لابد وأن يصاب أيُّ متابع لتظاهرات الاول من تشرين بالعجب لحجم ورود اسم ساحة الخلاني في وسائل الاعلام والمصادمات مع القوات الامنية وحجم الشهداء والجرحى والمعتقلين والمغيبين الذين قدمتهم الساحة، علماً انها ليست الساحة الرئيسية للتظاهر في بغداد، فيا ترى لماذا ؟
لساحة الخلاني موقع ستراتيجي مهم جدا، على الصعيد التجاري وعلى صعيد الحراك الجماهيري، فهي تتوسط اكبر منطقة تجارية، إذ تحتوي على اسواق متنوعة ودوائر حكومية مهمة ومراكز تجارية في العاصمة، حيث مكاتب المبيدات الزراعية والبذور والدواجن والمناحل والمشاتل، وتضم اكبر مراكز الادوات الاحتياطية للسيارات وكمالياتها، كما وتضم معارض ومحلات الادوات الاحتياطية للاجهزة المنزلية، ومكاتب زيوت السيارات ومعارض أدوات اجهزة التكييف، هذا اضافة الى توسطها لخمسة شوارع مهمة في العاصمة، شارع الجمهورية الواصل بساحة الوثبة والشورجة، شارع الجمهورية الواصل بساحة التحرير، وتفرع الجمهورية الواصل بساحة الطيران، الشارع المؤدي الى جسر الرشيد (جسر السنك ـ بني في منتصف الثمانيات) والذي يربط منطقة السنك في الرصافة بمنطقة الصالحية في الكرخ، وأمتداد ذات الشارع من الجهة الاخرى والواصل الى منطقة باب الشيخ وصولاً الى شارع الشيخ عمر حتى محطة شرق بغداد عبر مقربات ساحة الخلاني، ولإكمال الصورة من جميع جوانبها، فهي تبتعد ٥٠٠ مترا عن ساحة التحرير، و ٦٤٠ مترا عن ساحة الطيران و ٥٦٠ مترا من ساحة الوثبة مما منحها موقعا ستراتيجيا مهما جدا في حماية ظهر وخاصرة ساحة التحرير من هجمات قوات الأمن والعصابات والميلشيات، اضافة الى حماية سوح الطيران والوثبة وجسر السنك حينما كان الثوار مسيطرين على بدايته من جهة الرصافة.
مع ان عمارات ومؤسسات كبيرة تحيط بساحة الخلاني، الا ان الدخول الى ازقتها سيعطيك الصورة الحقيقية للبؤس والفقر الذي تعيشه هذه المناطق الشعبية التي لم تر من الانظمة المختلفة اي اهتمام او تعمير او تطوير، حتى اصبحت الملاذ النهائي والوحيد للفقراء وذوي الدخل المحدود ببيوتها المتهالكة والآيلة للسقوط ، هذا اضافة الى كون الساحة ملاذاً للشباب العاطلين عن العمل من مناطق بغداد ومحافظات الوسط والجنوب الفقيرة .
اكتسبت الساحة اسمها من جامع الخلاني المطل عليها من جهتها الشمالية الشرقية. وبحسب الشيعة الاثني عشرية فهو يضم مرقد السفير الثاني للامام المهدي ـ محمد بن عثمان العمري ـ والمعروف بالخلاني، وعند أهل السنّة، فإنه يضم مرقد أبي بكر الخلال الحنبلي، علما إن هذا الجامع بني في القرن ١٢ الهجري، وهو يحتوي ايضاً على مكتبة عامرة تأسست عام ١٩٤٥ على يد مجموعة من الشباب بالتعاون مع قيّم الجامع السيد محمد الحيدري وتبرعات العوائل البغدادية حتى أصبحت مكتبة كبيرة يقصدها الطلبة والباحثون بحثا عن المصادر او للاستفادة من الهدوء والاجواء الدراسية، خاصة ايام الامتحانات.
لقد كشفت ساحة الخلاني عن الوجه القبيح للنظام وأجهزته القمعية والعصابات التي يستخدمها لضرب اي حركة جماهيرية مناوئة له ولأطماعه وسياساته المعادية لمصالح الجماهير، فهناك مئات الأفلام والصور والتسجيلات التي توثق تلك اللحظات التي استخدم فيها النظام كل اساليب وأدوات القمع والقتل ضد المتظاهرين السلمين، من القنابل الدخانية والسامة وبنادق الصيد والكواتم والاسلحة البيضاء ناهيك عن الخطف، فما استسلمت هذه الساحة، وفي الساعات القليلة التي كانت قوات السلطة تحتلها، كانت جماهير المنطقة وعوائل الثوار تنزل للشارع ملبية ندائهم في سبيل استرداد الساحة من قوات السلطة. لقد زفّت الساحة شهداء كثر وقدمت شبابا بعمر الورود، ومنهم الجرحى والمعاقون او المسجونون وحتى المغيبون دون ان يعرف عنهم اي شئ، وما يجب ان يعرفه كل العراقيين، بأن هذه المنطقة التجارية المهمة جدا في العاصمة، لم تُسجل اية حادثة من قبل الشباب المتظاهر بعملية كسر او سرقة او تخريب أي من المحال التجارية، لابل انهم كانوا الحراس عليها من جرائم العصابات والميليشيات ,
مجداً مكللا بالغار لشهداء ساحة الخلاني وجرحاها والمصابين والمعاقين والمعتقلين، وعار على نظام العصابات والقتل في جرائمه ضد المتظاهرين السلميين.

عرض مقالات: