لا يُذكر الحراك الجماهيري في الناصرية، او حركة الاحتجاجات التي سادت المحافظة، إن كان احتجاجاً على فساد مجالس المحافظة او فساد النظام وأحزابه في بغداد، إلا وكانت (ساحة الحبوبي) حاضرة، وتفرض نفسها بدماء الشهداء والجرحى والمعتقلين، او بهتافات ابناء وبنات المحافظة الكرام.
فكيف كانت البداية؟
هناك في مركز مدينة الناصرية شارع مهم يُعد شريانها الابهر ويسمى شعبياً (عكَد الهوا)، وهو مواز لأهم شوارع المدينة التي تمتد طولياً: شارع النهر، الجمهورية، التوراة، والشارع المحاذي لبساتين السيد زيدان.
وتسمية (عكَد الهوا) اتت من حركة الرياح فيه، والتي من خلالها ومن خلال حركة الاشجار يستدل ابناء المدينة إن كانت الرياح شمالية او شرقية، وعلى اساسها يجري تنظيم عملية النوم ليلا، إما فوق السطوح المكشوفة او داخل الدور. ولكن وفي وقت مضى حمل هذا الشارع اسماء اخرى، مثل (شارع حسين الاغا) وهذا كان أحد رؤساء بلدية الناصرية. وبعد وفاته حمل الشارع اسم (ياسين المحروث) الذي تسلم البلدية لاحقا. ودام الامر هكذا حتى أصبح عبدالاله وصيا على العرش، فاطلق اسمه على الشارع تكريما لزيارته للناصرية عام ١٩٣٩. وبقي الحال حتى انتصار ثورة ١٤ تموز، فعاد الاسم القديم (عكَد الهوا) .
جرى تعبيد الشارع في مطلع الستينات، وازيلت منه الجزرات الوسطية، وانطلق العمران وافتتحت المحال التجارية، ناهيك عن انتشار الكثير من بيوتات الناصرية الراقية على جانبي الشارع حتى نهايته، في بستان الحاج عبود الجازع شرقي المدينة .
بمبادرة من رئيس بلدية الناصرية مطلع السبعينات المرحوم شاكر الغرباوي، اطلق اسم (محمد سعيد الحبوبي) على هذا الشارع ، وجرى الاتفاق على تسمية ساحة ايضا بإسمه، وقد اختير لها ان تكون في تقاطع مقهى التجار نظرا لقربه من البيت الذي سكنه الحبوبي. لكن الاختيار وقع اخيرا على المكان الجديد، حيث ارتفع نصب يخلد الحبوبي وكان من عمل الفنان عبد الرضا كشيش عام ١٩٧. علما ان هذه الساحة كانت قبل إعادة تسميتها موقفاً لباصات المصلحة، وموقعا للتجمعات والفعاليات المرتبطة بالاعياد مثل (المراجيح) و (ديلاب الهوا) وغيرها.
وبالعودة الى شخصية الحبوبي، فهو المرحوم محمد سعيد الحبوبي من مواليد النجف، شاعر ورجل دين ومعارض ثوري مكافح ضد الاحتلال الانكليزي للعراق ابان الحرب العالمية الاولى. وبعد فشل الانتفاضة لجأ الى الناصرية التي عاش فيها حتى مماته، لكن قصص نضاله ومواقفه بقيت محط احترام واعتزاز ابناء المدينة .
لقد اختار ابناء المدينة هذه الساحة لتكون مركز مظاهراتهم واحتجاجاتهم، ومحطة لايصال صوتهم الى المسؤولين واضحا وصريحا في رفض الفساد والفاسدين، والمطالبة بتسليم مقاليد المحافظة الى الكفاءات والمخلصين من ابنائها. هذا الامر الذي لم يمر بسهولة ويسر، حيث كانت حكومة الاجرام في بغداد بالمرصاد للمتظاهرين السلميين. فبدلا من الاستماع الى مطالبهم وتنفيذها قامت بتسليط عتاة المجرمين من القيادات الامنية، وأطلقت العنان للعصابات والميلشيات للانتقام من المتظاهرين. وكانت النتيجة مذابح سقط فيها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، في معارك لن تمحوها الايام حتى يساق المجرمون الذين اصدروا الاوامر امام العدالة لينالوا جزاءهم العادل .
ومن المؤكد ان المدينة لن ترتاح قبل ان يجري حل مشاكلها العقدية في تأمين فرص العمل الكريمة لابنائها وللخريجين، وفي إعادة تشغيل معاملها وورشها المعطلة، وفي توفير مستشفيات ومستوصفات تتعامل مع المشاكل الصحية للمحافظة، خاصة انتشار السرطان والادمان على المخدرات، وفي محاربة الميليشيات والعصابات التي تعبث بأمن المواطن، وفي تسليم مقاليد المدينة الى ابنائها وليس لمن يدين بالولاء للغريب والاجنبي.
** مجدا مكللا بالطيب لشهداء الناصرية الابرار، والشفاء للجرحى والمعاقين، والعودة غير المشروطة للمعتقلين والمغيبين. ومن اجل سيادة العدل، يجب تقديم كل من اجرم بحق المتظاهرين للعدالة.
والنصر حليف انتفاضة اول تشرين / اكتوبر ٢٠١٩