدولار مقابل الدينار”.
وأضاف، أن “البنك الدولي كان قد طلب من العراق عام 2014 رفع سعر صرف الدولار إلى 1500 دينار”، مؤكدا، أن “موقف العراق من احتياطي العملة الصعبة مازال جيدا “.
وتابع محافظ البنك المركزي، أن “ارتفاع سعر صرف الدولار أثر على السوق العراقية وستتضرر الطبقات الفقيرة، ووزارة المالية هي المسؤولة عن دعم هذه الطبقات حيث ستضاعف مبالغ الرعاية الاجتماعية”.
وطالب مخيف وزارة المالية “تعزيز العائدات الجمركية والإسراع بأتمتة عمل الجمارك والمنافذ الحدودية لتعظيم ايرادات الدولة”.