لم تكن ثورة 14 تموز ١٩٥٨ حدثا طارئا فرضته ظروف آنية، بل كانت ثمرة نضال طويل شاق ومرير خاضه الشعب العراقي، واستمر سنين طويلة مليئة بالتضحيات، حافلة بالآلام في سبيل الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية.
جماهير النجف شأنها شأن أبناء شعبنا الآخرين، لم تتخلف عن واجبها في الدفاع عن مصالح الشعب والوطن، فشاركت في الانتفاضات والهبات ضد الاستعمار والاستبداد والتخلف، وفي نصرة الشعوب المقهورة.
كانت الأجواء الفكرية والسياسية والاجتماعية في مدينة النجف قبل 14 تموز 1958 مهيأة للتغيير المنشود، وهو إسقاط الحكم الجائر وسياساته القمعية وارتباطاته بالدوائر الاستعمارية، فضلا عن مشاعر الغضب السائدة نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة ومعاناة الجماهير من شظف العيش، ومن طغيان القوى الرجعية المتمسكة بالعادات والتقاليد البالية، وبصورة خاصة النظرة الدونية للمرأة . فكان يوم الثورة يوما فاصلا بين العبودية والحرية. وفي هذا اليوم كان لمنظمة الحزب الشيوعي العراقي في النجف دوركبير في تعبئة الجماهير لتأييد الثورة، فنظمت أول تظاهرة جماهيرية خرجت عصر يوم الثورة، كان الرفيق الراحل رضا عبد ننه خطيبا فيها. تحدث عن معاناة الشعب العراقي أيام السلطة الملكية الغاشمة، وعن الأمل في الثورة لانتشال العراق، وتحقيق الأهداف المرجوة. وكان للطلبة دور بارز في تلك التظاهرة. كما كانوا سباقين في فتح مقر لاتحادهم (اتحاد الطلبة).
وفي الأيام الأولى أيضا تأسست هيئة تحضيرية لنقابة المعلمين برئاسة تقي الصراف، وفتح مقر للجنة أنصار السلام برئاسة الدكتور خليل جميل، ومقر مؤقت لاتحاد الشبيبة الديمقراطي برئاسة عبد الرزاق المطلق، ومقر لرابطة المرأة برئاسة نعيمة الدجيلي، ومقرات لعدد من النقابات العمالية، مثل نقابة عمال الميكانيك ونقابة عمال النسيج.
وهكذا اتسعت نشاطات المنظمات الحزبية والديمقراطية والمهنية مع اتساع التأييد الجماهيري لها وبشكل سريع، خاصة وهي تتبنى شعارات تعكس صميم حاجات الناس ومطالبهم.
وعقدت هذه المنظمات مؤتمرا شعبيا، جرى التأكيد فيه على ضرورة تحقيق أهداف الثورة وواجب حمايتها من الاعداء. وقرر المؤتمرون تنظيم تظاهرة لأهالي النجف أمام وزارة الدفاع في بغداد تأييدا للثورة. وتم ذلك فعلا في الخامس من آب 1958، وشاركت في التظاهرة جماهير غفيرة من مختلف شرائح المجتمع النجفي، من نساء ورجال، عمال وكسبة، طلاب ورجال دين، جرى نقلهم بسيارات أجرة كبيرة تبرع سائقوها بنصف الأجور، وتحملت النقابات والاتحادات والمنظمات بقية الأجور ومصاريف أخرى.
وامتلأت ساحة وزارة الدفاع والشوارع القريبة منها بالجماهير، وخطب الزعيم عبد الكريم قاسم فيها وشكرها على المشاعر الوطنية، مؤكدا أن هذا ليس غريبا على النجف مدينة الإمام علي (ع)، مدينة المناضلين.
نعم، النجف التي كانت وتبقى منارا للأحرار والمناضلين من أجل حرية الأوطان وكرامة الانسان.
النجف في الأيام الأولى لثورة تموز
- التفاصيل
- صالح العميدي
- فضاءات
- 2907