نورس حسن
الناس في عجلة والاسواق في الزعفرانية تبدو خالية من المتبضعين، لكن هناك من يخرج منذ الصباح الباكر بحثا عن عمل او ليبيع شيئا بأمل الحصول على مبلغ يسد به رمق عائلته، فيما أخذت نسوة يزاولن من جديد مهنا كانت معروفة إبان سنوات الحصار الذي فرض على العراق ابان حكم النظام البائد، ثم انحسرت بعد عام 2003. وهاهي تُحيا من جديد في هذه الاشهر من عام 2020، بسبب حظر التجوال الصحي وتردي الحالة الاقتصادية لملايين العراقيين، الناجمة عن سوء الادارة الاقتصادية والفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
المواطن عبد الله هاشم يحاول بيع ورق التنشيف (الكلينكس). رمى علبتين منه داخل مركبة عائلية كان واقفة امام احد الاسواق، وطلب من صاحب المركبة شراءهما منه. لكن هذا رد بانه لا يحتاجهما، وابدى مساعدته دون شراء شئ.
عبد الله ذكر لـ"طريق الشعب" ان "فرض حظر التجوال هو في مصلحة عامة الشعب لتحصين انفسهم ضد فيروس كورونا. لكنه اثر بشكل سلبي على الفئات التي لا تحصل على رواتب شهرية وتعتمد على مصدر رزق يومي. وذكر انه يخرج يوميا لبيع الكلينكس و"لا أعود الى البيت الا مع غروب الشمس".
ويضيف: "خلال شهر رمضان كان البيع افضل بسبب رفع الحظر، ولكن بعد اعادته لم اعد أكسب يوميا اكثر من 7 آلاف دينار، واغلب المبلغ يأتي بشكل مساعدة مباشرة من المواطنين الطيبين دون ان يشتروا شيئا". وبعد ذلك اشار الى انه مسؤول عن طفلين وزوجة اضافة الى والده ووالدته واخته التي تعاني من شلل ولادي.
اما المواطنة زهرة إسماعيل ذات الـ 70 عاما وتسكن في منطقة جسر ديالى، فبدأت حديثها بالقول: " يايمة اخلصنا من جليب وكلنا الخير اجانا، اشو اثاري الربع طلعوا اجلب منه".
واضافت بلغتها البسيطة: "كبل خلانا صديم حتى نغسل هدوم الجيران علمود نحصل جم دينار، وولدنا يشتغلون ندافين والنسوان خبازات، وبينا حتى عمالة اشتغلت، راتب الموظف ميسويله جدر تمن لان جان حصار والدنيا صعبة، والطحينات نستلمهن من الحصة الكونية مليانة ضروك وبيها نجارة حديد وخشب، ونبقى ساعات ننخل علمود نكدر نخبز، وسنين كضينه بيها ايام شبابنه واحنا على هذا الوضع".
وتنفست قليلا ثم تابعت: "صار السقوط وكلنا فرجت، اشو من يومها بديناها ارهاب وداعش وكتلوا ولدنا، وهسه ممنوع وحظر تجوال ويكولون كورونا وحابسين الوادم بالبيوت، لا همه الراحمينا ومنطينا فلوس نكدر نعيش بيهه، ولا مخلين رحمة الله تنزل علينا. الحصة التموينية صار 3 اشهر ماكو، وابو المولد واكفلنا سجينه بالخاصره، وجنهم مسوين فضل علينا ينطونا 200 الف دينار كل 3 اشهر رعاية اجتماعية ".
وشلون تدبرين معيشتكم اليومية بهالظروف؟ " يمه رجعت اشتغل خبازة والناس الطيبة هواية كامت اتساعدني، مخصوص الجيران يطلبون اخبزلهم وينطوني 5 الاف دينار على صفطة الخبز. بس الحيل مو مثل كبل، ومسؤولية العائلة صارت اكبر من كبل".
من جهتها، تقول ايمان ام عباس لـ"طريق الشعب" انه في السابق وبسبب الحروب والحصار "كانت والدتي تعمل المعجنات للجيران وللي يريدون غيرهم، اضافة الى الخياطة وصناعة مثلجات الازبري وبيعه على الاطفال بالمنطقة".
واضافت: "هذه الايام اعادت الى ذاكرتي ايام كانت والدتي قبل السقوط تعمل من اجل تربيتنا انا واخوتي. بعد اجراءات الحظر حاليا اجبرت على العمل مثل والدتي في السابق باعداد المعجنات في البيت الى كل من يوصيني بذلك مقابل مبالغ بسيطة، خاصة وان زوجي كان يعمل سائق خط بسيارة ليست ملكه، وهذا العام الدوام في المدارس والجامعات توقف بسبب الظروف الامنية والصحية، فتوقف شغله بالسيارة وصار وضعنا المعاشي صعب. ولكن ما احصل عليه من عملي يسد بعض الشئ متطلباتنا اليومية".
كذلك الشاب علي خالد الذي يتجول ويبيع "شعر بنات" على الاطفال في شوارع وازقة الزعفرانية قال لـ"طريق الشعب" انه الشخص الوحيد القادر على العمل في عائلته، التي تتكون من والده وهو رجل كبير السن ووالدته اضافة الى اخته وهي ارملة لديها طفلان، واخ يصغره سنا يعاني من اصابة تحول دون تمكنه من العمل.
واستطرد:"لم اهتم يوما باجراءات الحظر، فقد واظبت على الخروج للعمل يوميا بسبب حاجتي وعدم توفر البديل. لكني اتبع تعليمات الوقاية جيدا خوفا على افراد عائلتي من الاصابة بفيروس كورونا. لا امتلك مصدر رزق غير عملي في اعداد وبيع شعر البنات، وعلى الرغم من ان المردود المادي قليل خاصة خلال فترة الحظر، لكن على العموم استطيع بفضله سد بعض المتطلبات اليومية خاصة توفير الغذاء". وفي الختام حرص على القول: "المواطنين خاصة الفقره ما ينتظرون شئ من حكومة يغيب عنها القانون وينخرها الفساد".
اما الطفل محمود علي ذات 13 عام الذي يعمل على بيع اكياس النايلون في سوق الزعفرانية والذي بدا واضحا تواجده مع اقرانه الاخرين من الاطفال الذين يعملون كحمالين او متسولين او في جر العربات، بسبب قلة المواطنين المتبضعين مما جعل الساحة فارغة امامهم.