( عندما تبدأ الحرب ، يفتح الجحيم أبوابه)

مثل بولوني

(أن الحرب العالمية الأولى أفقدت الحياة قداستها ، ودلت على سفالت الأجهزة السياسية )

البرت إنشتاين

ان الصراعات الدولية التي كثيرا ماتنتهي باشعال نار الحرب ، ما هي إلاّ لعبة من لعب قوى الشر والعدوان ، لتنفيذ مشاريعها التآمرية  في الغزو وفرض هيمنتها على دول مستقلة ذات سيادة  وحرمان اهلها من العيش الحر الكريم ومن الأستفادة من ثرواتها والخيرات الطبيعية التي تمتلكها .

ومن احدى التجاوزات الكثيرة في تأريخنا المعاصر ، ما قامت به دول تدّعي الديمقراطية والحرية وكل الشعارات البراقة ، الفارغة من كل محتوى انساني ، وفي مقدمة قوى الشر هذه ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية  وحليفاتها  في شن أكبر هجوم شرس وبربري  على العراق ، ضاربين عرض الحائط كل الأعراف والقيم الأنسانية ، ليحولوا زرقة سماء بغداد بحقدهم ودناءتهم ووحشيتهم الى سماء قرمزية ...

فـ (سماء بغداد القرمزية ) هذا الكتاب المهم الذي نقله من الروسية الى العربية الأخ الدكتور فالح الحمراني ، هو في الحقيقة بصمة شهادة عن تأريخ جريمة حرب ارتكبها مجرمون ، لم يتحلوا بأدنى صفة انسانية، ولا أي وازع من ضمير، فكتاب   ( سماء بغداد القرمزية) هو شاهد عصر على  الروح الشريرة التي حولت البلاد الى ارض يباب ، وعاثت فيها الفساد ، وانتهكت حق الحياة والعباد.

فمؤلف الكتاب رجل  دبلوماسي مرموق وخبير في شؤون الشرق الأوسط ، عمل في مختلف بلدانه على مدى سنوات طوال من حياته ، ومنها العراق ، قبل الحرب العدوانية عليها ، واثناءها ، وتعرف عن قرب على القيادة السياسية في العراق وعلى رئيسها صدام حسين ، وتضمن الكتاب على ايضاح شخصية صدام حسين من قِبَل مؤلف الكتاب ( فيكتور باسوفاليوف) الذي يؤكد فيه على ذلك في ص 26 ( جرت أول لقاءاتي بصدام حسين في اعوام 1969-1970 حينما رافقت فيدوتوف الذي كان قائما بأعمال السفارة السوفيتية بالعراق ، حيث زار صدام حسين لمناقشة القضية الكردية التي كانت حينها ملحة .

كانت تلك الفترة بدايات ترقّي صدام في المناصب ، ومازال بوسعه حينها الأصغاء للآخرين .

ولاح لنا أن صداما مهتم فعلاَ باستماع الحقيقة من هذا الدبلوماسي الروسي الحازم الأشقر ( علاوة على أننا كنّا مستعدين جيدا للمحادثة ) وخلال المحادثة اشتبك فيدوتوف في جدل مع صدام ، لأنه كان يعتقد أن بوسعه توجيه تقييمات نقدية لسياسة البعثيين العراقيين الداخلية ، وغالبا ما مشى بتقيماته على حد السكين الحاد ، وفهمت بعد ذلك ، أننا وعلى خلفية طبع صدام الحقود والأنتقامي ، خضنا في الواقع لعبة خطرة ، وسرعان ما انقطعت هذه اللقاءات.. وصفوة القول أن لقائي ذاك بالرئيس العراقي أثار قلقي .) .

ومن هذا المنطلق ربط الكاتب (فيكتور باسوفاليوف ) ومن خلال معايشته للواقع العراقي ، ومعرفته بالحكومة العراقية ، وبرئيسها صدام حسين ، كل الأحداث المأساوية التي حلّت بالعراق وإعطاء قوى الشر والعدوان الطامعين بخيرات العراق  وتحت قيادة امريكا ( الشيطان الأكبر ) كما وصفها الأمام الخميني  أنذاك ، الفرصة في الأنقضاض على هذا البلد المستقل وذا السيادة .

ووقع العدوان الآثم على العراق ، شعبا وأرضا ، وبكل وحشية .

ويحتوي الكتاب على مقدمة خاصة بالطبعة العربية في ص 5 ، لممثل الرئيس الروسي الى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، نائب وزير خارجية روسيا الأتحادية ميخائيل بوغدانوف " لقد كُتِبت الكثير من المؤلفات الجيدة والمثيرة للأهتمام حول الأحداث التي شهدها العراق في أواخر الثمانينات – وبداية التسعينات من القرن العشرين .

وتثار حتى الآن حولها مناقشات ساخنة وجدالات حادة . ومع ذلك ، ان الكتاب الذي بيَدَي القارئ العربي ، لافت للنظر في كثير من النواحي ، ويكتسب أهمية خاصة ..."  .

فالكتاب الموسوم بـ ( سماء بغداد القرمزية ) في الحقيقة والواقع، هو احد الوثائق التأريخيةالمهمة عن العراق ، وما تعرض له من عدوان بربري شرس، وعلى مرأى ومسمع من العالم ، ضاربين بأبشع وجه  ، واقذر يد كل المبادئ والقيم الأنسانية عرض الحائط ، وبذرائع هم صنعوها  كوسيلة تغطية لمآربهم وغاياتهم ، ذلك العدوان المتوحش بكل ما للكلمة من معنى ، وكعادتهم  المتأصلين عليها ، هو  الوصول  الى الهدف الأساسي  في الهيمنة والأستعباد واركاع الشعوب وإذلالها ...!

وبذلك يضيفون صفحة دموية أخرى الى سجلات تأريخهم المجبول على الجريمة ، والمنقع بالدم  والنتن بالآثام والخطيئة.

فالأنسان هو الذاكرة، والذاكرة هي الأنسان ، وما تركه لنا وللتأريخ  مؤلف  كتاب ( سماء بغداد القرمزية ) فيكتور باسوفاليوك ، هو نبضات وجدانه الحية النابضة بالحقيقة الأنسانية الرافضة للجريمة والنزعة العدوانية التي لا يقبلها النفس الأنساني الحر الشريف .

فالكتاب يحتوي على الكثير من الحقائق الجلية التي دونها كاتب عاش بشاعة الحرب الظالمة على العراق عن قرب ، لا كما تناولها آخرون عن بعد وعن نقل مشوه ، لا يبرز الوجه الحقيقي للجريمة والمجرمين .

فالظلم الذي وقع على العراق والعراقيين  لم تمح آثار عاره  ، وألمه في نفوس الأجيال ، ويبقى  ما دامت الشمس تشرق والأرض تدور في فلكها ...!

والأخ الدكتور فالح الحمراني بترجمته  هذا الكتاب ، إنما هو أغناء حقيقي للمكتبة العربية ، لما يحتويه من حقائق تكشف ما لم تتناوله الكتابات الأخرى عن مأساة الحرب العدوانية الشرسة والبربرية على العراق.

ومن هنا استطيع القول أن الخراب الذي عم البلاد ، وأنهار الدم  ودموع اليتامى والأرامل والثكالى هو المِداد الذي سيُكتب به تأريخ الجرائم التي أُرتكبت بحق العراق والعراقيين ، وفي الوقت ذاته ان الدم والدموع سيشتعل بآهات وحسرات المظلومين ، لتحترق به عروش الظلمة والطواغيت ، وكل قوى الشر في العالم التي تضطهد الأنسان وتسحقه من أجل اطماعها التوسعية، وستشرق شمس الحرية لتبدد الظلام الذي صنعه اللصوص والقتلة .