بعد تعيينه رئيسا للإدارة المدنية للإشراف على (إعادة إعمار العراق) في 6 أيار، عمل بول بريمر، ضمن ما عمله، على اطلاق رصاصة (الرحمة) على القطاعين الزراعي والصناعي وفتح الأبواب على مصاريعها لدخول البضائع الأجنبية، واعفاء البضائع المستوردة من الرسوم الكمركية، مما جعل البضاعة العراقية غير قادرة على المنافسة امام هذا المد الهائل من الاستيراد من مختلف المناشئ.

بعد انتهاء –زمن الفطام الأمريكي- استكملت المهمة قوى التحالف غير المقدس (الرأسمال المالي الأجنبي، وفئات الفساد الجديدة الصاعدة برافعات الدولة، بالتعاون مع جهاز الدولة البيروقراطي) فعمدت الى إبقاء الميزان التجاري مع بلدان الجوار وغيرها بالضد من مصالح الوطن وبما يخدم ويضمن مصالحها ومصالح رأس المال الأجنبي ودوائره واحتكاراته. وبهذا أصبح المنتوج المستورد (الرخيص نسبيا) طاردا للمنتوج الوطني، ومشردا شغيلته الى الأرصفة، وجاعلا من الدولة معتمدة على ريعها النفطي وتقلبات الأسواق. وتزامن هذا مع نشاط مافيا الفساد في قطاع النفط من تهريب وعدم الاهتمام بإنتاج المشتقات النفطية والاعتماد على استيرادها، وصولا الى ارتهان مستقبل الوطن بيد الشركات الاجنبية. ويعد هدف هذه السياسة التي تتبناها قوى الفساد والمافيات الحاكمة امتدادا للسياسة الامريكية التي تبناها بريمر في تدمير لحمة المجتمع العراقي وتفكيكه والحيلولة دون تطوير قواه المنتجة ونموها سواء في المدن او الأرياف باعتبارها احدى الركائز المهمة لتوحيد البنية الاجتماعية وإحدى الدعائم في أي تغيير منشود. ومعروف ان شغيلة المدن والارياف هم أصحاب المصلحة الحقيقية في الدفاع عن مصالح الوطن والشعب ضد قوى المحاصصة والطائفية والفساد.

 وظلت الدولة غير مهتمة بإعادة بناء القطاع الصناعي او الزراعي، بل استنزفت الأموال في الميزانية التشغيلية وفي الاستيراد، وتهريب الأموال الى الخارج، وعملت على الاستقواء بالمليشيات وكواتم الصوت، وتوظيف اعلامها للنيل من أي حراك جماهيري يطالب بالإصلاح. بالإضافة الى محاولات إعاقة العمل النقابي والحيلولة دون تشريعات جديدة تضمن حقوق الشغيلة.

ونظرة سريعة لأجور العمال قياسا برواتب كبار مسؤولي الدولة والبرلمانيين، ترينا الفرق الهائل والشاسع بين الاثنين، بالإضافة الى ما يتمتعون به من امتيازات لا حد لها ولا حصر، في الوقت الذي صارت فيه القوى المنتجة وشغيلة البلاد كافة قريبة الى (العبيد) دونهم الاكل والسكن الصحي والخدمات والأمان أيضا، ويعاملون كمواطنين منبوذين في الدوائر اذا لم يدفعوا الرشى لتسهيل معاملتهم. ولعبت سياسة التعليم الحالية وتدهوره وعدم ربطه بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية الى زيادة عدد العاطلين عن العمل وزيادة في البطالة المقنعة.

ان سياسة قوى الفساد المتحكمة بمفاصل الدولة، وما تقوم به من نشر ثقافة الانحطاط، والقيم المتخلفة، تجعلنا نضع الأول من أيار نصب اعيننا، كيوم وطني، لمحاربة هذه القوى الساعية لجر البلاد الى الهاوية، ومنطلقا لنضال طبقتنا العاملة وشغيلتنا كافة ضد اشكال الاستغلال والاضطهاد كافة.

عرض مقالات: