نأمل ألا يأتي الحل في “الساعة الخامسة والعشرين”، لأن الذين يعيشون على هامش الحياة، سيكونون قد نقلوا للعالم، الحقائق المرّة، عمّا يعيشونه من واقع بائس، لا تزال تفرضه قوى “ريعية”، بدت عاجزة عن تدارك تداعيات الازمات الراهنة، التي تقاسيها البلاد والعباد.
واحتشد، يوم الثلاثاء، المئات من العاملين في وزارة الكهرباء، بصفة عقود وأجور يومية، أمام مبنى وزارة المالية، للمطالبة باستحقاقهم المالي المتوقف منذ أكثر من ثمانية أشهر.
ونصب المحتجون عوارض لقطع طريق قرب مقر الوزارة، فيما تم التصادم مع القوات الامنية، امام مبنى الوزارة، ما اسفر عن وقوع جرحى.
وفي مقابل ذلك، لا تزال اللجان النيابية المعنية، تواصل سلسلة الاجتماعات لغرض تشريع قانون الاقتراض المحلي “خلال أسبوع أو أسبوعين”، هكذا تخمن. بينما تكون الاسواق المحلية قد دخلت مرحلة الركود، لأن عمليات البيع والشراء شبه متوقفة، بسبب الازمة المالية.
وبحسب تقديرات الاقتصاديين، فان الجهاز الحكومي المتضخم في البلاد يمثل ما يقرب من %74 من الإنفاق التقديري في العام 2020. ويستورد العراق كل ما يحتاجه، تقريبا، من الأدوية ونسب عالية من المواد الغذائية.
وتوقّع البنك الدولي، في وقت سابق، انكماش الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة %9.7 هذا العام، متراجعا عن نسبة النمو الإيجابية البالغة %4.4 المسجلة العام الماضي، وهي أساسا واردات نفط خام، مما يعني تسجيل أسوأ أداء سنوي منذ 2003.
وتدفع الحكومة شهريا، رواتب لأكثر من 7 ملايين شخص. تشمل الموظفين والمتقاعدين والسجناء السياسيين والشهداء والرعاية الاجتماعية (3.75 ملايين موظف، و3.7 ملايين متقاعد، و1.5 مليون من ذوي الرعاية الاجتماعية)، والذين تبلغ كلفة رواتبهم 62 مليار دولار، سنويا، بحسب نواب.

بدائل حكومية “مقلقة

وحتى الان، يقوم مجلس النواب، بتأجيل التصويت على قانون الاقتراض، بسبب تراكم الديون الداخلية والخارجية وفوائدها، والبالغة 41 تريليون دينار، لكن الحكومة ألمحت الى انها تملك “بدائل”. يعتقد اقتصاديون أنها تقصد “الادخار الإجباري”، أو “خفض سعر صرف الدينار” أو “توظيف مدخرات المواطنين وحثهم على توظيف أموالهم في البنوك للحصول على سيولة”، أو “الاستقطاع”، أو “السحب من الاحتياط النقدي للبنك المركزي”. وكلاها لا ينعش الموظف.
ويعقب أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، على احتمالية توجه الحكومة نحو التلاعب بسعر الصرف إلى ألفي دينار للدولار الواحد، قائلا انه “سيوفر لها نحو 15 تريليون دينار (12.5 مليار دولار) شهريا”، مردفا “لكن انعكاسات ذلك ستظهر جلية على العراقيين الذين ستتضاءل قيمة أجورهم بنحو %60.
ويضيف المشهداني، أن “العراقيين سيواجهون ارتفاع أسعار السلع المستوردة التي تشكل %90 من مشترياتهم” في حال اختارت الحكومة هذا الحل.

ما العمل؟

يقول وزير المالية علي علاوي، ان الإيرادات الحالية للحكومة، في ظل انخفاض أسعار النفط والتزام العراق بقرارات أوبك المتعلقة بتخفيض الإنتاج النفطي، غير كافية لمواجهة النفقات الجارية للحكومة. وان حكومته أمام خيار واحد: اللجوء إلى قروض قصيرة الأجل من البنوك الحكومية، والتي سيتم خصمها بعد ذلك من البنك المركزي، علما أن رصيده في تناقص متواصل.
ويردف علاوي، ان الحكومة لا تسعى إلى زيادة الدين العام إلا إذا كان ذلك ضرورياً، وتكون خدمتها مستدامة، مضيفا أن “مديونية العراق في الوقت الحاضر ليست مفرطة مقارنة بحجم اقتصاده”.
لكن خطاب الضامن، مراقب اقتصادي، يرى في استمرار الاقتراض، انزلاقا نحو “الإفلاس”، مذكرا هنا بسيناريو لبنان.
ويذكر الضامن، ان ديون العراق السابقة الخارجية والداخلية، تبلغ 130 مليار دولار.

خطوات “إصلاحية

وأمام هذا المأزق، يطرح عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، النائب جمال كوجر، خمس نقاط، قال انها “إصلاحات” للوضع الراهن.
ويبيّن كوجر، ان أول تلك الاصلاحات تتمثل في “إعادة هيكلة النظام الاقتصادي”، ومن بعدها تعمل الحكومة على “إيقاف نزيف الفساد والهدر، العمل على أن تكون كل الموارد للدولة وليس لجهات أخرى، تعظيم موارد الدولة عبر تطويرها وتنميتها. وأخيراً، توفير البيئة الآمنة لجذب الاستثمار الأجنبي لأن موازنات العراق لا تكفي لتغطية الموازنة الاستثمارية”.
ويلفت النائب الى ان المبلغ الذي تطلبه الحكومة (41 ترليون دينار)، ليس للرواتب فقط، وإنما هو عبارة عن موازنة مصغرة، لما تبقى من العام الجاري، مرجحا التصويت على ما يخص الرواتب فحسب، التي قدرها بحوالي 24 تريليونا.
وأقر مجلس الوزراء في 14 أيلول الماضي، مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للعام 2020، وأرسلها إلى مجلس النواب، ثم سرعان ما سحبها من المجلس، بعد يومين.
ولم يقر البرلمان قانون الموازنة الاتحادية للعام الحالي، نتيجة الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد منذ تشرين الأول 2019، والتي أطاحت بالحكومة السابقة. بينما واجهت حكومة الكاظمي، صعوبات بإعداد مشروع الموازنة في وقت يعاني فيه البلد أزمة مالية خانقة، ناجمة عن انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتفشي كورونا والاخطاء والممارسات المتراكمة.

اتهامات بـ “التخبط الحكومي

ويحذر النائب عن تحالف سائرون بدر الزيادي، من مغبة استمرار الحكومة في سياسة الاقتراض، مرجحا أن يقود ذلك الى “الإفلاس”.
ويشير الزيادي، الى وجود “تخبط واضح” في عمل الحكومة، مبرهنا ذلك في “التصريحات المتناقضة”.
وهنا، يتساءل عضو تحالف سائرون: “كيف يمكن للحكومة أن تقول لدينا طرق في توزيع الرواتب، وبعدها تطلب من مجلس النواب تشريع قانون الاقتراض؟”.
ويقول كوجر، إن اللجنة المالية في مجلس النواب، “ستقوم بالاستفسار من ادارة البنك المركزي والمصارف الحكومية عن امكانية الاقتراض، وتمويل الحكومة لسد العجز المالي وتأمين الرواتب”.
وهذه ثاني مرة تتقدم الحكومة فيها الى البرلمان، بطلب تخويل لاقتراض الأموال، بعد مرة أولى اقترضت فيها 15 تريليون دينار محليا، و5 مليارات دولار خارجيا.
ويأتي الاقتراض، كما تقول وزارة المالية، لسد العجز المالي في الخزينة، التي تتغذى بنسبة 95 في المئة على إيرادات بيع الخام.

نزف مالي.. من يوقفه؟

وبحسب اللجنة المالية، فإن رواتب الموظفين “الوهميين” ومزدوجي الرواتب، تستنزف مبلغ 1.5 تريليون دينار شهرياً.
وتدعو اللجنة، الحكومة الى اعتماد “البرامج الالكترونية والاحصاء البايوميتري للكشف عن هؤلاء”.

الفرج.. بعد أسبوعين

وتعهد وزير المالية علي علاوي، الاربعاء، بدفع الرواتب، “الاسبوع المقبل”، لكنه رهن ذلك بموافقة البرلمان على قانون الاقتراض في جلسة الاثنين المقبل.
وتعهد أيضا بعدم تكرار تأخير صرف الرواتب.
أردف الوزير كلامه، بأن رواتب الموظفين لتشرين الأول، ربما تدفع بعد أسبوعين في حال لم يمض قانون تمويل العجز.
وتعقيبا على كلام وزير المالية، قالت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان، ندى شاكر جودت، ان وزارة المالية بإمكانها ان تقترض من البنوك لغرض سد العجز الى حين اقرار قانون الاقتراض “بطريقة صحيحة، وحسب الاحتياجات التي هي لثلاثة أشهر”.
وكتب “محمد أبو سجاد”، مدون في (فيسبوك)، ان المؤجر يطالبه بتسديد مستحقات الايجار، خلال ثلاثة أيام. كما أن الديون اليومية لتغطية مصاريف البيت وأسرته، أخذت تتراكم، بينما لا تزال الحكومة تفكر في حل مناسب لتغطية رواتب الموظفين، ومن بينهم أبو سجاد، الموظف في مديرية تربية الرصافة الثالثة.a

عرض مقالات: