كان من ضمن المنتفضين الذين يوصلون الليل بالنهار في سوح الاحتجاج، وهم يرفعون شعارهم "نريد وطن" بعناد صبرهم وارادتهم الحرة، بعناد سلميتهم التي تواجه بالعنف والقمع الإرهاب والخطف والتهديد.

كان متمسكا بموقعه يردد ويهتف مع أصدقائه المحتجين الرافضين للقمع: "نموت واحد، نموت مية، انا قافل على القضية" عندما اصابته واحدة من مفرقعات الظلام الدخانية. سارع المنتفضون القريبون منه لانتشاله ونقله على عجالة في التوكتك الى أحد المشافي القريبة. لكن القنبلة الدخانية كانت أوفر حظا من الفريق المسعف وتغلبت عليهم، ففارق الحياة مرتقياً الى السماء شهيدا.

بحث الفريق المسعف في جيوبه ومحفظته عما يدل على هوية هذا الوطني الغيور، فلم يجدوا غير هوية ورسالة كتب فيها:

الى اهلي واصدقائي ورفاقي في ساحة الاحتجاج، ان اصبت او استشهدت بقنابل المقت والحقد، لا تفزعوا ولا تتراجعوا عن هدفكم الواحد "نريد وطن"، واحجزوا مكاني في الساحة لأبي، ابلغوه استشهادي بتريث وهدوء، فقد كذبت عليه لأول مرة وقلت له انني ذاهب الى المقهى برفقة أصدقائي.

الى والدي: ستغضب لأني كذبت عليك اول مرة، لكن لسبب أسمى وأغلى اسمه الوطن، والوطن هوية وهويتي كما عودتني ثورية.

أتدرى أنك كنت خير أب وصديق، وفراقي سيصدمك، ستنهار عوالم داخلك، لكن تجلد وكن مثلما عرفتك كبيرا لا تكسرك المشاكل والمصاعب، كن قويا صامدا كما كنت.

اترجاك ان لا تبكي، خوف ان تراك امي منهارا فتنهار معك، اجلس كعادتك على مائدة الطعام مساءً، وقم بتقديم اللقمة الأولى الى اخي الصغير، ولا تنظر الى فراغ مكاني بينكم طويلا، فتتذكر مشاكستي بسرقة اللقمة من يدك قبل امي وأخي، نعم ستفتقد مزاحي معك وضحكاتي، واخر نكتة ارويها اليك. لكن تكبّر ولا تفارق امي في هذه اللحظات، لأنها ستبحث عني في كل غرف المنزل، وستتلمس فراشي بيديها، وتحضن قمصاني وثيابي وتشمها كما تفعل يوميا، ستبكي طويلا وتصرخ وتنوح، ستلعنك وتشتمك وتلبس ثياب الحداد السوداء طويلا.

ابي: اشتري لأمي ثوبا جديد، وقل لها انها رغبتي، رافقها الى الساحة لمساندة اخوتي في الاحتجاج، اريدك ان تكون معها هناك، حيث يتواجد آلاف الشباب من امثالي وربما أشجع وأفضل مني، بل رجالا اشد عزما وحرصا على الوطن. ستملحان في عيونهم صورتي وستسمعان صوتي ضمن أصواتهم.

ابي: افتخر وارفع رأسك لان ابنك لم يكن جبانا ومتخاذلاً، لم يحمل سيفا ولا بندقية، لم يحرق لم يسرق لم يقطع شجرة، بل واجه الحقد والطغاة بجسد عاري وفكر واعي يحمل قضية، ومن كانت يده تحمل علما سينتصر وهم يخسرون.

لا تترك مكاني في الاحتجاج فارغا وكن مع المنتفضين، كن حاضرا بصوتك وصوت امي" ام الشهيد "المدوي، حينها سيعلو وطن انا اريده ان يكون وطني.

عرض مقالات: