في يوم الحادي عشر من كانون الأول يكون قد مرت عشر سنوات على رحيل ملازم فائز...
افتقدناك كثيرا افتقدنا ابتسامتك، غادرتنا دون استئذان ولا وداع، افتقدنا سهراتك ونكاتك الحلوة والبسمة التي تعلو وجهك، افتقدنا مزاحك الجميل أيها الوديع وأنت ترسم على وجوهنا البسمة والسرور، عشنا الصعاب معا وتحملنا الكثير، فكنت ذلك المناضل الشيوعي الدؤوب الذي لا يعرف التراجع.
كانت حياتك قصيرة لكنها أثيرة، فقد خطيت فيها حروفا باهرة ورسمت لوحة زاهية جميلة ومآثر سيذكرها شعبنا يوما باعتزاز.
لم تكن حياة رفيقنا سلام جليل ابراهيم (ملازم فائز) هادئة فحاله حال عوائل المناضلين من أجل وطن حر وشعب سعيد. ولد في 9/7/1955 في الكوت وهو الأبن الأكبر للعائلة، توجهت عائلته بعد سنة من ولادته الى بغداد تجنبا لمطاردة السلطات لأبيه، وبعد انقلاب شباط الأسود العام 1963 توالت مداهمات الحرس القومي على بيتهم بغية إلقاء القبض على خالته الفنانة الرائدة زينب ووالده، فاضطرت عائلته إلى التخفي، بعدها تم ترحيله وشقيقاته إلى الكوت حيث عماته وأعمامه، ومن ثم رحلوا إلى البصرة، حتى انقلاب تشرين 1963 حيث عادوا إلى بغداد، وظلت العائلة تنتقل من مكان إلى آخر بسبب ملاحقات رجال الأمن.
لم يكن الراحل مولعاً بالدراسة، لكنه لا يتوانى عن مساعدة الآخرين، فتراه في مقدمة المبادرين لإسعاف ومساعدة أي إنسان، فكان محبوبا من الجميع، شجاعا، يحب رياضة بناء الأجسام، ورغب في التطوع في سلك الجيش تهربا من الدراسة إلا أن العائلة لم توافق بسبب عقائدية الجيش وانغلاقه على المنتمين لحزب البعث، عندها استمر بدراسته، وانخرط خلالها في صفوف اتحاد الشبيبة الديمقراطية ومن ثم في صفوف الحزب الشيوعي، وأكمل الاعدادية، وتم قبوله في قسم اللغة العربية /كلية الآداب / جامعة صلاح الدين في السليمانية، ولكنه لم يكمل دراسته الجامعية بسبب ملاحقة رجال الأمن وخلايا حزب البعث له، فأضطر للسفر إلى سوريا صيف عام 1978 وانقطعت أخباره عن عائلته حتى خريف 1980 حيث وصلتهم رسالة منه تطمئنهم عن وضعه، وظلت السلطات تلاحق عائلته، مما أجبر أحد إخوانه على التخفي.
سافر الى اليمن الديمقراطية آنذاك، وأكمل دورة الكلية العسكرية ليتخرج سنة 1982 ضابطا محققا حلمه، ثم عاد الى الوطن تلبية لنداء الحزب في الكفاح المسلح ضد النظام الدكتاتوري.
التقيته في كردستان وعايشته هناك حيث كان مع رفاقه وأبناء شعبه الغيارى من عربٍ وكرد وتركمان وإيزيديين وكلدان وسريان وآشوريين ومن كافة الأديان والقوميات، كل تلك الألوان البهية التي تمثل طيفا واحدا هو الطيف العراقي، مكملاً مسيرته من أجل المبادئ التي تربينا عليها وعملنا من أجلها، كان نموذجا للمقاتل الباسل من أجل تلك القيم.
في عام 1983 وردت لعائلته دعوة منه لزيارته في كردستان فذهبت والدته وشقيقتاه الكبرى والوسطى للقائه مع شقيقه هناك ولم تكن رحلة آمنة لكن الشوق إليهما كان أقوى من الخوف، وكان لقاءً عاصفا.
لم يكف رجال الأمن والبعثيين من ملاحقة العائلة التي استمرت بالتنقل من دار إلى أخرى، وعند استحداث مكتب المعلومات من قبل الداخلية العراقية اضطرت العائلة عدم ذكر أسماء ولديها (الملتحقين بصفوف الأنصار) في سجل المعلومات.
لقد تحمل ملازم فائز في إحدى المرات المرض الشديد وسط ظروف صعبة من الجوع والمعاناة والعذابات والحرمانات والتضحية، وبقي مصراً على الاستمرار في النضال، ويستذكر الأنصار مواقفه البطولية في العديد من المواقف منها في حصاروست، وكم كان دوره متميزاً بالتنظيم والعلاقات الرفاقية وبالبطولة والتضحية، وغيرها من المواقف الأخرى التي لا تعد.
بعد حملات الأنفال السيئة الصيت للنظام الفاشي غادر كردستان ووصل سوريا بعد معاناة كبيرة، وكان له دور جميل في لمّ الرفاق من حوله وزرع الفرح بين صفوفهم، ومن ثم أستقر به المطاف في السويد وبقرب خالته الفنانة زينب، وأرسل سنة 1993 رسالة ليطمئن عائلته عن وضعه وأخبرهم بزواجه وأنه رزق بولد، فكان فرحهم كبيراً بذلك. وبعد وفاة الفنانة زينب بفترة أنتقل من يوتوبوري الى ستوكهولم، وفيها، فكانت أواصر العلاقة الرفاقية والصداقية أكثر عمقاً وقرباً لحين رحيله المفاجئ.
استمرت الملاحقات لعائلته حتى سقوط النظام الدكتاتوري سنة 2003، وزار الفقيد العراق لأول مرة بعد السقوط في حزيران 2004 والتقى أقاربه بعد قطيعة دامت 26 عاما، كان راغباً بأن يحصل على هوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية واستلمهما في زيارته الأخيرة في شهر تشرين الثاني من عام 2010 ثم عاد للسويد وودع عائلته قائلا ((اهتموا بأنفسكم ونبقى على تواصل فلا أعلم هل سألقاكم مرة أخرى أم لا))، وكأنه تنبأ بالفراق الأبدي ورحل وذكراه تعيش مع من أحبوه وأحبهم.
رحل ملازم فائز في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول 2010، غادرنا بشكل مفاجئ تاركا غصة في قلوبنا وقلوب عائلته زوجته وولديه نزار وعادل.
رفيقي "سلام" أنك في الذاكرة والقلب وأهلك ورفاقك لا يصدقون أنك لم تعد في الوجود، ونحن القريبين منك نشعر بذلك أيضا حتى عند وقوفنا عند قبرك، هل حقا أنك مسجيٌ هنا...؟، لا لأنك في قلوبنا دوما ولم تعد مجرد ذكرى، نم قرير العين وستبقى ذكراك العطرة وسيرة حياتك في عقول وأفئدة جميع محبيك.
رفيقك أبو صمود