متابعة "طريق الشعب"
قال البروفيسور الإسرائيلي "دانيال بالتمان" أن ممارسات جيش الاحتلال لها تعريف واضح ومحدد وهو "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"، مشيرا إلى أن جرائم الحرب ترسخت فيه منذ سنوات طويلة، ويكاد يجزم بأن هذا الجيش لن يتردد في ارتكاب جريمة تطهير عرقي لمئات آلاف الفلسطينيين إذا طلب منه ذلك.
ولفت بالتمان في مقاله له في صحيفة "هآرتس" العبرية، أمس الثلاثاء، إلى أن غالبية منفذي الجرائم لا يقدمون للمحاكمة، كما أنه في الواقع الكولونيالي فإن الجرائم تتحول إلى ممارسات تلقائية ضد السكان المدنيين حيث يجردهم الاحتلال من إنسانيتهم، وينظر إليهم كمن ينتمون إلى "مستوى حضاري مختلف، وذلك نتيجة الفصل الذي تمارسه إسرائيل بين ما يعتبره المجتمع الدولي جريمة حرب، وبين الصراع الذي تخوضه ضد شعب تعتبره لا ينتمي الى القواعد الأخلاقية المشتركة للشعوب المتحضرة.
وأشار بالتمان، المؤرخ في الجامعة العبرية، أن عاصفة فضائح الفساد في الأسابيع الأخيرة قد غطت على جرائم الحرب في الضفة الغربية.
وقال أن الحديث عما حصل في أريحا كان قضية نحيت إلى هامش العناوين، وتلاشت بين مختلف الادعاءات الضبابية للجيش، والتي كان الهدف منها التهرب من محاكمة الجنود الذين تم تصويرهم وهم يعتدون على فلسطيني جريح، أطلق أحدهم عليه النار.
وأضاف الحديث هنا عن الشهيد ياسين السراديح (36 عاما)، والذي أطلق عليه النار بداعي محاولته الهجوم على مجموعة من الجنود، وعندها تم تحييده، ولم يعد يشكل تهديدا على الجنود المسلحين. ولكن ذلك لم يمنعهم.
من الانقضاض عليه وهو يتخبط بدمائه، والاعتداء عليه بالضرب وجره إلى زقاق قريب.
وأضاف أن السراديح رقد نحو نصف ساعة بدون أي إسعاف طبي، إلى حين نقل من المكان بعد أن أطلق أحد الجنود قنبلة غاز إلى الزقاق الذي كان فيه.
واستطرد أن الوضع الصحي للسراديح آنذاك لم يكن واضحا. ولكن في معهد التشريح الطبي في أبو كبير تقرر أن سبب الوفاة هو تعرضه لإطلاق نار. قد يكون كذلك، ولكنه كان على قيد الحياة بعد أن أطلق عليه النار وتم تحييده. ماذا كانت نتيجة التنكيل به؟ وماذا بشأن حقيقة أنه كان ملقى على الأرض بدون علاج طبي ليلقى حتفه بهذه الوضعية؟ على هذه الأسئلة لم يجب أحد".
وأشار الكاتب إلى واقعة أخرى، صادرت فيها وحدة من "المظليين" مركبة فلسطينية، وحوّلت الأطفال الذي كانوا يجلسون على المقعد الخلفي فيها إلى درع بشري يقيهم من الحجارة.
وفي واقعة ثالثة "دحرج أبطال حرس الحدود قنبلة صوتية باتجاه والد كان يحمل طفله بين ذراعيه. والجيش، كعادته، يقول إن ذلك مخالف للتعليمات، وسيتحقق من الأمر"، على حد تعبيره!!
وفي حادثة رابعة يتحقق الجيش أيضا مما حصل للفتى محمد التميمي، الذي حطمت نصف جمجمته رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط، وقرر أنه أصيب عندما سقط عن دراجته الهوائية"!!
ويتابع أن الجيش يتحقق أيضا من واقعة استهدف إبراهيم أبو ثريا، المبتور الساقين، والذي كان على كرسي متحرك خلف السياج الحدودي مع قطاع غزة، وقرر الجيش أنه كان يحرض ويشكل خطرا على الأمن!!
كما يشير الكاتب إلى أن واقعة استهداف صياد السمك الغزي، إسماعيل أبو ريالة، بداعي أنه انتهك حدود الحصار البحري، وهذا "اختراع إسرائيلي أصلي، حيث أن أبطال سلاح البحرية أطلقوا عليه النار من السفينة الحربية المتطورة. وقام الجيش بالتحقق من ذلك، وتبين أن أحدا ليس متهما"!!
ويخلص بالتمان إلى أن كل هذه الوقائع يوجد لها تعريف وهو "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
ويضيف الكاتب أن الجرائم ضد الإنسانية، بحسب الميثاق، هي "أحداث تشكل جزءا من سياسة حكومية، أو ممارسة واسعة النطاق من قبل أذرع تقوم بالتنفيذ بواسطة حكومات أو سلطة تعمل من قبلها".
ويضيف أن جرائم الحرب هي الأخطر إذا كان مصدرها توجيهات، مثل العنف الفتاك للجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية ضد الجنود الأمريكيين والأستراليين أو ضد سكان مدنيين في الصين وكوريا. ويوجد هنا وضع، كما هو عليه في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، حيث ينفذ الجنود جرائم حرب بدون توجيهات المستوى السياسي أو مصادقة القيادة العسكرية. ولكن المشكلة ليست في تهرب الجيش الذي ينظر إليه في إسرائيل، الغارقة في العنصرية ضد العرب، على أن ادعاءاته "إلهية"، وإنما في أن الأهم هو أن هذه الأفعال تحولت إلى تقليد، وتتكرر المرة تلو المرة، دون أن يثير ذلك أي نقاش عام أو داخلي في الجيش.
وللخروج من ذلك، تواصل إسرائيل الحديث عن "الجيش الأكثر أخلاقية"، وتستخدم ديماغوجية ترفض أحداث عنف "استثنائية" ضد الفلسطينيين، ولكنها تتهرب من معاقبة "الاستثنائيين" بشدة، والذين هم، بحسبها، من ينكشفون بواسطة كاميرات منظمة "بتسيليم". وبالطبع لا يمكن الحديث بجدية عن مواجهة غالبية هذه الفظائع.
وبحسبه، فإن ذلك نتيجة الفصل الذي تقوم به إسرائيل بين ما صنفه المجتمع الدولي على أنه جريمة حرب، وبين الصراع الذي تخوضه ضد شعب تعتبره لا ينتمي للقواعد الأخلاقية المشتركة لعائلة الشعوب المتحضرة.
وينهي بالتساؤل "ماذا يحصل للجيش الذي ترسخت فيه جرائم الحرب لسنوات طويلة؟ ماذا سيحصل إذا طلب من الجيش، من قبل سلطة متطرفة، تنفيذ عملية تطهير عرقي وطرد مئات آلاف الفلسطينيين إلى الأردن ولبنان؟ كيف سيكون رد فعل الجنود، الذين يركلون اليوم فلسطينيا جريحا، عندما يطلب منهم إطلاق النار على الآلاف الذين سيعارضون ذلك؟ هل هناك من يعتقد في الجيش أن الجنود لن ينفذوا هذه المهمات؟"