مرت قبل ايام الذكرى التاسعة والعشرون لرحيل الدكتور المهندس جعفر علي حيدر علي رستم الركابي الأكاديمي البارع والعالم الجليل، والذي ترك رحيله فراغا كبيرا في الكلية الفنية العسكرية حيث عمل فيها طوال حياته وله فيها بصمات كثيرة وغصة كبيره لدى اصدقائه وزملائه وطلبته، اضافة للمعاناة الكبيرة لدى عائلته، حيث رحل من دون ان يكون أحد منهم بجانبه.

كان المرحوم أحد اعمدة قسم الكهرباء في الكلية الفنية العسكرية، وشارك في تأسيسها منذ البداية، ولم يؤثر حجب البعثة الدراسية عنه لاستكمال دراسة الدكتوراه ولسنوات عديدة كونه، غير منتم للحزب الحاكم حينها، على حرصه الكبير وتفانيه في بناء مختبرات المكائن الكهربائية واستكمال مناهج الدراسة لقسم الكهرباء.

تعود علاقتي بالمرحوم جعفر العزيز على قلبي، الى العام 1969 حيث كنا زملاء في الصف الثاني في قسم الهندسة الكهربائية، كليه الهندسة، جامعه بغداد، وكانت البداية علاقة زمالة عادية لا تتجاوز التحايا والسلامات، وخاصه اننا كنا في شعبتين مختلفتين، لذا لم نجتمع في ايه مجاميع مختبرية او فعاليات صفية، ولكن توطدت العلاقة بعد سفرة طلابية قمنا بها الى منطقه الاخيضر قرب كربلاء في السنه النهائية في العام 1972، وفي حواراتنا ونقاشاتنا العامة وجدت ان هنالك تقاربا بين تفكيري ونظرتي للأمور مع نظرته للحياة وتفكيره فيها اضافه لوجود اشياء مشتركه اخرى معه.

كانت لجعفر جماعته الخاصة والمقربة منه وهم زملاؤه من ايام كلية بغداد حيث أكمل الدراسة الثانوية، كان ومنذ البداية من المتفوقين والمنظمين جدا، واعتقد انه كان الوحيد بيننا نحن الطلبة يكتب تقاريره المختبرية على الاله الطابعة وبطريقة ممتازة، يشيد بها الكثيرون من مسؤولي ومشرفي المختبرات من المعيدين او من الاساتذة. وكان الاول على دفعتنا وباستمرار وفي جميع سنين دراستنا الجامعية وبجدارة، وكان تسلسله الثاني على كليه الهندسة، جامعة بغداد، في العام 1972، وكان هذا يحصل قليلا، اذ يحظى خريجو اقسام الهندسة المدنية والميكانيكية والكيمياوية على المرتبة الاولى والثانية دوما، في حين كانت الدراسة في قسم الهندسة الكهربائية صعبة جدا وشديدة الوطئة علينا طلبة القسم، ويطلقون على قسمنا تسمية القسم المعقد، لان الطلبة كانوا دوما مشغولين ومنهمكين في الدراسة في معظم الاحيان، ودروسهم صعبة ومدرسيهم شديدون في التدريس وبخلاء في اعطاء الدرجات.

كان لدى جعفر سيارة اوبل ستيشن قديمة الصنع لكنها بحاله ممتازة، وكان رقمها مميزا، وهي تعود لوالده، وكنا نعلم بانه يقوم بزيارات مستمرة الى كليه العلوم للقاء صديقته وزوجته لاحقا السيدة جهان جعفر علاوي، وكنت اتوقعها رقيقة ومرهفة الحس مثله وكذلك كانت. وعلمت لاحقا انه في العام 1968 كتب قصة قصيرة بالإنكليزية في مجلة كلية بغداد بعنوان نهاية يوم، يصف فيها وبكلمات مختصرة كيف تعرف على جهان في الابتدائية ومن دون ان يذكر اسمها، وهي الوحيدة التي اهتمت بجرح في ركبته في لعبة كرة القدم، وتشعر وانت تقرأ القصة بان كاتبها شخص حساس ولا يشكي همومه الا لنخلة في الكلية تسمع كلماته، وعندما يُنهي حديثه مع النخلة يشعر بان هم كبير قد انزاح عن صدره، والقصة تعكس فعليا جزءا من شخصيته المرهفة.

ومن الامور التي اتذكرها عن جعفر انه في التدريب الصيفي عام 1971 والذي كنا نقوم به كجزء من متطلبات التخرج في العطلة الصيفية، حيث نعمل لشهرين في احدى المؤسسات أو الدوائر الحكومية لنتعرف على اساليب العمل فيها ونكتسب خبرة تفيدنا لما بعد التخرج، ولإعطائنا فكرة عن اماكن العمل المختلفة المستقبلية،  وكان تدريبه في المحطات الكهربائية التابعة لمؤسسة الكهرباء وقتها، واستمتع كثيرا بالخفارات الليلية التي كان يقوم بها في محطه الصافية وهي من المحطات الكهربائية القديمة قبل غلقها، لو كانت تتيح له السهر على نهر دجلة والاستمتاع بهدوء الليل، ويقوم اثنائها بالكتابة والتأمل.

ازداد تقاربنا بعد التخرج وكانت بدايته في تموز عام 1972 بعد تخرجنا مباشرةً، حيث كنا نذهب للقسم لنعرف اخبار الدراسات العليا وامكانية وجود اعمال هندسية بسيطة قد نقوم بها، وخاصة ان الكلية وبعض الدوائر كانت تستعين بأساتذتنا بالطلب منا للقيام ببعض الاعمال الصغيرة، وكذلك نلتقي بزملائنا، وفي احد ايام تموز ذهبت الى القسم مهموما حاملا معي مجله الصياد اللبنانية بعد ان قرأت فيها نعيا في المجلة لكاتبها المميز فارس فارس والذي تبين لي فيما بعد انه الاسم المستعار للشهيد غسان كنفاني القيادي الفلسطيني في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورئيس تحرير مجلة الهدف، بعد اغتياله من قبل الموساد في بيروت حيث تم وضع متفجرات كثيرة في سيارته وتحت مقعد السائق وانفجرت حال تشغيلها واستشهدت معه ابنة اخته لميس. وسألني جعفر عن سبب همي، فأعلمته بالأمر فاندهش هو ايضا لأنه كان من المتابعين لكتابات غسان وفارس فارس ومنها ازدادت علاقاتنا وحواراتنا ونقاشاتنا.

 خلال تلك الفترة كنا نتهيأ للالتحاق بالخدمة العسكرية الالزامية. حيث أعلمني جعفر بانه سيلتحق بالدراسات العليا في القسم، لأنه لا يرغب بالالتحاق بالخدمة العسكرية وهو بحاجة الى الاعتماد على نفسه اقتصاديا ولا يريد ان يكون عالة على اسرته وهم في اشد الحاجة للمال لتصريف امورهم وخاصة ان لديه اخت صغيرة لاتزال في مراحل الدراسة الابتدائية وتحتاج للرعاية وليس لوالده اي راتب تقاعدي علما انه كان مدير عام لشركة اورزدي باك قبل تأميمها وبقي لسنوات بعدها ولكن لم تتم حساب سنوات خدمته السابقة، وكان فرحا لوجود مخرج لحالته المادية. واتذكر حينها انني وجعفر اخذنا اخواتنا عالية من طرفه وأخواتي يسرى ومها وميادة الى احدى مقاهي شارع ابي نؤاس حيث كانت مناسبة احتفالات تموز وإطلاق للألعاب النارية في السماء من منطقه القصر الجمهوري والمقابلة لشارع ابي نؤاس وهي كانت من المرات القليلة التي تحصل فيها مثل هذه الالعاب، وفرحت اخواتنا كثيرا بالأمر، وقد كنا الوحيدين الذين جلبوا فتيات صغيرات للمقهى، وتوطدت العلاقات ما بينهن وقمن بزيارات متبادلة ولفترة طويلة.

التحقنا نحن بالخدمة العسكرية في شهر تشرين اول عام 1972، والتحق جعفر بالدراسات العليا، وكالمعتاد كان جعفر متفوقا بدراسة الماجستير،  ومسرورا بانه سيقوم بالبحث في موضوع جديد في تخصص المكائن الكهربائية وهو المكائن الخطية ومع دكتور قدم حديثا للعراق وهو د. جعفر علوش، ومن سوء حظنا انه لم يتم تسريحنا من الخدمة العسكرية الالزامية بعد اكمالنا السنة الكاملة المقررة للخدمة الالزامية لخريجي الجامعات، لأننا كنا اخر دفعة في الثانوية درست سنتين فقط، وتقرر في العام 1968، جعل دراسة الثانوية 3 سنوات بدلا من سنتين، مما جعل عدد الملتحقين بكلية الهندسة في العام 1969 قليلا جدا وهم فقط ممن رسبوا في الثانوية في العام 1968، اضافة لذلك تقرر ايضا جعل الدراسة في كلية الهندسة خمس سنوات بدلا من اربع، لذلك لم يتخرج الكثيرون من كلية الهندسة في العامين 1973 والعام 1974، مما تسبب في ابقاء جميع خريجي اقسام الهندسة الكهربائية والميكانيكية والمدنية في الخدمة العسكرية لأكثر من سنتين اضافيتين لذلك اصبحت خدمتنا العسكرية نحن خريجي العام 1972 لمدة اربعين شهرا بدلا من اثنا عشر شهراً المقررة رسميا وقد صدر القرار 881 من مجلس قيادة الثورة حينها بمنحنا نحن المهندسين رتبة ملازم مهندس احتياط اعتبارا من 1 تشرين اول عام 1973، ومن المفارقات ان اسم دفعتنا كان دورة الصمود والتصدي، صمودنا نحن المغلوب على امرهم، ومن دون التصدي لاي شيئ سوى سوء ادارة الجيش للمهندسين الموجودين لديها.

كان الجيش بحاجة ماسة للمهندسين في تخصص الكهرباء والميكانيك لإرسالهم الى دورات تدريبية على منظومات الصواريخ الجديدة التي تم التعاقد عليها مع الاتحاد السوفيتي بعد حرب تشرين اول عام 1973، وكانت الدورة تستمر لأكثر من ستة اشهر وفي الاتحاد السوفياتي، ولم يجد القائمون على هذه الدورات سوى ارسال المهندسين تخصص  الكهرباء والميكانيك من الملازمين المهندسين الاحتياط الى الاتحاد السوفياتي، وبقي الكثيرون من زملائنا بالإكراه بالخدمة العسكرية لمدة عشر سنوات، ولم يتم تسريحهم سوى في العام 1982، وهم من التحق بالجيش عام 1972، وكان من المؤمل تسريحهم في العام 1973.

وحينها اخبرني جعفر بانه اتخذ القرار الصحيح بالالتحاق بالدراسات العليا والا كان مثل حالنا لا نستطيع الخروج من الخدمة العسكرية، ومع الاسف وفي اثناء بحثه لإكمال متطلبات الدراسة اكتشف بان مشرفه د. جعفر علوش والذي اصبح رئيسا للقسم كان غير متفرغ للأشراف على البحث ويقوم كل فتره بتغيير متطلبات البحث وغير مستقر على رأي معين، ولقد كانت معاناة جعفر كثيره في البحث ويتمنى لو انه لم يختر هذا المشرف من البداية، واصبحت مشكله جعفر مضاعفه، حيث اسرني بانه سيتطوع في الجيش بسبب الحالة المالية ومسؤوليته في اعانة اهلة، وكنت اعرف معاناته المالية ومحاولته توفير الحياة الكريمة لوالديه، ولأخته الصغيرة والوحيدة عالية وهم كانوا يعيشون حياة مرفهة وخاصة في الاربعينات والخمسينات ويعتبرون من علية القوم في مجتمع بغداد، ولقد حاولت اقناعه بعدم التطوع وايجاد مخرج ما، ولكنه قال ليس لي في الامر حيلة وهذه مسؤوليتي اتجاه عائلتي وخاصه اختي الصغيرة عالية، لذلك تطوع بالجيش والتحق بالكلية الفنية العسكرية الحديثة النشوء بعد حصوله على شهادة الماجستير واكماله المتطلبات اللازمة للتطوع في الجيش.

 وتشاء الصدف ان تعلن الكلية الفنية العسكرية وكذلك الجامعة التكنلوجية عن بعثات عديدة خارج العراق لإكمال الدراسات العليا في تخصصات كهربائية مختلفة، فقدمت عليهما وحصلت على مقعد لدراسة  الدكتوراه في كلتيهما، وانا لا ازال في الخدمة العسكرية، وبسبب قبولي في بعثات الكلية الفنية العسكرية، طلبت الكلية  نهاية العام 1975 بنقلي من وحدتي العسكرية وهي مركز التدريب المهني للاسلكي والرادار والتي مركزها في التاجي، الى الكلية الفنية العسكرية والواقعة في معسكر الرشيد، لألتقي مع جعفر من جديد في الكلية الفنية وفي نفس قسم الكهرباء، انا كملازم مهندس احتياط وهو كملازم اول مهندس، وكانت من الفترات الجميلة التي قضيتها في الجيش.

ولم يكن جعفر يأخذ اعتبارا للرتب العسكرية لان المهم لديه كان العلم والتعليم، وكان رحمه الله محبوبا من الجميع من طلبة الكلية ومن منتسبيها وخاصة من المراتب الادنى مثل نواب الضباط، فهو لم يكن متعاليا او يحاول فرض نفسه كضابط على المراتب العسكرية في الكلية، ففي كثير من الاحيان عندما كنا نسير معا او نجلس في مطعم الضباط، يقوم الجنود او المراتب بأداء التحية العسكرية له، وكان كثيرا ما ينسى ان يرد على تحيتهم، فاذكره بضرورة رد التحية العسكرية، فيجيب ضاحكا طيب رد التحية مكاني فاخبره بان هذه عسكرية ويمكن ان يعاقبوني اذا رددت التحية بدلا عنه، فيرد: يله مشيها، وكانت علاقته مع الجميع ممتازة واخوية وكان الجميع يمتدحونه لأخلاقه العالية وتصرفاته الانسانية.

وفي تلك الفترة كان معظم التدريسيين في الكلية من الأساتذة المصريين والذين تم التعاقد معهم للتدريس بالكلية الفنية العسكرية، وبسبب عدم استكمال المختبرات اللازمة في الكلية الفنية تم الاتفاق مع كليه الهندسة في جامعة بغداد على ارسال طلبة الكلية والاساتذة مدرسي المادة مع المدرسين المساعدين والمعيدين الى مختبرات الهندسة، وكان نصيبي مختبر الالكترونيك مع د مختار صادق، ونصيب جعفر مختبر المكائن الكهربائية مع د محمود صالح، وكنا نذهب مرتين بالأسبوع للمختبرات سوية، وكانت تلك الزيارات للكلية من اسعد اللحظات لطلبة الكلية، للانتقال من جو العسكرية المتشدد الى اجواء الجامعة المدنية حيث الاختلاط بين الطلبة والطالبات، وكنت اشاهد السعادة على اوجه الطلبة، والسعادة في وجه جعفر لسعادة طلابه، وكان يتسامح مع الطلبة عند خروجهم خارج المختبرات للتمتع بأجواء الكلية.

وتوطدت علاقاتنا انا وجعفر بالأساتذة المصريين وخاصه د محمود صالح الطيب الذكر، وكان هنالك تزاور عائلي وسفرات قمنا بها مع د محمود وعائلته، ولكن بقيت علاقتي شخصيه مع جعفر ومن دون زيارات لوالده او والدته لأنني كنت ارى ان هنالك حاجزا عمريا بيني وبين والديه واشعر بعدم رغبة جعفر للخوض في علاقات مع اسرته لذلك كنت احترم هذه الرغبات، عدا ما كنا نلقاهم على باب الدار عند زيارتي لجعفر، لكن د محمود و بحكم عمره الكبير ومحاولته التعرف على العوائل العراقية، استطاع القيام بزيارات اسرية عديدة لعائله جعفر واخبرني في احد المرات ان جد جعفر كان من اوائل رؤساء الوزارات في الاردن حسب ما عرف من والد جعفر، وكانت مفاجئة كبيرة لي، لان جعفر لم يتطرق لهذا الامر مطلقا، علما هنالك اخرين كانوا مستعدين لرفع الرايات لو كان احد من اجدادهم او ابائهم وزيرا او مسؤولا كبير لدى الدولة العثمانية او العراقية لاحقا، ولم اقم بسؤاله عن هذا الامر، احتراما لخصوصية الموضوع وعدم احراج جعفر بأسئلة قد لا يود الاجابة عنها، وفي هذا الاثناء ارسل عميد الكلية الفنية العسكرية في طلبي، وطلب مني التطوع في الجيش لكي يتم استكمال متطلبات ابتعاثي للخارج، فأخبرته بانني سأتطوع في انكلترا بعد ارسالي بالبعثة ولم يكن من شروط الابتعاث التطوع في الجيش، ولكن عميد الكلية اخبرني بان البعثة سوف لن تكون متاحة لي اذا لم اتطوع بالجيش، واعطاني مهلة اسبوعين للتفكير بذلك، وكنت افكر بانني وجعفر لم ننتم لحزب البعث الحاكم ولا نود بذلك، وكان من المفترض ان يكون جعفر اول المبعوثين ولكن وبسبب عدم انتمائه لحزب البعث لم يرشح للبعثة، وخشيت باني ان تطوعت بالجيش ولم انتم للحزب فمن المحتمل ان تُلغى بعثتي، وابقى محصورا بالجيش ومن دون اتاحة الفرصة لي لإكمال دراستي العليا، وتباحثت الامر مع جعفر واخبرته بالأمر، فاستحسن رأيي، ولم يعلق بشيئ حول بعثته للدكتوراه، لذلك اخبرت عميد الكلية بانني لا استطيع التطوع بالجيش لأنه لم يكن من الشروط المطلوبة عند التقديم للبعثة، عندئذ طلب مني التقديم بطلب الى وزير الدفاع بإلغاء بعثتي الخاصة بالكلية الفنية العسكرية، وهذا ما حصل وتم اعادتي لوحدتي العسكرية السابقة.

ولقد اخبرني بعض زملائنا ممن عملوا مع جعفر في الكلية الفنية العسكرية، كيف ان جعفر قد نصب جميع اجهزة مختبرات المكائن الكهربائية لوحده، وكان يدخل المختبر، ويقوم بنزع رتبته العسكرية ليقوم بمد الاسلاك وربطها بالمكائن المختلفة وحسب التعليمات الموجودة في الكتلوكات العديدة ومن دون طلب مساعدة احد، وبقي على هذا المنوال لأشهر حتى اكمل بناء عدد من مختبرات قسم الكهرباء، على الرغم من حرمانه من البعثة الى خارج العراق لاستكمال شهادة الدكتوراه وهو احق واحد بهذه البعثات لأنه الاول على القسم والثاني على الكلية ولديه ماجستير، ومع ذلك هو محروم من البعثة كونه غير منتم لحزب البعث، ولم اشاهده يتذمر من الامر.

واثناء ذلك تداولت مع جعفر بأمور كثيرة، فأخبرني انه ولوجود حاجه ماسه لعائلته للنقود لمصاريفهم اليومية فكر في عرض سرج خاص للخيل كانت لوالده وهي من مقتنياته عندما كان مديرا لشركة سباق المنصور قبل تموز 1958، للبيع عند أحد التجار، وخاصة انهم ليسوا في حاجة لها، ومكانهم الجديد لا يسع الكثير من المقتنيات. وسمع بذلك سعدون شاكر وزير الداخلية حينها، فارسل في طلب جعفر واعلمه برغبته بشراء السرج، وكان جعفر خائفا بالبداية حول استقدامه لوزارة الداخلية، ولكنه شاهد الوزير بشوشا معه واستفسر عن السرج والمبلغ المطلوب فكان جواب جعفر انه يطلب المبلغ الذي طلبه منذ البداية وهو مائة دينار حسبما اتذكر، ووافق سعدون شاكر على العرض، وطلب من جعفر ان كان لديه امر ما يمكنه مساعدته فيها، فاخبره جعفر بحرمان والده من التقاعد، خاصة انه خدم كمدير لاورزدي باك منذ تأسيس الشركة ولما بعد التأميم، ولكن لم تحسب جميع الفترة كخدمة تقاعدية له، لذلك حرم من التقاعد، ووعده سعدون شاكر خيرا بالأمر، وفعلاً، صدر مرسوم جمهوري لاحقا بمنح والد جعفر راتبا تقاعديا شخصيا مقداره  150 دينار شهريا. وبعد وفاة والد جعفر، توقف صرفه، إذ تبين أن الراتب التقاعدي الشخصي لا يورّث، فعلمت حينها مقدار العسر المالي الذي كانوا يعانونه والصعوبات التي كان يواجهها ومن دون ان يتذمر.

وبعد التسريح من الجيش والتحاقي بالبعثة الخاصة بالجامعة التكنلوجية في تموز 1976 ودعت جعفر، واثناء ذلك تزوج جعفر من  صديقة العمر جهان جعفر علاوي، واثناء بعثتي وزواجي انا ايضا قمت بزيارته في بيت اسرة زوجته في المنصور شارع الاميرات حيث كان يسكن مع اهل زوجته، وتحادثنا في امور كثيرة، لكنه لم يتطرق الى سبب عدم حصوله على البعثة لحينها، وعدت للجامعة التكنلوجية في نهاية عام 1981 بعد اكمال دراستي العليا، وقام جعفر مع زوجته وابنه البكر عباس بزيارتنا في بيت عمي وكانت هذه اول مرة واخر مرة اشاهد فيها عباس هذا الطفل الهادئ والودوع والمؤدب جدا والذي كان نسخة عن والده ووالدته.

انشغلت في اول سنه بعد رجوعي من البعثة بالمحاضرات وكذلك بمرض عمي، والد زوجتي نهال، بحالة مرضية خاصة في الحبل الشوكي، لم يستطع الاطباء تشخيصها في بدء الامر، لذلك نصحوا بعلاجه في الخارج، واستطعنا الحصول على موافقة الدولة على تسفيره لإنكلترا للعلاج وكنت مرافقا له اثناء العطلة الصيفية عام 1982، وخلالها علمت بان جعفر قد حصل على بعثه للدكتوراه اخيرا، وباشر بالدراسة في الكلية الامبراطورية في لندن، والتقيت مع جعفر في لندن حينها وتباحثنا في امور الحياة، واخبرني بان عميد الكلية الفنية العسكرية ارسل في طلبه نهاية العام 1980، وقال لجعفر انه يعرف مدى اخلاص وتفاني جعفر في عمله، ويعرف ظروف جعفر وسبب عدم ارساله للبعثة، لأنه ليس بعثيا، واخبره بان المنظمة الحزبية في الكلية الفنية كانت ترفض ارساله للبعثة لأنه غير بعثي ويرفض الانتماء للحزب، وان جعفر قد لن يعود للعراق بعد اكماله الدراسة. ولكن عميد الكلية الفنية العسكرية أخبر جعفر بانه قرر ارسال جعفر بالبعثة وعلى مسؤوليته الخاصة ان وعده جعفر بالعودة بعد اكماله الدراسة، فوعده جعفر خيرا وقال بانه سيحاول اكمال الدراسة في الثلاث سنوات المقررة وحتى من دون تمديد، ثم أخبرني جعفر بانه ملتزم بهذا الوعد وسيحاول اكمال الدراسة في أقرب وقت، حتى يفي بوعده لأمر الكلية، وفعلا وفى بوعده وعاد بعد ثلاث سنوات.

في حين ان بعض المبعوثين البعثيين، لم يعودوا للعراق بعد اكمالهم للدراسة، ولأنهم ضباط ويُعتبرون فارين من الجيش فلقد صدرت احكام بالإعدام غيابيا بحقهم، والمهزلة الكبرى، ان هؤلاء الضباط الفارين من الجيش قاموا بعد 2003 بتقديم طلبات باعتبارهم معارضين للنظام، وحصلوا على تعويض وترفيع في الجيش وعلى راتب تقاعدي عالي، على خيانتهم للمهمة التي اوكلوا بها وهي الحصول على الشهادة العليا وبدلا من ذلك فروا من الجيش ولم يعودوا للتدريس في الكلية الفنية العسكرية، لخدمة العراق والتعليم العالي.

وأخبرني في تلك الزيارة بانه اجر منزلا متواضعا ورخيصا في منطقة بتني اللندنية، حتى لا يكلف الكلية الفنية مصاريف اضافية، علما بان الكلية الفنية العسكرية كانت تدفع سكن الطلبة العسكريين بالكامل ومهما تكن قيمة الايجار، وكنت اعرف الكثيرين من الضباط العسكريين المبتعثين اشتروا بيوتا باسم زوجاتهم او اولادهم او أحد معارفهم وقاموا بتأجيرها لأنفسهم بمبالغ كبيرة، وذكر جعفر بان زوجته اشترت ماكنة للخياطة لتقوم بخياطة بعض ملابس اولاده وتصليحها لتوفير المصاريف، وكان اثناء ذلك قد رزق بابنه الثاني عمار.

 وعندما اخبرته لِمَ لم يحول عن طريق البنك المركزي العراقي كامل المبلغ المخصص له وللعائلة، أخبرني بانه لم يكن يمتلك كامل المبلغ، لذا حول جزءا يسيرا من استحقاقه وحسب ما متوفر لديه، عندئذ قلت له لِم لَم تستلف من عمك والد زوجتك، وهو متمكن ومقاول مشهور وصاحب مكتب استشاري كبير، او حتى منا نحن اصدقائه، قال لي: ان اخلاقي وطباعي لا تسمح بذلك، واريد ان اعتمد على نفسي بكل شيئ.

وذكر جعفر بان معظم راتبه يُصرف قبل نهاية الشهر ولا يوجد لديه ما يكفي ليمكنه من دفع الايجار في نهاية الشهر، ويتأخر تحويل الراتب في بعض الاحيان فيضطر للذهاب الى محاسب القنصلية العسكرية للاستفسار عن سبب تأخير التحويل وخاصة ان بناية السفارة كانت مقابل الكلية التي يدرس فيها في لندن، فيخبره المحاسب وهو نائب ضابط: سيدي انت اول طالب بعثه اشوف ايجار بيته قليل جدا وراتبه لا يكفي لنهاية الشهر. ولكن جعفر كان سعيدا بذلك، لاعتماده على نفسه بالكامل، واعتقد ان أحد الاسباب لذلك، هو لقيامه بتحويل جزء من مرتبه للعراق لإعالة عائلته وخاصة ان عالية شقيقته كانت في بداية دخولها للجامعة، ولا يريد لها ان تكون اقل شأنا من الاخريات، اضافة لذلك لالتحاق زوجته السيدة جهان بدراسة الماجستير في الرياضيات، والدراسة الخاصة تكون مكلفة للأجانب.

ومع ذلك فالأقدار تلعب بالناس، فبعد فتره قصيرة اصابت ابنه البكر عباس حمى غريبة، اضطر معه ادخال عباس للمستشفى في لندن على عجل، ولم يستطع الاطباء تشخيص الحالة فتوفي عباس بعدها بأيام لأصابته بفايرس او بكتريا نادرة الوجود، واصابت الحالة زوجته جهان باكتئاب شديد واثرت عليهم كثيرا، وقد علمت بالأمر لاحقا عن طريق د محمود صالح والذي بقي على اتصال مع جعفر، حيث قدم د محمود مرة اخرى للعراق ولكن هذه المرة كخبير للطاقة في الاسكوا التابعة للأمم المتحدة وكان مقرها حينئذ بغداد، وبقي تأثير وفاة عباس على جعفر وزوجته كثيرا، وكان يتحدث عن عباس وخسارته اياه وخاصة عندما يلتقي بأصدقائه، وقد اثر هذا عليه كثيرا.

ومع ذلك أكمل جعفر دراسته للدكتوراه وفي المدة المحددة ولم يطلب اي تمديد للبعثة. وعاد للكلية الفنية العسكرية تنفيذا للوعد الذي قطعه لعميد الكلية، واصبحنا نلتقي من جديد وخاصه عندما يحضر للجامعة التكنلوجية لإلقاء محاضرات على طلبه الدراسات العليا او مناقشه رسائل طلبة الدراسات العليا، وكان يقول لي: شفت مهند ما الفرق بيني و بينك، الاثنين محصورين بالعراق ولا نستطيع الخروج، بالعكس انا راتبي اعلى، لان رواتب وامتيازات العسكريين اعلى من رواتبنا بكثير، طبعا لم يكن لدي جواب سهل اجيبه فيها، ولان تخصصنا الدقيق كان مختلفا لم يتسن لي ان اشاركه في اي من مناقشات طلبة الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، ولكن جميع من التقيت من الاساتذة بتخصصه، كان يشيدون بحرصه الشديد على المناقشة الجادة والعلمية للطلبة، وتقديره الكبير للمتميزين منهم .

واسرَّني في احدى الاوقات، بان هنالك ضغوط كبيرة عليه للانتماء لحزب البعث ولكنه يرفض ذلك وخاصة انه الآن اكمل دراسة الدكتوراه وهم يحتاجونه في الكلية وهو لا يحتاجهم، واخبرني ذات مرة، ان احد زملائه من التدريسيين في الكلية، ولكنه رفض اخباري من يكون، كان يحاول جهده لكي ينتمي لحزب البعث، ولكنه كان يرده باستمرار ويطلب منه عدم فتح هذا الموضوع مرة اخرى، وجاء نفس هذا الشخص اليه في احد الايام و اخبره بان الخلية الحزبية في الكلية تناقش وضع جعفر باستمرار وكيف يمكن اقناعه بالانتماء للحزب، وطلب هذا الشخص من جعفر بانه ان انضم في احد الايام للحزب، فهو يرجوه ان يكتب في استمارة الانضمام بانه، اي هذا التدريسي،  قد اقنعه بالانضمام لكي يحصل على ترقية حزبية، ثم قال جعفر لي: لم استطع ان ارد عليه باي شيئ و نظرت اليه باحتقار وقلت لنفسي، والقول هنا لجعفر، لم انتم للحزب وانحرمت من البعثة سنوات والان تريدني ان انتمى لكي تحصل على ترقية حزبية.

وبقينا نلتقي باستمرار وخاصة في الجامعة التكنلوجية عند حضوره لإلقاء المحاضرات على طلبة الدراسات العليا او عند مناقشة أطاريح طلبة الدراسات العليا في قسم الكهرباء، ونتناقش بأمور الحياة المختلفة، وبعد الانسحاب من الكويت والبدء بتقليص الجيش العراقي، طلبت الكلية الفنية العسكرية من منتسبيها ذوي الشهادات العليا ان يكتبوا في استمارات وزعت عليهم، ان كانوا يرغبون بالاستمرار في الخدمة في الجيش، او الاستقالة، فكتب جعفر وزميل اخر له بانهم يرغبون بالاستقالة، وكتب اخرون بانهم يودون البقاء، وقال لي جعفر: ان المهزلة كانت انهم ابقوا من كان يود الاستقالة، واقالوا من كان يود الاستمرار بالخدمة ومن ضمن من اقيل، ذلك التدريسي الذي اشرت له سابقا.

 واثناء ذلك كانت حاله زوجته النفسية في تدهور، ويبدو انها لم تستطع ان تتحمل الضغوط النفسية للحرب اضافه لفقدانها ابنهم العزيز عباس، لذلك سافرت مع ابنها الاخر عمار الى لندن للراحة والعلاج، وخاصة ان لها اخوة يعيشون في لندن.

في تلك الفترة تركت العراق متوجها للأردن للتدريس في جامعاتها بعد الحصار الجائر في العام  1991، وخلال ذلك وبسبب الضغوط النفسية الهائلة على جعفر وسفر زوجته انتقل للعيش في الشقق السكنية التابعة للأساتذة الجامعيين في شارع حيفا، وبدأت احواله النفسية بالتدهور وبدأ يهمل نفسه وهندامه حتى في الكلية ، وكان يحاول السفر للقاء اسرته في لندن، لكن لم يستطع ذلك ورفضت الكلية الفنية العسكرية طلبه بالاستقالة او السماح له بإعطائه اجازة خارج العراق، وقد اوصلت له رساله عن طريق احد الاصدقاء لأخبره بإمكانيه تدبير سفر غير قانوني له عن طريق كردستان اذا اراد ذلك، لكنه رفض ذلك واصر ان تكون مغادرته للعراق بالطرق القانونية، وبعدها سمعنا بانه كان يجلس لساعات يستمع للسمفونيات في شقته في شارع حيفا بصوت عالي، وبدأ يمزق اوراقه العلمية ويرميها من شباك العمارة الى الخارج، ومن دون ان تقوم الكلية الفنية العسكرية ممثلة بعميدها وبمسؤوليها باي اجراء لمعرفة حالته النفسية ومحاوله علاجه، الى ان وصل الحال به بإقدامه على الانتحار في الشقة، وقام زملاؤه في الكلية الفنية العسكرية بنصب مجلس عزاء له في مبنى الشباب المسلمين في المنصور، وحضره غالبية زملائه وطلبته.

وحصل ان التقيت في عمان في منتصف التسعينات مع والدة جعفر السيدة رباح الركابي مع ابنتها عالية، وسلمت عليهما، وذكرت عالية لامها باني أحد اصدقاء جعفر المقربين، فقبلتني وقالت: شوف ايش سوى بينه جعفر، عافنه وتركني وحدي.

ثم علمت لاحقا عندما كنت اعمل في الرياض بان عالية موجودة ايضا في الرياض وهي متزوجه وتعمل في السفارة الامريكية، فقمت بزيارتها واستذكرنا قسم من الايام الخوالي ولم نتطرق كثيرا لأحوال جعفر لحساسية الموقف، وحاولت قبل أشهر ان اجمع بعض المواضيع عن جعفر وعائلته الكريمة لأكتب هذه الاسطر، استذكارا له وتقديرا لقيمه العليا ومثاليته.

علمت بان جده السيد علي رضا باشا الركابي 1868- 1942، ولد في دمشق و كان اول رئيس وزراء في سوريا في حكم الامير فيصل القصيرة في اذار 1920 والذي اطاح به الفرنسيون بعد معركه ميسلون، ثم شكل رابع حكومة فيما كان يسمى امارة شرق الاردن في 10 اذار 1922 بعد استقالة مظهر ارسلان، ثم دعي مره اخرى لتشكيل الوزارة السابعة في 3 ايار وبقي لغايه 25 حزيران 1926، و كان يدعم الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي سرا، لذلك لم يستطع العودة لسوريا بعد استقالته، وبقي في القدس، وعاد لسوريا بعد صدور العفو العام، واعتزل العمل السياسي بعد وفاة الملك فيصل الاول في العراق، و انقطع عن الناس و توفي في 25 ايار 1942 بعد معاناة من المرض واصيب بالشلل في اواخر حياته، وكان قد تسلم سابقا قيادة الجيش العثماني في البصرة وبغداد.

اما والد جعفر السيد علي حيدر الركابي فلقد أكمل دراسته في كلية الحقوق بدمشق وكان أول قدومه للعراق سنة 1935 في عهد الملك غازي. عمل مدرسا في المتوسطة الغربية ثم في دار المعلمين الريفية إلى العام 1941. عاد بعدها إلى دمشق وعُيّن مديرا لديوان وزارة الخارجية السورية. غادر سوريا ليستقر في العراق سنة 1947، فتوظف في البلاط الملكي. ثم عمل مديرا لشركة المنصور لسباق الخيل ومشروع تطوير منطقة المنصور، وكذلك مديرا لنادي المنصور. استمر في ذلك حتى 14 تموز 1958، وجرى اعتقاله في مساء نفس اليوم، وأطلق سراحه في حزيران 1959.

وأسست مجموعة من رجال الأعمال شركة المخازن العراقية، فاشترت محلات أوروزدي باك وانتُخِب المرحوم منذر نوري فتاح رئيسا لمجلس إدارة الشركة. وجرى تعيين السيد علي حيدر الركابي مديرا للشركة، واستمر في ذلك العمل بعد تأميم الشركات وإلى أيلول 1968، حين قامت الحكومة البعثية الجديدة بإحالته على التقاعد بدون راتب تقاعدي، الى ان قام سعدون شاكر باستحصال تقاعد خاص له كما أسلفنا سابقا. وكان اول من ترجم في عام 1946 كتاب يقظة العرب والتي صدرت عام 1939 بالإنكليزية في لندن.

اما والدة جعفر السيدة رباح الركابي فهي كانت ناشطه اجتماعيه ومدرسة فاضلة، وقد قام النحات والرسام المشهور جواد سليم برسم لوحه لها ذكرها جبرا ابراهيم جبرا في مذكراته شارع الاميرات، وهي الان محفوظه لدى ابنتها السيدة عالية الركابي. وحاولت معرفه معلومات اضافيه عن اسرة جعفر، فلم استطع معرفه ذلك الا بصورة غير مباشرة عن طريق اللوحة حيث كتبت الروائية السيدة انعام كجه جي مقالتين حول الموضوع اولاهما عام 1997 بعد وفاة السيدة رباح بعنوان حكاية امرأة ولوحة، والاخرى بعنوان لوحة رباح، ومنها عرفت ان حسين اخو جعفر يعيش الآن في ملبورن استراليا، وشقيقته عالية تعيش في امريكا، و كذلك علمت ان زوجته السيدة جهان و ابنهما عمار يعيشان في لندن، ولا يسعني الا ان اشكر السيدة انعام كجه جي، لقيامها بإيصال ملاحظات قيمة لي من المهندس حسين علي حيدر الركابي شقيق جعفر.

ورأيت ان من واجبي كزميل وصديق للمرحوم جعفر الركابي، والذي يحتم على فيه ان اتذكره ولو بأسطر قليلة لا توفيه حقه، فهذا الانسان الراقي والحساس والذي خدم بلده العراق بكل اخلاص، وتخرج على يديه مجموعة كبيرة من مهندسي العراق عسكريين ومدنيين، غاب عنا بسرعه ولا اريد ان تنمحي صورته وذكراه عن اصدقائه وزملائه وطلبته، ولن ننسى نحن اصدقائه ذلك الانسان المخلص والمجتهد والذي كان وفيا ومخلصا لوطنه ومهنته.

مهند محمد صبري البياتي

أكاديمي مقيم في الامارات