لا زالت ثورة 14 تموز المجيدة تثير نقاشا وجدلا بين الفرقاء من حين لآخر، والبعض يتحدث عن إيجابيات النظام الملكي دون ذكر سلبياته الكثيرة، النظرة من جانب واحد للأمور يضعف الحجة ويقلل المصداقية، فالظروف السياسية خلال الحكم الملكي كانت أكثر من سيئة، والوضع الاقتصادي والاجتماعي كان يعاني من التخلف والفقر المدقع وارتفاع نسب الأمية في قطاعات المجتمع، رغم أن العراق كان بلدا زراعيا لكن الإقطاعيين يسيطرون على خيرات البلد.
من جانب آخر لم تكن هنالك طبقة برجوازية صاعدة بالمعنى الصحيح، وكانت الغلبة والقوة بيد الطبقة الاقطاعية المتحالفة مع الحكم الملكي، ومن يدعي وجود نظام برلماني فللأسف كان برلمانا شكليا وكان مجلس النواب ضعيفا ولا يستطيع الوقوف أمام السلطة التنفيذية الطاغية، وكان جزء كبير منه يمثل أصحاب الأراضي والشيوخ ويحمي مصالح الأقطاع والبرجوازية الفتية ومصالح الدوائر الغربية، والدليل على ذلك لم يجرؤ مجلس النواب على حجب الثقة عن أي حكومة، فمجلس النواب كان تحت هينة وسلطة الحكومة والحكومة تحت سلطة وهيمنة الملك، فكل قرارات الحكومة تخضع لمصادقة الملك الذي من حقه الغاء القرارات أو تعديلها، ووصل حد التدخل الملكي الى أختيار جميع وزراء كابينة وزارة نور الدين محمود سنة 1952 من قبل عبد الإله، وهكذا كانت السلطة الفعلية بيد الملك، فلا استقلالية للسلطات ولا فصل بين السلطات.
وكان الشعب يعاني من الفقر والأمية بجانب التواجد الامبريالي في المنطقة المحيطة بالعراق والتحالفات والاحلاف العديدة في المنطقة منها تحالفات عسكرية عدوانية، مهامها أنقاذ وحماية الأنظمة الرجعية من جانب ولحماية مصالح الاحتكارات الرأسمالية في المنطقة من جانب آخر خصوصا بعد اكتشاف البترول فيها، وكانت علاقات العراق الخارجية ليس في صالح الشعب العراقي ولا في صالح السلام العالمي.
كما شهدت المنطقة تحركات لقيام اتحاد عراقي أردني، والعراق يرتبط بمعاهدة 1930 مع بريطانيا وغيرها من المعاهدات والاتفاقيات الاستعمارية، منها محاولة ربط العراق بمشروع الدفاع عن الشرق الأوسط وهي مشاريع استعمارية حربية، وقد تأزمت الأوضاع الداخلية بعد دخول العراق في الحلف التركي العراقي، وتجديد معاهدة 1930 بمعاهدة جديدة مع بريطانيا في 5 نيسان ١٩٥٥.
من جانب آخر حصلت العديد من شركات النفط الأجنبية على أمتيازات كبيرة بالضد من مصالح الشعب، وتلاعبت بثروات البلد، بالاضافة الى تدخلها في شؤونه السياسية.
أما الوضع السياسي فيكفي القول ان السجون كانت مليئة بالسياسيين والمناضلين من كافة القوى والاحزاب العراقية، فقد كانت هنالك أحكام وقوانين ومراسيم لا دستورية تستهدف كل الحركات والقوى الوطنية.
فهل كان العهد الملكي جيدا ولصالح الشعب العراقي...؟
بالتأكيد لا، ولكن هل نجحت ثورة 14 تموز في تحقيق مصالح الشعب، يمكن القول بثقة أنها حاولت ذلك ونجحت في جوانب عديدة لكن الأعداء من الداخل والخارج لم يسمحوا لها المضي في مشروعها الوطني الديمقراطي. ومنذ الأيام الأولى للثورة بدأت تحاك المؤامرات والتدخلات الخارجية، وتم الصاق العديد من التهم بها، وحتى الأخطاء التي رافقت الثورة كقتل الملك والعائلة الملكية ببشاعة وهذه المسألة بالطبع مدانة ولا إنسانية لكن لم تكن الثورة مسؤولة عنها بل جهل بعض الضباط وقلة وعيهم وعدم تقديرهم للوضع أدى الى ذلك، فلم يكن هنالك قرار بتصفية العائلة الملكية من قبل قيادة ثورة 14 تموز، وهذا ما تم تأكيده. والمسؤول الأول عن مقتل العائلة المالكة هو ضابط الحرس الملكي ثابت يونس، لأنه اطلق النار على القوة المهاجمة وأصاب ضابطا وعريفا، ومن ثم كرد فعل غير منضبط وغير مخطط له حصل الذي حصل.
أما ما قامت به الجماهير من رد فعل لما عانته من ظلم، فكان سلوكا سلبيا ورد فعل خاطئ وغير مقبول.
لقد لعبت الخلافات السياسية والتي كانت تغذى من الخارج دورا في انحراف الثورة عن مسيرتها، ناهيك عن الخلافات السياسية التي لعبت دورها ايضا في حرفها ئ عن مبادئها وفي ضياعها.. وتتحمل احزاب التيار القومي المسؤولية الأكبر في ذلك كونها اعاقت تنفيذ برنامج الثورة، ورفعت شعار الوحدة الفورية مع مصر وسوريا.
واستمر التأمر من عدة جهات على الثورة وعلى العراق وفي الأخير تمكنت القوى المعادية للشعب والثورة وبالتنسيق مع أعدائها بالقيام بانقلاب 8 شباط 1963، و بارتكاب مجازر بشعة يندى لها جبين البشر.