طريق الشعب
أكثر من خمسة شهور مرَّت على الانتفاضة العراقية، التي لا تزال متواصلة في بغداد ومدن وسط البلاد وجنوبها، رافعة مطالبها العادلة. وبينما يواصل المنتفضون مرابطتهم في ساحات الاحتجاج، واعتصامهم في خيمات بسيطة، تتبادر إلى أذهان البعض أسئلة من قبيل: "كيف يعيش المنتفضون أيامهم، ومن أين يأكلون ويشربون؟".
أول من تساءل عن ذلك أحزاب متنفذة وقوى ساندة لها، سخّرت قنواتها الفضائية والمواقع الإخبارية التابعة لها، فضلاً عن عشرات أو ربما المئات من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، لاتهام المحتجين بأنهم يتلقّون أموالاً من جهات خارجية.
إلا أن ناشطين في الاحتجاجات ومتظاهرين، من محافظات عدة، أكدوا مرارا عبر وسائل الإعلام المختلفة، أن "الساحات تنعم بدعمٍ شعبي عبر الزخم البشري من جهة، ودعمٍ لوجستي عبر توفير ما يحتاجه المحتجون، وتصل أحياناً التبرعات إلى توفير السجائر والحلويات المنزلية".
وتقتصر حاجات المتظاهرين غالباً – وفق العديدين منهم - على توفير الطعام. فهو الأساسي، ومن ثم مياه الشرب والمفروشات، ثم تجيء الاحتياجات البسيطة الأخرى وعلى رأسها "المعسل" المستخدم في "الأراجيل" والسجائر. كما أن التلفاز مهم بالنسبة لهم، لكنهم وفروه في الغالب عبر استعارته من منازلهم الخاصة. ودخلت الكمامات على خط الحاجات الأساسية، خاصة بعد تسجيل إصابات بفيروس كورونا في العراق.
تقول الناشطة من بغداد سارة مزهر، ان "التبرعات الفردية من قبل عراقيين في الداخل والخارج تمثل العمود الفقري لتوفير احتياجات المتظاهرين. ولا يقتصر الأمر على مبالغ مالية كبيرة، إنما هناك من يتبرع بمبالغ بسيطة جداً، لكنها في النهاية تُجمع وتساهم في توفير ما يحتاج إليه المعتصمون"، مبينة في حديث صحفي، أن "نساء من محافظات متفرقة تبرعن لأكثر من مرة بمبالغ مالية، وتم شراء سجائر ومياه شرب للمتظاهرين، وكانت التبرعات من كل واحدة منهن تتراوح ما بين 100 إلى 200 دولار".
وتلفت إلى أن "بعض الأطباء في بغداد يتبرعون كل شهر بمبلغ من مرتباتهم، وهناك تجار أيضاً يوفرون كل شهر ما يتم الإعلان عن الحاجة إليه في ساحات الاحتجاج"، موضحة "يمكن القول إن 50 في المائة من احتياجات المتظاهرين يتم توفيرها من خلال التبرعات والمساهمات من الأسر العراقية والتجار والموظفين، والنصف الآخر من متطلبات استمرار التظاهرات يتكفل به المتظاهرون اعتمادا على نفقاتهم الخاصة ومساعدات عائلاتهم".
وفي الناصرية، يتكفل البعض من العشائر بالتبرع للتظاهرات – بحسب الناشط في تظاهرات ذي قار علي الغزي، الذي يشير في حديث صحفي، إلى ان "مواد الطبخ ومياه الشرب المخصصة للمتظاهرين، غالبيتها تأتي مما يُعرف بـ(المضايف) الخاصة ببعض وجهاء وشيوخ العشائر"، مؤكداً أن "تبرعات العشائر لمتظاهري الناصرية تحديداً لا تأتي فقط من عشائر المدينة، إنما من عشائر وقبائل البصرة والمثنى والديوانية، وهذا أساسي لاستمرار الانتفاضة".
من جهته، يقول الصحافي مصطفى المسعودي إن "من مظاهر الحراك الإصلاحي والتظاهرات التي دخلت شهرها السادس، أنها ‏استحضرت التنافس في تقديم الخدمات والتبرعات للمحتجين، والتي كانت تحدث في السابق على مستوى الزيارات المليونية للعتبات الدينية في كربلاء والنجف ‏وبغداد. فهذه التبرعات تحوَّلت اليوم باتجاه المعتصمين، إيماناً بدورهم المهم في القضاء ‏على الفساد والمحاصصة".
ويضيف في حديث صحفي، ان "المحتجين لم يكترثوا طيلة الأشهر الماضية للاتهامات التي تدعي دعمهم من الخارج، لأن كل التبرعات التي تصل هي حاجات أساسية لكل شخص. فيقابل ‏المعتصمون في ساحات الاحتجاج اتهامات دعمهم من الخارج بسخرية كبيرة. إذ ان المساعدات التي تصل توزع في وضح النهار، وهي ‏عبارة عن وجبات طعام وعصائر ومياه شرب ومستلزمات بسيطة أخرى"، مبيناً أنه "كثيراً ما تنشر صور لممتلكات ضحايا قمع الاحتجاجات، ويتبيَّن عادة أنهم قبل مقتلهم كانت في جيوبهم مبالغ مالية بسيطة لا تتجاوز ألفي أو ثلاثة آلاف دينار ونحو ذلك".