لم تعد ساحة التحرير معلما بغداديا شهيرا وحسب، بل باتت ساحة للروح الوطنية والألفة ومنطلقا لأحلام الشباب، الذين يدركون أنهم يصنعون مستقبلاً جديداً لبلادهم.
ويطغى اليوم على هذه الساحة التي تحتضن الحركة الاحتجاجية المتواصلة، التكافل الاجتماعي والخدمات المجانية، والحب أيضا. وتقوم النساء بطهي الطعام وتوزيعه على المتظاهرين.
قبل حلول الليل تبدأ الساحة ومحيطها باستقبال أعداد كبيرة من المواطنين والعائلات للمشاركة في التعبير عن الرأي والتضامن مع المحتجين. ويلجأ هؤلاء إلى وسائل عدة للتعبير عن احتجاجاتهم وتضامنهم، ويقضي بعضهم ساعات قليلة في المكان، فيما يستمرّ آخرون حتى ساعات الفجر الأولى.
وباتت لمن يقبلون على المكان طقوس خاصة، قلّما يغيرونها، وجميعهم يرون أنهم من خلال كل شيء هنا يدفع الشباب المقيمين على مدار اليوم إلى الصمود، حتى تحقيق المطلب الرئيس الذي أصبح ينادي به جميع المحتجين في البلاد، وهو رحيل الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة.
ومن المشاهد البارزة في هذه الساحة المحتجة، الأطفال الذين يأتون برفقة ذويهم. فقد أصبح بعضهم يصرّ على الذهاب مساء كل يوم إلى موقع الاحتجاج - بحسب مها رباح، التي تصطحب وجاراتها أطفالهن بشكل شبه يومي إلى المكان.
تقول مها في حديث صحفي، ان "المكان يتحول ليلاً إلى ما يشبه الكرنفال، هناك تجمعات مختلفة لشباب يغنون وآخرون يهتفون وغيرهم يرسمون، إضافة إلى أشياء أخرى تجعل المكان تجمعاً فنياً وثقافياً واجتماعياً"، مضيفة ان "الأطفال يستأنسون بإضاءة الشموع على أرواح شهداء التظاهرات، ولا بد أن يذهبوا بجولة في الـ (تك تك) ليأخذهم داخل منطقة الاحتجاج".
وتعرض عجلات الـ "تك تك" المركونة في مواقع مختلفة من الساحة، خدماتها مجانا لنقل الأشخاص ضمن الساحة ومحيطها.
يقول حيدر كاظم، وهو سائق "تك تك"، إنه وجميع زملائه يرفعون شعار: "في خدمة المتظاهرين وزائري موقع التظاهر"، مؤكداً أنهم نذروا أنفسهم لهذا العمل.
وخصّصت مساحة داخل موقع الاحتجاج لـ "الشهداء" الذين سقطوا جراء عنف السلطة الدموي، تضم مقتنياتهم من أقنعة الغاز والأعلام وصور لعدد منهم.
ويتوقف الناس أمام تلك المقتنيات ويستذكرون أصحابها الشهداء، ويشعلون الشموع في ذكراهم.
هذه المرأة وهي في العقد الخامس من العمر، فقدت ولدها البكر في معركة ضد تنظيم داعش الإرهابي عام 2016، والذي كان جندياً ضمن صفوف القوات العراقية.
تقول مديحة: " كل شهيد أراه ابني".
وبعيداً عن مشاهد الحزن واستذكار ضحايا الاحتجاجات، المكان يضجّ بالفرح. إذ يتجمع شباب هنا وهناك ويلقون الأهازيج أو الأغنيات الوطنية، في وقت يرسم فيه آخرون على الجدران في حملة تطوعية لتجميل المكان.
وحوّلت الإنارة التي وضعها المتظاهرون في وسط ومحيط ساحة التحرير، الليل إلى أشبه بالنهار، بينما الإنارة الليزرية التي يطلقها المتظاهرون في مبنى المطعم التركي أضفت طابعاً جميلاً على المكان.